خطبة عن ( الصحابي مصعب بن عمير: نسبه واسلامه)
مارس 8, 2016خطبة عن ( معاذ بن جبل: علمه وزهده وورعه )
مارس 9, 2016الخطبة الأولى ( الصحابي معاذ بن جبل: مواعظه وحكمه)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عن معاذ بن جبل أنه قال : ( تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ )،
إخوة الإسلام
حديثنا عن الصحابي معاذ بن جبل ومواعظه والحكم التي نطق بها : فلقد ترك لنا معاذ بن جبل رضي الله عنه ثروة من المواعظ والحكم والدروس التربوية التي تهذب النفس وتصقل الطبع وتغذي الروح وأسوق لكم بعضاً منها : فعن معاذ بن جبل أنه قال : ” تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ ، لأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ ، وَمَنَارُ سَبِيلِ الْجَنَّةِ ، وَالأُنْسُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ ، وَالصَّاحِبُ فِي الْعُزْلَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَالسِّلاحُ عَلَى الأَعْدَاءِ ، وَالزَّيْنُ عِنْدَ الأَخِلَّاءِ ، وَالْقَرِيبُ عِنْدَ الْغُرَبَاءِ ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً ، وَهُدَاةً يُهْتَدَى بِهِمْ ، وَأَئِمَّةً فِي الْخَيْرِ تُقْتَصُّ آثَارُهُمْ ، وَتُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ ، وَيُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ ، وَيُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ ، تَرْغَبُ الْمَلائِكَةُ فِي خِلَّتِهِمْ ، وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ ، وَفِي صَلاتِهَا تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ ، حَتَّى حِيتَانِ الْبَحْرِ وَهَوَامِّهِ ، وَسِبَاعِ الْبَرِّ وَأَنْعَامِهِ ، وَالسَّمَاءِ وَنُجُومِهَا ، لأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْعَمَى ، وَنُورُ الأَبْصَارِ مِنَ الظُّلَمِ ، وَقُوَّةُ الأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ ، يَبْلُغُ بِالْعَبْدِ مَنَازِلَ الأَبْرَارِ ، وَمَجَالِسَ الْمُلُوكِ ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَالْفِكْرَةُ فِيهِ تُعْدَلُ بِالصِّيَامِ ، وَمُدَارَسَتُهُ بِالْقِيَامِ ، وَبِهِ يُطَاعُ وَيُعْبَدُ ، وَبِهِ يُعْمَلُ وَيُحْفَدُ ، وَبِهِ يُتَوَرَّعُ وَيُؤْجَرُ ، وَبِهِ تُوصَلُ الأَرْحَامُ ، وَيُعْرَفُ الْحَلالُ مِنَ الْحَرَامِ ، إِمَامُ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ ، قَالَ : تَابِعُهُ ، يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ ، وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاءُ) ، وقد قرن رضي الله عنه العلم بالعمل ، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه (اعلموا ما شئتم أن تعلموا ، فلن يؤجركم الله بعلم حتى تعملوا)، أما عن وصيته في التحذير من اليأس والبدع فقد قال : ( إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق ) ، ولما مات أبو عبيدة في طاعون عمواس واستخلف معاذ بن جبل ليصلي بالناس ويقود الجيش ، وقف معاذ بن جبل فقال : يا أيها الناس: توبوا إلى الله من ذنوبكم، فأيما عبد يلقى الله تعالى تائباً من ذنبه إلا كان على الله حقا أن يغفر له، من كان عليه دين فليقضه، فإن العبد مرتهن بدينه، ومن أصبح منكم مهاجراً أخاه فليلقه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام،
أيها المسلمون
ونأتي إلى الأيام الأخيرة من حياته ، فقد قال عبد الله بن رافع وغيره: لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل، واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز، فقال: (إنه ليس برجز، ولكنه دعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم. أيها الناس، أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها)، قالوا: وما هن؟ قال: (يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل: والله، لا أدري على ما أنا، لا يعيش على بصيرة، ولا يموت على بصيرة، ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة)، فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكرُه الذي كان الغرماء به وأحب الخلق إليه، فرجع من المسجد فوجده مكروبا فقال: (يا عبد الرحمن، كيف أنت؟) فقال: يا أبت، الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فقال معاذ: (وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين، فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد). ثم طعنت امرأتاه فهلكتا، وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول: (اللهم إنها صغيرة فبارك فيها، فإنك تبارك في الصغيرة)، ويقول: (هي أحب إلي من حمْر النَّعم).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( معاذ بن جبل )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وحين حضره الموت جعل بعض التابعين يبكي، فرآه معاذ فقال: (ما يبكيك؟) قال: ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك، قال: (ولا تبكه؛ فإن إبراهيم صلوات الله عليه كان في الأرض وليس بها علم، فآتاه الله علما، فإن أنا مت فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله بن مسعود وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام وعويمر أبي الدرداء). فلما حضرته الوفاة قال : انظروا أصبحنا؟ قال : فأتي فقيل : لم نصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل له : قد أصبحت ، فقال : أعوذ بالله من ليلة صباحها النار ، مرحباً بالموت مرحباً ،زائر مغب ، حبيب جاء على فاقة ،اللهم إني قد كنت أخافك، و أنا اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وصول البقاء فيها لكري إلا نهار ، ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )، ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله، وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة ، قال سعيد بن المسيب: “رفع عيسى بن مريم عليه السلام وهو ابن ثلاث وثلاثين، ومات معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة”.
الدعاء