خطبة عن (الله الشكور الشاكر)
يوليو 5, 2025خطبة عن حديث (الأَعْمَالُ سِتَّةٌ)
يوليو 5, 2025الخطبة الأولى (الصَّلاَةُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ).
إخوة الإسلام:
هذا الحديث النبوي الكريم، فيه آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر ما تكلم به في مَرضِ الموتِ، ففي روايَةٍ: «حِينَ حَضَرَتْه الوَفاةُ وهو يُغَرغِرُ بِنفْسِه»، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةَ الصَّلاةَ»، أي: الْزَمُوا الصَّلاةَ، واحْذَروا تَركَها، فالصلاة أعظَمُ أركانِ الإسلامِ، وأشرَفُ العِباداتِ البَدنِيَّةِ، وهي آكد أركان الإسلام، بعد الشهادتين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ (٣) البقرة، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، ففي الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»، وفي سنن الترمذي: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» والصَّلاَة هي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامةِ من عمله، فإن قُبلت، قُبل سائر عمله، وإن رُدت، رُد سائر عمله، ففي سنن أبي داود: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاَةُ ». والصَّلاَة هي قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا، ففي سنن النسائي ومسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَىَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت :45، ومن حافظ على الصلاة فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها، فهو لما سواها أضيع، وفي سنن أبي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ». والصلاة هي الدالة على إيمان العبد، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ»، وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»، وفي مسند أحمد: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْماً فَقَالَ «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً وَبُرْهَاناً وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ»، فحافظوا على صلاتكم، قبل أن يُحال بينكم وبينها، ففي سنن البيهقي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلاَةُ وَسَيُصَلِّي أَقْوَامٌ لاَ دِينَ لَهُمْ). فحافظوا على صلاتكم، وأدوها كما أمركم الله سبحانه وتعالى، بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، مع الخشوع فيها،
أيها المسلمون
والصلاة لها فضائل عظيمة: فبها تكفر السيئات، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»، والمشي إلى الصلاة عبادة، وفي كثرة الخطاء إليها أجر عظيم، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». وفي الصحيحين: «صَلاَةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّى – يَعْنِى عَلَيْهِ – الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصَّلاَةُ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل الصلاة: أنها تعين المسلم على مشاق الحياة، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة:45، وفي سنن أبي داود: (كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى). وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «يَا بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا». وهي من أحبُّ وأعظمُ ما يَتقرب به العبد إلى ربه من الفرائض، والصلاة نور في الوجه، وانشراح للصدر، وصلاح للبدن، وتطهير للذنب ومصدر للقوة، ومجلبة للرزق والبركة، وهي المَفْزَع والملجأ إذا حزَب الأمر ونزلت المصائب. وإذا أردت أن تعرف قدرك ومنزلتك عند الله، ففتش عن رغبتِكَ في الصلاة، وحبِّكَ للصلاة، وتعظيمِكَ للصلاة.
وقد حذر الله سبحانه وتعالى من إضاعة الصلاة، فقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (59) مريم، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) (4)، (5) الماعون، وعقوبة ترك الصلاة عقوبة ثلاثية: (في الدنيا والقبر والآخرة)، أما الدنيا: فضيق ونكد وهم وغم وحزن، وأما في القبر: فقد روى البخاري: (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ: “أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ”، فهذا عذابه إلى أن تقوم الساعة، وإذا قامت الساعة فالساعة أدهى وأمر، فاتق الله أخي المسلم، وأنقذ نفسك من تلك النار، بأداء ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، قبل أن يداهمك الموت، واعلم أن باب التوبة مفتوح، فادخل على رب العالمين، قابل التائبين، والعافي عن المذنبين.
الدعاء