خطبة عن ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ)
يوليو 22, 2017خطبة عن (علمني رسول الله: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ)
يوليو 22, 2017الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ، نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ، نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ) : أما عن اسمه ونسبه : فهو عبد الله بن سلام ابن الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري ، وهو حبر اليهود، يكنى أبا يُوسُفَ بْنُ سَلَامٍ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعِ إسْرَائِيلِيٌّ ، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام، وكان حليفًا للأنصار. ويقال كان حليفًا للقواقلة من بني عوف بن الخزرج. وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وهو أَحَدُ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ ، وقد رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ يُوسُفُ وَمُحَمَّدٌ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ ،وأما عن حال عبد الله بن سلام في الجاهلية: فقد كان عبد الله بن سلام حبرًا من أحبار اليهود الكبار في المدينة المنورة، وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلُّونه ويعظِّمونه ،وأما عن قصة إسلامه : فيروي عبد اللـه بن سلام قصة إسلامه فيقول: لمّا سمعت رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم عرفت صفتَهُ واسمَهُ وزمانه وهيئته، والذي كنّا نتوكّف -نتوقع- له، فكنت مُسِرًّا لذلك صامتًا عليه حتى قدم رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم المدينة، فلمّا قَدِمَ نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلمّا سمعتُ الخبر بقدوم رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم كبّرت، فقالت لي عمّتي حين سمعت تكبيري: (لو كنتَ سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدت!؟), قُلتُ لها: (أيْ عمّة، هو واللـه أخـو موسـى بن عمران وعلى دينـه، بُعِـثَ بما بُعِثَ به), فقالت لي: (أيْ ابن أخ، أهو النبي الذي كُنّا نُخبَرُ به أنه بُعث مع نَفَسِ السّاعة), فقلت: (نعم), قالت: (فذاك إذًا). وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ ،فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ « أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا » . قَالَ جِبْرِيلُ قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ . فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ) ، أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ » . قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي . فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ » . قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا ، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا . قَالَ « أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ » . فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ . فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا . وَانْتَقَصُوهُ . قَالَ فَهَذَا الَّذِى كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ) ، وفي رواية للبخاري : (جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّى سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ . فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللَّهَ ، فَوَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، وَأَنِّى جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا » . قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ . قَالُوا لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ . قَالَ « فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ » . قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا . قَالَ « أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ » . قَالُوا حَاشَا لِلَّهِ ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ . قَالَ « أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ » . قَالُوا حَاشَا لِلَّهِ ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ . قَالَ « يَا ابْنَ سَلاَمٍ ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ » . فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، اتَّقُوا اللَّهَ ، فَوَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ . فَقَالُوا كَذَبْتَ . فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – )
أيها المسلمون
وقد تأثر الصحابي الجليل عبد الله بن سلام برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية عبد الله بن سلام: فقد كان الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه ممّن أسلم مبكرًا، وبدأت قصّته مع قدوم النّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلما سمِع بقدوم النّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعَرَفَ أنّ الناس قد تجمّعوا لاستقباله انطلق معهم، وهو يحمل الثمر الذي كان يقطفه في أرضه، فلما نظر إليه عرف أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، ولنَدَع سيدنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه يروي قصّة لقائه بالنّبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي: قال ( لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قد قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلاثًا، فجِئْتُ في النَّاسِ لأَنْظرَ، فلمَّا تَبيَّنْتُ وجْههُ عرَفتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فكان أوَّلُ شيْءٍ سمعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ”، فدنوت منه وشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فالتفتَ النبي عليه الصلاة والسلام وقال: “ما اسمك؟” فقلتُ: الحصين بن سلام، فقال عليه الصلاة والسلام: “بل عبد الله بن سلام”، قلت: نعم، عبد الله بن سلام، والذي بعثك بالحق ما أُحبُّ أنّ لي اسمًا آخر بعد اليوم.. ومن أهم ملامح شخصية الصحابي عبد الله بن سلام: فقد كان الحصين بن سلام معروفًا بين الناس بالتُّقَى والصلاح، موصوفًا بالاستقامة والصدق، وكان يحيا حياةً هادئةً وديعة، ولكنها كانت في الوقت نفسه جادةً نافعة، فقد قسم وقته أقسامًا ثلاثة؛ شطرًا للوعظ والعبادة، وشطرًا في بستان له يتعهد نخله بالتشذيب والتأبير، وشطرًا مع التوراة للتفقه في الدين، هكذا وصفوه، وكان كلما قرأ التوراة وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة، يتمم رسالات الأنبياء السابقين، ويختمها. وهذه مواقف من حياة عبد الله بن سلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم : – ففي صحيح البخاري (عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ ، فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ ، وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . قَالَ وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّى فِي رَوْضَةٍ – ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا – وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لَهُ ارْقَهْ . قُلْتُ لاَ أَسْتَطِيعُ . فَأَتَانِي مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي ، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاَهَا ، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ ، فَقِيلَ لَهُ اسْتَمْسِكْ . فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِى ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلاَمُ ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى ، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ » . وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ) ، وفي مسند الامام احمد : (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِىَ بِقَصْعَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَجِيءُ رَجُلٌ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَأْكُلُ هَذِهِ الْفَضْلَةَ ». قَالَ سَعْدٌ وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَخِي عُمَيْراً يَتَوَضَّأُ – قَالَ – فَقُلْتُ هُوَ عُمَيْرٌ – قَالَ – فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَأَكَلَهَا.)
وهذه بعض المواقف من حياة عبد الله بن سلام مع الصحابة: فقد نهى عبد الله بن سلام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن خروجه إلى العراق، وقال: (الْزَمْ مِنْبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تركته لا تراه أبدًا)، فقال عليّ: (إنّه رجلٌ صالحٌ منّا). ومن مواقفه مع سلمان يقول المغيرة بن عبد الرحمن: لقى سلمان الفارسي عبد الله بن سلام، قال: إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك، قال: فمات سلمان الفارسي فرأه عبد الله بن سلام، فقال: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير، قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجدت التوكل شيئًا عجيبًا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأحاديث التي نقلها الصحابي عبد الله بن سلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم : فقد روى الترمذي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ،وروى ابن ماجة : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ « مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ ». وروى ابن ماجة : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَشَارَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ. فَقُلْتُ صَدَقْتَ أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ. قُلْتُ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ « هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ » قُلْتُ إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلاَةٍ. قَالَ « بَلَى إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لاَ يَحْبِسُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ ». ومن الكلمات الخالدة لعبد الله بن سلام: قال عبد الله بن سلام ينهى عن قتل عثمان: يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها. ومن مناقب الصحابي الجليل عبد الله بن سلام: فقد روى البخاري (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . إِلاَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ ) الآيَةَ ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ قَالَ لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْمَوْتُ قِيلَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْصِنَا. قَالَ أَجْلِسُونِي . فَقَالَ إِنَّ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِى الدَّرْدَاءِ وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ الَّذِى كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ ». ومن مناقبه رضي الله عنه أنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبد الله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين. (حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ { يَطَؤُهَا } فَأَدَّبَهَا ، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ، فَلَهُ أَجْرَانِ » رواه البخاري ومسلم. وفيه -أي في عبد الله بن سلام- نـزل قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]. فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام. وأما عن وفاة عبد الله بن سلام: فقد توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين. فرحم الله الصحابي الجليل عبد الله بن سلام ، ورضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين ، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى في جنات النعيم
الدعاء