خطبة عن الجهر بالحق (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)
فبراير 15, 2020خطبة عن (وقفات إيمانية مع آيات من سورة النحل)
فبراير 15, 2020الخطبة الأولى ( الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح ، وحسنه الألباني : (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ».
إخوة الإسلام
إن الإصلاح بين المُتخاصِمينَ من مكارمِ الأخلاقِ، ومن محاسنِ الشَّريعةِ الغَرَّاءِ؛ فهو يُؤلِّفُ بين قلوبِ المؤمنين، ويُحافظُ على رُوحِ الأُخُوَّةِ بينهم، وينزِعُ عنهم الأحقادَ والعَداواتِ. وفي هذا الحديثِ المتقدم يَحُثُّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسلِمين على الصُّلْحِ بين المُتخاصِمينَ ، فقوله صلى الله عليه وسلم : «الصُّلْحُ جائزٌ بين المسلِمين»، وخصَّ المسلِمين في الحديثِ؛ اهتمامًا بشأنِهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم :«إلَّا صُلْحًا أحَلَّ حرامًا، أو حرَّمَ حلالًا»، أي: يُستثنى من الصُّلحِ الجائِزِ أنْ يَشتمِلَ على تحليلِ مُحَرَّمٍ؛ كأنْ يُصالِحَ المرءُ على أكْلِ مالٍ لا يحِلُّ له، أو زيادةٍ رِبويَّةٍ على الدَّينِ، وكذلك لا يجوز الصُّلحُ إذا اشتَمَلَ على تحريمِ حلالٍ؛ كأنْ يُصالِحَ الزَّوجُ زَوجتَه على ألَّا يَبيتَ عِندَ زَوجتِه الأُخرى. ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المسلِمون على شُروطِهم»، أي: ثابِتونَ على الشُّروطِ الجائزةِ شَرْعًا التي تَقَعُ بينهم؛ فيُوفون بها ولا يَرجِعون عنها؛ لأنَّ هذا من الوفاءِ بالعُقودِ الذي أمَرَ اللهُ به، وأمَّا الشُّروطُ الفاسدةُ أو غيرُ الجائزة شرعًا؛ فلا يُوفَى بها. والصلح خير؛ لما فيه من حسم النزاع، وسلامة القلوب، وبراءة الذمم ، فيدخل فيه: الصلح في الأمور في الإقرار، بأن يقرَّ له بدين، أو عين، أو حق، فيصالحه عنه ببعضه أو بغيره. وصلح الإنكار، بأن يدعي عليه حقاً من دين، أو عين، فينكر، ثم يتفقان على المصالحة على هذا بعين أو دين، أو منفعة أو إبراء، أو غيره: فكل ذلك جائز. وكذلك الصلح عن الحقوق المجهولة، كأن يكون بين اثنين معاملة طويلة، اشتبه فيها ثبوتُ الحق على أحدهما أو عليهما، أو اشتبه مقداره، فيتصالحان على ما يتفقان عليه، وتمام ذلك: أن يحل كل منهما الآخر، أو يكون بين اثنين مشاركة في ميراث أو وقف، أو وصية أو مال آخر: من ديون، أو أعيان، ثم يتصالحان عن ذلك بما يريانه أقرب إلى العدل والصواب. وكذلك يدخل في ذلك: المصالحة بين الزوجين في حق من حقوق الزوجية: من نفقة أو كسوة أو مسكن أو غيرها، ماضية أو حاضرة، وإن اقتضت الحال أن يغض أحدهما عن بعض حقه: لاستيفاء بقيته، أو لبقاء الزوجية، أو لزوال الفضل، أو لغير ذلك من المقاصد، فكل ذلك حسن، كما قال تعالى في حقهما في كتابه الكريم : {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء 128، وكذلك الصلح عن القصاص في النفوس، أو الأطراف بمال يتفقان عليه، أو المعاوضة عن ديات النفوس ،والأطراف ،والجروح ،أو يصلح الحاكم بين الخصوم بما تقتضيه الحال، متحرياً في ذلك مصلحتهما جميعاً ،فكل هذا داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : “الصلح جائز بين المسلمين”. فإن تضمن الصلح تحريم الحلال، أو تحليل الحرام، فهو فاسد بنص هذا الحديث، ولهذا قيده الله بقوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات 9، وأما الشروط: فأخبر في هذا الحديث أن المسلمين على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، وذلك مثل إذا اشترط المشتري في المبيع وصفاً مقصوداً، كشرط العامل كاتباً، أو يحسن العمل الفلاني، ومثل أن يشترط المشتري: أن الثمن أو بعضه مؤجل بأجل مسمى، أو يبيع الشيء ويشترط البائع: أن ينتفع به مدة معلومة، كما باع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم جمله، واشترط ظهره إلى المدينة. ومثل أن يشترط سكنى البيت، أو الدكان مدة معلومة، أو يستعمل الإناء مدة معلومة، وما أشبه ذلك ،وكذلك شروط الرهن والضمان والكفالة هي من الشروط الصحيحة اللازمة. ومثل الشروط التي يشترطها المتشاركان في مضاربة، أو مساقاة، أو مزارعة: فكلها صحيحة، إلا شروطاً تحلل الحرام، وعكسه، كالتي تعود إلى الجهالة والغرر.
