خطبة عن (إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِى يَسْرِقُ صَلاَتَهُ)
أبريل 17, 2016خطبة عن ( من فضائل الصلاة )
أبريل 17, 2016الخطبة الأولى ( الصلاة المقبولة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (238) البقرة
إخوة الإسلام
الصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد حركات للجسم بلا روح وليست مجرد أقوال يلوكها اللسان ، أو حركات تؤديها الجوارح، بلا تدبر من عقل ، ولا خشوع من قلب ، وليست الصلاة المطلوبة هي تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديكة، ويخطفها خطف الغراب، ويلتفت فيها التفات الثعلب.. كلا ، فالصلاة المقبولة هي التي تأخذ حقّها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله. وذلك لأن القصد الأول من الصلاة بل من العبادات كلها هو تذكير الإنسان بربه الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى. قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، وأشار إلى روح الصَّلاة، فقال: (عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الصَّلاَةُ مَثْنَى مَثْنَي أَنْ تَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْ تَبَاءَسَ وَتَمَسْكَنَ وَتُقْنِعَ بِيَدَيْكَ وَتَقُولَ اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ ». )؛ أيْ: ناقصة؛ [رواه أبو داود]. فهذا تنبيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهميَّة حضور القلب في الصلاة، وأمَّا حضور العقل فحَسْبُنا قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43]، فنبَّه بهذا التعليل على وجوبِ حضور العقل في الصلاة، فكم من مصلٍّ لا يعلم ما يقول في صلاته، وهو لم يشرب خمرًا، وإنَّما أسكره الجهلُ والغفلة، وحبُّ الدنيا، واتِّباع الهوى! ويقول ابن عبَّاس: “ركعتان مُقْتصدتان في تفكُّر، خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساهٍ”. هذه هي الصلاة التي كانت قرة عينه عليه الصلاة والسلام، والتي كان يحن إليها ويتلهف عليها ويقول لبلال: أرحنا بها يا بلال ، هذه هي صلاة الأنس والحب لا صلاة النقر والخطف التي يؤديها كثير من المسلمين اليوم. فمثل هذه الصلوات تشبه أن تكون وجبات روحية دسمة ضخمة توجه الإنسان طول يومه إلى أن يبقى في طاعة ربه وإلى أن يتقيه ويخشاه. ومع هذا فالصلاة في الإسلام ليست عبادة روحية فحسب، بل إنها أيضا نظافة وتطهر وتزين وتجمل، اشترط الله لها تطهير الثوب والبدن والمكان من كل خبث مستقذر وأوجب التطهر بالغسل والوضوء لأن مفتاح الصلاة الطهور ، ولهذا أمر المسلم أن يأخذ زينته للصلاة يذهب إلى المسجد طيب الرائحة حسن الملبس مجتنبا لكل ما يؤذي إخوانه من الروائح الكريهة والثياب المستقذرة، وهكذا كان المسلمون الأولون يفعلون، فكان الحسن البصري إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فسئل عن ذلك فقال: إن الله جميل يحب الجمال وهو تعالى يقول: خذوا زينتكم عند كل مسجد . والصلاة تغرس في مقيمها النشاط والحيوية وتقوي عضلات بدنه فهي تتطلب اليقظة المبكرة والنشاط الذي يستقبل اليوم من قبل طلوع الشمس وهي بكيفيتها المأثورة عن رسول الله أشبه بالتمرينات الرياضية التي يقوم بها الرياضيون المحدثون اليوم وكما قال أحمد شوقي: لو لم تكن من أفضل العبادات، لعُدّت من صالح العادات ،رياضة أبدان ،وطهارة أردان ،وشتى فضائل يشب عليها الجواري والولدان ،أصحابها هم الصابرون ، وعلى الواجب هم القادرون ، عودتهم البكور ،وهو مفتاح باب الرزق وأفضل ما يتوجه به العبد إلى الخالق.
أقول قولي وأستغفر الله لي لكم
الخطبة الثانية ( الصلاة المقبولة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالصلاة الحقيقة التي يريدها الإسلام تمد المؤمن بقوة روحية نفسية وبدنية تعين المسلم على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا ،ولذا قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) ) البقرة 45، 46 . ففي الصلاة ، يفضي المؤمن إلى ربه بذات نفسه ،يدعوه ويشكو إليه بثه وحزنه، ويستفتح باب رحمته ، وفي الصلاة يشعر المؤمن بالسكينة والرضا والطمأنينة ، إنه يبدأ بالتكبير فيقول: الله كبر فيحس بأن الله أكبر من كل ما يخوفه في هذه الدنيا، ويقرأ فاتحة الكتاب فيجد فيها تغذية للشعور بنعمة الله وعظمته وعدله وتغذية للشعور بالحاجة إلى هداية الله اهدنا الصراط المستقيم .فلا عجب أن تمد الصلاة المؤمن بحيوية هائلة وقوة نفسية فياضة وفي هذه القوة مدد أي مدد لضمير المؤمن يقوده إلى فعل الخير وترك الشر ومجانبة الفحشاء والمنكر ومقاومة الجزع عند الشر والمنع عند الخير فهي تغرس في القلب مراقبة الله تعالى ورعاية حدوده والحرص على المواقيت والدقة في المواعيد والتغلب على نوازع الكسل والهوى ،وفي هذا يقول الله عز وجل: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) ) المعارج ،وقال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت، ولهذا ورد عن ابن مسعود بإسناد صحيح أنه قال: (من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا) رواه الطبراني في المعجم، وما نراه اليوم من المصلين خلاف ذلك، فقد ضعفت أخلاقهم أو انحرف سلوكهم ، وذلك بسبب أن صلاتهم جسد بلا روح ، وحركات جسم بلا حضور عقل ولا خشوع قلب ، وإنما الفلاح للمؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون . وسئل حاتم الاصم : كيف تصلي؟ قال: إذا تقارب وقت الصلاة أسبغ الوضوء ثم أستوي في الموضع الذي أصلي فيه حتى يستقر كل عضو مني، وأرى الكعبة بين حاجبيّ، والمقامَ بحيال صدري، وأشهد أن الله يعلم ما في قلبي، وكأن قدميّ على الصراط والجنةَ عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت خلفي، وأظن أنها آخر الصلاة، ثم أكبر تكبيراً بإحسان، وأقرأ قراءة بتفكر، وأركع ركوعاً بالتواضع، وأسجد سجوداً بالتضرع، ثم أجلس على التمام، وأتشهد على الرجاء، وأسلّم على السنة ثم أسلمها للإخلاص، وأقوم بين الخوف والرجاء، ثم أتعاهد على الصبر.
الدعاء