خطبة عن ( جبر الخواطر، وتطييب النفوس)
ديسمبر 2, 2017خطبة عن ( الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)
ديسمبر 2, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ) : وأما عن نسب (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ) ، فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، يكنى أبا محمد، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه ، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وأمه رضي الله عنها هي: الصعبة بنت الحضرمي ،امرأة من أهل اليمن ،وهي أخت العلاء بن الحضرمي ، وأسلمت ولها صحبة ، وظفرت بشرف الهجرة وقد وُلد طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه سنة 28 قبل الهجرة، وأسلم في بدايات الدعوة الإسلامية، فهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام. أما عن شخصيته وملامحه الشخصية : فقد وصفه ابنه موسى فقال: كان أبي أبيضَ يضرب إلى الحمرة، مربوعًا إلى القصر هو أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمَيْن، وقد لقي في بداية إسلامه أذًى شديدًا، فقد أخذه نوفل بن خويلد هو وأبا بكر الصديق فشدَّهما في حبل واحد، ولم يمنعهما بنو تيم، وكان يعذبهما تعذيبًا شديدًا، فلم يجيباه إلى ما أراد من الرجوع عن الإسلام إلى الكفر.
أيها المسلمون
وأما عن قصة إسلام طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ وهجرته: فقد قال طلحة بن عبيد الله عن نفسه : حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته يقول: سلُوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد منْ أهل الحرم؟ قال طلحة: نعم، أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم ومهاجره إلى نَخْل، وحرّة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه. قال طلحة: فوقع ما قال في قلبي، فخرجت سريعًا حتى قدمتُ مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبى قحافة. قال طلحة: فخرجت حتى دخلت على أبى بكر، وقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه، فادخل عليه، فاتّبعه، فإنه يدعو إلى الحق وإلى الخير. وأخبر طلحة أبا بكر بما قال الراهب، فخرج أبو بكر بطلحة، فدخل به على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما قال الراهب، فسر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلما أسلم أبو بكر وطلحة بن عبيد الله، أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية، فشدّها في حبل واحد، ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نوفل يُدعى أسد قريش ولذلك سُمّي أبو بكر وطلحة القرينين ،وقد أوذي طلحة في الله ولقي أذى كبيرًا من المشركين، ومن عشيرته الأقربين، وبقي طلحة – رضي الله عنه – صابرًا على الأذى والعذاب حتى أذن الله عز وجل بالهجرة، ولما ارتحل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مهاجرًا إلى المدينة لقيه طلحة قادمًا من الشام في عير، فكسا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر ثياب الشام، ثم مضى طلحة إلى مكة حتى فرغ من تجارته، ثم خرج بعد ذلك بآل أبى بكر؛ فهو الذي قدم بهم المدينة، فطلحة من المهاجرين الأوّلين – رضي الله عنهم-، ولما قدم المدينة آخي رسول الله بينه وبين أبى أيوب الأنصاري، وقيل كعب بن مالك الأنصاري، وكان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر، وجاء في سبب عدم اشتراكه في غزوة بدر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجَّهه وسعيد بن زيد رضي الله عنهما يتجسسان خبر العير فانصرفا، وقد فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال من لقيه من المشركين، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه
أيها المسلمون
ومن أخلاق رضي الله عنه أنه كان كريما في العطاء والاقراء ، فقد جاء إليه رجل فسأله برحم بينه وبينه، فقال: “هذا حائطي (بستاني) بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم، يراح إليَّ بالمال العشية، فإن شئت فالمال، وإن شئت فالحائط”. وأتاه مال من حضرموت سبع مائة ألف ، فبات ليلته يتململ . فقالت له زوجته : ما لك ؟ قال : تفكرت منذ الليلة ، فقلت : ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ؟ قالت : فأين أنت عن بعض أخلائك فإذا أصبحت ، فادع بجفان وقصاع فقسمه . فقال لها : رحمك الله ، إنك موفقة بنت موفق ، وهي أم كلثوم بنت الصديق ، فلما أصبح دعا بجفان ، فقسمها بين المهاجرين والأنصار ، فبعث إلى علي منها بجفنة ، فقالت له زوجته : أبا محمد ، أما كان لنا في هذا المال من نصيب ؟ قال : فأين كنت منذ اليوم ؟ فشأنك بما بقي . قالت : فكانت صرة فيها نحو ألف درهم . وكان رضي الله عنه لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه ، وقضى دينه ، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف ،فعاش حميدا سخيا شريفا ، وقتل فقيدا رحمه الله . ومن المواقف الخالدة في حياة طلحة بن عبيد الله مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ما رواه النسائي في سننه ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَوَلَّى النَّاسُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَفِيهِمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنْتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَنْتَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا قَالَ كَمَا أَنْتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا فَقَالَ أَنْتَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَيُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يُقْتَلَ حَتَّى بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِلْقَوْمِ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنَا فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ الْأَحَدَ عَشَرَ حَتَّى ضُرِبَتْ يَدُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ فَقَالَ حَسِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ ) ، هكذا ضحّى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم أحد بنفسه وأبلى بلاءً حسناً؛ واتقى النبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى شلت يده، وأُصيب في أصبعه، وضرب ضربة في رأسه، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استقل على الصخرة؛ حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم أوجب طلحة» (رواه ابن حجر العسقلاني، وحسّنه الألباني).وفي رواية قال: «اليوم كله لطلحة رضي الله عنه». ورُوِي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: “بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد عصابة من أصحابه على الموت حين انهزم المسلمون؛ فصبروا، وبذلوا نفوسهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قُتل منهم من قُتل، فعد من جملة من بايع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه”. وورد من طرق أنه أُصيب ببضع وسبعين جراحة. ورُوِي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قال: “إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]”. وتقول عائشة رضي الله عنها:” كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم اخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه” .
