خطبة عن اختلاف أعمال الناس ،وقوله تعالى ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى )
أكتوبر 3, 2023خطبة عن (أَبْشِرُوا بفتح قريب)
أكتوبر 7, 2023الخطبة الأولى ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ ،فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ،وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ».
إخوة الإسلام
للصلاة أهمية كبرى في حياة المسلم، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي الفريضة التي تهذب النفس الإنسانية، وتمنعها من الشهوات، وتكفر بها السيئات ،وهي الرابط الأقوى، والحبل المتين بين العبد وربه، لذلك كانت المحافظة عليها من سمات المتقين، وكانت إقامتها في أوقاتها من أحب الأعمال والعبادات إلى الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى فرض علينا الصلاة ليزيدنا من فضله ،وليتمَّ علينا نعمته، فهي خير معين، وهي عماد الدين، وهي الصلة المتواصِلة برب العالمين، فإذا أقيمت هذه الشعيرة ،وأدّاها المسلمون كما ارتضاها الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم ،فقد أفلحوا الفلاح المُبين، وكانت عليهم فتحًا مبينًا ،وثباتًا ويقينًا، ولم يخافوا بعدها ظلمًا ولا هضمًا، وأما إذا تركت هذه الصلوات ،وضُيِّعتْ ،وتهاون المسلمون في القيام بها على الوجهة الصحيحة ،فقد حقَّت فيهم آية المعاتبة والفضيحة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59] ، ففي ترك الصلاة الغي والضلال ،والذلَّة والهوان، نعم ،ضلال وغيٌّ للأمة في كل مجال، ولن ينصلح لها حال حتى تعود ،وتتبع الشرع في كل الأحوال ،قال الله تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ ﴾ [النور: 36، 37]، فالعودة إلى رحاب المساجد منبع الأنوار ،ومرتَع الأبرار وربح التجار.
ولكل صلاةٍ من الصلوات الخمس فضيلةٌ وفائدة، ولصلاتي الفجر والعشاء نصيب من تلك الفضائل؛ لأنها تأتي في وقت العتمة، حيث الراحة والدعة ،والركون إلى الأهل والولد، وهناك فضائل مشتركة بين الصلاتين، إضافة إلى فضائل خاصة بكل صلاة، فمن الفضائل المشتركة للصلاتين: النور التام : فتكسب صلاتا الفجر والعشاء المسلم في الآخرة نوراً تاماً، حيث بشر النبي عليه الصلاة والسلام المشائين إلى المساجد في ظلمات الليل بالنور التام يوم القيامة، فكان جزاء سعيهم لأداء الصلوات في الليل البهيم، أن أكرمهم الله بنور تامٍ غير ناقص، ففي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ،ومن الفضائل المشتركة بين صلاتي الصبح والعشاء : معادلة أجر قيام الليل: قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ،وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ » [صحيح مسلم]. ،ومن الفضائل المشتركة بين صلاتي الصبح والعشاء : الدلالة على الإيمان: فصلاتا الفجر والعشاء من علامات الإيمان وصحة العقيدة، حيث تنفيان عن النفس النفاق، فصلاة الفجر وصلاة العشاء من أثقل الصلوات على المنافقين، لذلك فهم يتخلفون عنها كثيراً، بينما ترى المؤمنين أولي العزيمة يحرصون على أداء تلك الصلوات ،على الرغم من صعوبتها على النفس الإنسانية ،بسبب ما يترتب عليها من الأجر الكبير، فقد روى الامام البخاري في صحيحه : (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ »
أيها المسلمون