أيها المسلمون
ومن الأخطاء الشائعة بين المسلمين قولهم ( العقد ، أو الرضا ، شريعة المتعاقدين ) ويعنون بذلك العقد الذي ينظمه القانون المدني ،ويبنون حكمهم عليه ،مع قطع نظرهم عما يجيزه الشرع أو يحرمه ، فلا قيمة لأحكام الشرع عندهم أو في عرفهم ، فهذه الكلمة بهذه الصفة تفتح باب الشر ، فتجعل الحلال حرامًا ، فالزنا في عرفهم وقانونهم متى وقع بطريق الرضا فهو جائز قطعًا ، وكذلك اللواط بين الذكور ، ومثله أكل الربا أضعافًا مضاعفة ،فإنهم يرونه في عرفهم جائزًا قطعًا ، وكذا القمار ،وبيع الخمر وشراؤه ،وبيع الخنزير ،فكل هذا يرونه جائزًا وحلالاً- لكون القانون المدني مقتبسًا من القانون الفرنسي ، وهو الرائج الآن في البلدان العربية ،والذي يَتَصدّر الحكم بموجبه القضاة المدنيون ،وهذا كله باطل ، ولا يعتد به ،ولا نفاذ لحكمه بطريق الشرع ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ » . وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : يقول صلى الله عليه وسلم : « أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ) ، وقولهم ( العقد أو الرضا شريعة المتعاقدين ) ، بهذه الصفة ، لا تبقي من الإسلام ،وأمور الحلال والحرام ولا تذر ، والله سبحانه أرسل رسله ،وأنزل كُتبه ،وشرع أحكامه ،وبين حلاله وحرامه ،ليقوم الناس بالقسط ، أي بالعدل ، فقال سبحانه: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْـزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد 25، فالكتاب هو الهادي إلى الصواب ، والميزان هو العادل يبين الهدى من الضلال، وإن قولهم (العقد أو الرضا شريعة المتعاقدين) هي حملة على القرآن والسنة ،وأحكام الشريعة الإسلامية ، فليس كل عقد يسوغ بأن يكون شريعة للناس ، فإن العقد منه الحق ومنه الباطل، والحق أن شريعة المتعاقدين هو حكم الله ورسوله لقوله سبحانه : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء (59) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن الأصل في العقود الصحة والجواز ،ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل الشرع على إبطاله وتحريمه ،بنص صحيح أو قياس صريح)
فهذه القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله الحكيم يجب أن تُرد إلى شرع الله الحكيم ، فقد أعطى الله كل ذي حق حقه . وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة (1)، يعني المباحة في شرع الله ، أما القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله ودينه ، فإنه لا قيمة لها في شرع الله الحكيم ، وفي سنن الدارقطني : (عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا » ، وحدود الله محرماته ، والبشر محكومون وليسوا بحاكمين – وإنما سمي المسلم مسلمًا لاستسلامه لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (36) الأحزاب ، وقال الله تعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (51) ،(52) النور ، وكتب الفقه الإسلامي من شتى المذاهب لا تغادر صغيرةً ولا كبيرة مما عسى أن يقع فيها النزاع بين الناس ، وهي مقتبسة من القرآن والسنة ، قال الله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) النساء 83، ولما قسم الله سبحانه وتعالى المواريث بين الورثة وأعطى كل ذي حق حقه ختمها بقوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (13)، (14) النساء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الله سبحانه قد نظم حياة الناس في كتابه وعلى لسان نبيه أحسن نظام بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان والإتقان ، قال الله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) الانعام 115،، أي صدقًا في الأقوال ،وعدلاً في الأحكام ، فلو أن الناس آمنوا بتعاليم دين الإسلام ،وانقادوا لحكمه ،وتنظيمه ،ووقفوا عند حدوده ومراسيمه ،لصاروا به سعداء ، ولما حصل بينهم بغي ولا طغيان ولا اعتداء ، لأنه يهدي للتي هي أقوم ، وقد جعل الله شريعة الإسلام بمثابة الخاتمة للشرائع قبلها ، فهي شريعة كافة البشر ،عربهم وعجمهم ، والله سبحانه لما قسَّم الميراث بين الناس في سورة النساء ختم بقوله تعالى : (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (176) النساء ، أي : لئلا تضلوا ، فالحكم بمساواة الأنثى بالذكر فيما فرض الله فيه التفاضل بين الأولاد والبنات وبين الإخوة والأخوات هو كفر بما أنزل الله من الكتاب وضلال مبين، القائل في كتابه العزيز :(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يونس 25
أيها المسلمون
لقد مكث المسلمون ثلاثة عشر قرنًا ،وقضاتهم يحكمون بينهم بالشريعة الإسلامية ،التي جعلها الله لجميع خلقه شرعة ومنهاجًا ، وإنما سميت الشريعة من أجل أنها مقتبسة من كتاب الله ،وسنة رسوله ،فهي الشريعة التي جعلها الله لجميع خلقه في قوله سبحانه : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى 13 . وفي بداية القرن العشرين ضعف العلم ،وَعُدِمَ الراسخون في الفقه ،وأخذ الناس يعللون القضاة بدعوى أنهم يعللون الأحكام ، ولا يهتمون بأمر الناس ، فتعلقت قلوبهم بالقوانين، وهي لم تكن موجودة في البلدان الإسلامية قبل ذلك الوقت ، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار ، من أجل أن القوانين تبيح لهم الربا ،والزنا ،وشرب الخمور ،ولا تعاقب على شيء من ذلك ، فأثّرت في الناس شيئًا من الذل والضعف في مجتمعهم ، وإنما ضعف المسلمون في هذه الأزمان الأخيرة ،وساءت حالهم ،وانتقص الأعداء بعض بلدانهم ، كل ذلك من أجل أنه ضعف عملهم بالإسلام ،وساء اعتقادهم فيه ، وصار فيهم منافقون ،يدعون إلى نبذه ،ويدعون إلى عدم التقيد بحدوده وحكمه ، ويدعون إلى تحكم القوانين بدله ، ولأجله صاروا جديرين بزوال النعم ،والإلزام بالنقم ،لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وقد وقع بهم ما حذرهم منه نبيهم ، كما في سنن ابن ماجة : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ».
الدعاء