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بالشهادة ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ». وفي سنن الترمذي (قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ » وفي سنن الترمذي (عَنْ مُوسَى وَعِيسَى ابْنَىْ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِمَا طَلْحَةَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ مَنْ هُوَ وَكَانُوا لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ فَسَأَلَهُ الأَعْرَابِيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَىَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ ». قَالَ الأَعْرَابِيُّ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ ». وفي سنن الترمذي، ومسند البزار عن (عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ قَالَ سَمِعَتْ أُذُنِي مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ « طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ ». وعن موسى بن طلحة ، عن أبيه قال : لما كان يوم أحد ، سماه النبي – صلى الله عليه وسلم – طلحة الخير . وفي غزوة ذي العشيرة طلحة الفياض ويوم خيبر ، طلحة الجود .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف طلحة بن عبيد الله مع علي بن أبي طالب أنه لما كانت (وقعة الجمل) عام 36 هجري، وطلحة والزبير في فريق، وعلي في الفريق الآخر، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين (عائشة) في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: { يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت ؟ } . ثم قال للزبير: { يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، الا تحب عليا ؟؟. فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني ؟؟. فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم. فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك }. فأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما، ولكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا، . فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي، . وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته. ودخل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر -وكان مضطجعًا-: أجلسوني. فأجلسوه، فقال لطلحة: أبالله تخوِّفني؟! إذا لقيت الله ربي فساءلني، قلتُ: استخلفتُ على أهلك خير أهلك.
وأما عن دفاعه عن إخوانه وإحسان الظن بهم: فقد جاء رجل إلى طلحة فقال: أرأيتك هذا اليماني، هو أعلم لحديث رسول الله منكم- يعنى أبا هريرة – نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، فقال طلحة : أما أن قد سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لم نسمع، فلا أشك، وسأخبرك؛ إنّا كنا أهل بيوت، وكنا إنما نأتي رسول الله غُدوة وعشية، وكان مسكينًا لا مال له – أبو هريرة – إنما هو باب رسول الله، فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع، وهل تجد أحدًا فيه خير يقول على رسول الله ما لم يَقُلْ ، وكان طلحة بن عبيد الله معلما وقدوة ،فعن موسى بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، قال: كنا نصلي والدواب تمرُّ بين أيدينا، فذكرنا ذلك لرسول الله ، فقال: “مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ”.
ومن كلمات طلحة بن عبيد الله الخالدة أنه قال: “لقد أُعطي ابن عباس فهمًا لقنًا وعلمًا، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحدًا”. وقال رضي الله عنه: “إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء، لكننا نتصبر”. وقال أيضًا: “الكسوة تُظهِر النعمة، والدهن يذهب البؤس، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء”. ومن أقواله: إن أقلّ عيب الرجل جلوسه في بيته ،
أيها المسلمون
ونأتي إلى الخاتمة وإلى الوفاة : فقد قُتِل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم الجمل بسهم في ثغرة نحره، فمات، وذلك لما قرَّر الانسحاب من المعركة، بعدما أخبره عليٌّ رضي الله عنه بحديثٍ لرسول الله كان قد نسيه. وفيما ذكر التاريخ أن الذي قتله مروان بن الحكم الأموي، وذلك سنة ست وثلاثين من الهجرة، ولما رآه علي رضي الله عنه مجندلاً في الأرض قال: “يعزُّ علي أبا محمد أن أراك تحت نجوم السماء”. فمسح التراب عن وجهه، وترحّم عليه، وقيل : كان قبره على شاطئ الكلاء بالعراق، وكان حول قبره طلول من ماء البحر، فرآه بعض أهله في المنام أتاه ليلة بعد ليلة وهو يقول: ألا تريحوني من هذا الماء؛ فإنه قد آذاني. فنبش قبره، ونقل إلى مكان آخر بعيداً عن الطلول والمياه. فقيل: “إنه لم يتغير منه شيء لمّا نُبِشَ غير الشق الذي يلي الأرض؛ فإنه قد اخضّر من الماء، وكان بين دفنه ونبشه بضع وثلاثون سنة. وكان سِنَّه يوم مات اثنتين وستين سَنة رضي الله عنه، وكان له أولادٌ نجباء ،فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين ، وجمعنا الله بهم في جنات النعيم
الدعاء