وفي الحديث الذي هو بين أيدينا اليوم -إن شاء الله- ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ،وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ». ،فالذي استخلصه شراح الحديث من خلال الجمع بين هذه الروايات في هذا الشأن : أن من صلى العشاء والصبح في جماعة ،كان كمن قام الليل كله، وأن من صلى واحدا منهما في جماعة ، كان كقيام نصف ليلة، فلما كانت الصلاتين كلهما في الليل صار حضورهما سبباً في أدراك قيام نصف الليل أو أدراك القيام كله، فالظاهر أنه لا ينال ذلك إلا من حافظ على الفريضتين العشاء والفجر في جماعة، أما من حافظ الواحدة على الأخرى فأظنه لم يأتي بالشرط المطلوب، فهذا الحديث يُبين لنا فضل صلاة العشاء والفجر في الجماعة، ولكن مَن قام الليل يكون أكمل وأعظم ،وجمع بينهما، فمَن صلَّى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الفجر في جماعةٍ فكأنما قام الليل كله، فهذا تحريضٌ على المسارعة إلى الجماعة، والحرص على أداء هاتين الصلاتين في الجماعة، ولكن إذا جمع بين هذا وبين قيام الليل جمع خيرًا كثيرًا ، ويدل هذا على أن التَّهجد بالليل ليس بواجبٍ، بل هو سنة وقُربة، ومن الواضح أن هذه الفضيلة لصلاتي الصبح والعشاء هي بسبب صعوبتهما على المسلمين؛ لكونهما يأتيان في وقت راحة للإنسان، بعد عناء يوم طويل، وأيضًا لأن المسلم يكون قد انتهى من أعماله ومشاغله؛ لذلك فهو يخرج من بيته خصوصًا للصلاة، وليست كصلوات الظهر والعصر والمغرب؛ حيث يكون المسلم في عمله، ويكون وجوده خارج بيته دافعًا له إلى الصلاة مع الناس على أية حال؛ ولعلَّ هذا الذي يجعل صلاة العشاء والصبح في جماعة ثقيلة على المنافقين؛ حيث يصعب عليهم التوجُّه بشكل خاصٍّ ومقصود إلى هاتين الصلاتين، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا..”
ويتبين لنا أيضا من خلال هذا الحديث: أهمية أداء الصلاة في جماعة في المسجد (بالنسبة للرجال) ،ونحن نعلم أن بناء المساجد وعمارتها وإعلائها إنما جعل لقيام الجماعة فيها ، قال الله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور (36) ،(37)، وقال الله تعالى : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة (18) ،ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ » ،ثم أمر الله نبيه بأن يصلى صلاة في السفر ،قال الله جل وعلا:(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) النساء 102، فلو لم يكن للجماعة أهمية لما أمر بها أثناء السفر ،وعند مشاهدة الأعداء ،مما يدل على عظيم شأنها ،والاهتمام والعناية بها، فما شرع الأذان إلا للإعلان بدخول الوقت والاجتماع في المساجد، فالحقيقة أمر الجماعة في المساجد أمر مهم ، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ – صلى الله عليه وسلم – سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ) ، ويقول عبدالله بن عمر: (كان الرجل منا إذا تخلف عن الفجر أو العشاء أسأنا به الظن أن يكونا منافقا)، فكانوا يرون حضورا الجماعة عنوان الإيمان، وتقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) :”مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ خيرا”،
وفي الحديث أيضا بيان لفضيلة قيام الليل: فقيام الليل هو دأب الصالحين ،وقرة عين المُشتاقين ،ومُستراح المَكروبين والمهمومين، فهداهم الله تعالى لسبيلٍ أيسرَ لنَيلِ ثواب قيام ليلة بكامِلها، وهو شهود صلاة العشاء والصُّبح مع الجماعة، وكم ضيَّع هذا المتخلِّف عن شهود هاتين الفريضتين من ثواب وأجر! ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذمَّ هؤلاء المتخلِّفين لغير عذرٍ وبيَّن أن لو كان الأمر متعلِّقًا بحظٍّ من حظوظ الدنيا لما تخلَّفوا عنه، جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ » عَرْقًا: العرق – بسكون الراء – قطعة لحم، المِرْماةُ: الظِّلْفُ، أو ما بين ظلفي الشاة من اللحم.
أيها المسلمون
إن ترْكَ الكثير من الناس لحضورَ صلاة العشاء وصلاة الصبح، لهو دليلٌ واضح على زهد الناس في الآخرة ،وإقبالهم على الدنيا الحلوة الخَضِرة ،والتي تزيَّنت في هذا الزمان في أبهى صورها ، بحيث يستطيع الكثير من الناس أن يتركوا حضور هاتين الفريضتين بسبب مباراة في كرة القدم، أو لسماع فلم ، أو .. ،وانظروا إلى ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى قلَّة في صلاة العشاء والفجر، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ « أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ». قَالُوا لاَ. قَالَ « أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ». قَالُوا لاَ. قَالَ « إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلاَئِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لاَبْتَدَرْتُمُوهُ وَإِنَّ صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ وَحْدَهُ وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ».،فأهل النفاق في عهده صلى الله عليه وسلم هم من يتركون هذه الفرائض ،لثقلها عليهم ،وفراغ قلوبهم من اليقين والإيمان بثواب الدنيا والدين ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فليَحذر المسلمون اليوم من تركهم صلاة الجماعة والتهاون أو التكاسَل أو الاستهزاء بهذه الشعيرة، والتي هي من سنن الهدى، وخاصة ما نراه من تهاون في صلاة الفجر ، فالإعراض عن صلاة الفجر، هو إعراض عن الجنَّة، وإعراض عن ذمَّة الله وجواره؛ يقول الله تعالى: (وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء:78)، قال ابن مسعود -رضِي الله عنه-: “(وَقُرْآنَ الفَجْرِ): صلاة الصبح. ومعنى (مَشْهُودًا): تشْهده الملائكة؛ حفظةُ اللَّيل وحفظة النَّهار”.، وفي البخاري ومسلم عن أبي هُريْرة -رضِي الله عنْه- عن النَّبي -صلَّى الله عليْه وسلَّم- قال: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ… )، ثُمَّ قال أبو هُريرة -رضي الله عنه-: اقرؤوا إن شئْتُم: (وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء:78). ؛ فكيف تطيب لك نفسٌ -أيُّها الغافل عن صلاة الفجر- وقد حُرِمْت شهود الملائكة؟! وكيف تطلُب السَّعادة في يومِك وقدِ استفتحته بالنَّوم عن قرآن الفجر؟ ، قال -صلَّى الله عليْه وسلَّم- لفضالة: (حافِظُ على العَصْرَيْنِ: صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها) (رواه أبو داود والحاكم، وصححه الألباني)، ، وفي الصحيحين : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ » ،والبَرْدان: الصُّبح والعصر. ، وقال رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: (مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) (رواه مسلم). ، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ)، وفي رواية: (تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
فيا عجبًا ، كيف نغفل عن هذا الفضل؟! ، وكيف نزهَد بجنَّة عرضُها السَّموات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذُن سمعتْ، ولا خطر على قلْب بشر؟! ، وكيف نرْضَى لأنفُسنا أن تقوم بها صفات أهل النّفاق والشّقاق -والعياذ بالله-؟! قال أبو هُريْرة -رضي الله عنه-: “لأن تمتلئ أذُن ابن آدم رصاصًا مذابًا خيرٌ له من أن يسمع النِّداء ولا يجيب!”. وقال سعيد بن المسيّب -الَّذي ما أذَّن المؤذّن أربعين سنةً إلاَّ وهو في المسجد- في قولِه تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) (القلم:42-43): أي”كانوا يسمعون: (حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح) فلا يُجيبون وهم أصحَّاء سالمون”.
فهل مِن عودة إلى الله؟ ،هل من مُحاسبة للنَّفس قبل أن تُحاسب؟ ،فيا عبد الله، ربَّما تصلّي الفجر في جماعة فيصلَّى عليْك في الظُّهر ،فكُن في ذمَّة الله وجواره ولا تنقض العهْد، فكم من نفسٍ أصبحتْ في الدُّنيا وأمست في القبر! .
الدعاء