خطبة عن طلب الشهرة ، وحديث ( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ)
سبتمبر 5, 2021خطبة حول (السجود لله تعالى) مختصرة 1
سبتمبر 6, 2021الخطبة الأولى ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ». وفي رواية له : أن (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».
إخوة الإسلام
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” هذا الحديث حديث ثابت متواتر من جهة استفاضة ثبوته عند الأئمة، ومخرج في الصحيحين من غير وجه وفي غيرهما. وهذا الحديث فيه تقرير لكون الأمة سيدخلها افتراق ، واختلاف في مسائل أصول الدين، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ” ، فالطائفةُ الناجيةُ والمنصورةُ المذكورةُ في الحديثِ إنَّما هي طائفةٌ متمسِّكةٌ بالإسلام المصفَّى المحض ـ علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا ـ تقوم بما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه رضي الله عنهم، لا تَلْتَفِتُ إلى أقوالِ المُخالِفِين، ولا يَضُرُّها أراجيفُ المُناوِئين والخاذلين، ولا تأخذُها في اللهِ لومةُ لائمٍ، وهي جماعةٌ واحدةٌ لا تَقْبَلُ التعدُّدَ والتشطيرَ ولا الانقسامَ والتجزئـة، تمتدُّ مِنْ زَمَنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوَّلَ الأمَّةِ إلى قيامِ الساعةِ آخِرَ الأمَّة، والمقصودُ جنسُ الطائفةِ مِنْ أجيالٍ تنقرضُ ويَخْلُفُهم آخَرُون بنَفْسِ مُقوِّماتِ الطائفةِ المنصورةِ الثابتةِ بأصولها ومنهجِها ودعوتِها ورجالها، لا ينقطع وجودُها بل يَسْتَمِرُّ على مَرِّ العصور إلى قيامِ الساعة، تُعْلِي كلمةَ الحقِّ، وتُظْهِرُ التوحيدَ والشرع، ويكون الدِّينُ معها عزيزًا مَنيعًا قائمًا على تَقْوَى مِنَ الله ورضوانٍ. وهذه طائفة تدور من مكان إلى آخر ، لا تستقر في مكان، وفي معنى الطائفة الاجتماع والحفظ ، وهذا يشعر بالأمان والستر، ففي قوله سبحانه وتعالى :{ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور (2) ، أراد أن يكون هؤلاء حول من يُقام عليهم الحد ستراً وحفظاُ لهم، مع تحقق مقصد إقامة الحد: فشرد بهم من خلفهم. وهذه الطائفة تحمل همّ الدّين وتقاتل من أجله، وتنصر شريعته، فهم يطوفون في كلّ مكان، فما من مكان فيه جهاد إلا أتوه ، وقاتلوا لإعلاء كلمة الله سبحانه، تتردد هنا وهناك، تبدأ في مكان وتعود إليه كما في الطواف حول الكعبة، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في الهرّة: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ». وهذا لا يعني أن هذه الطائفة تنتقل كلها من مكان إلى آخر بحيث لا تبقى في المكان الذي كانت فيه من قبل، وإنما قد تكون طائفة هنا، وطائفة هناك، وكذلك يكون لها من ينصرها ممن هم على نهجها دون مباشرة القتال، فكلهم على نهج واحد : وهو نصرة الدِّين. فالمراد بالحديث طائفة من المسلمين من الشام والحجاز ومصر والعراق والمغرب وغيرها من الأماكن، علماء وغيرهم، لا تزال فيهم بقية الذبّ عن دينهم، والتمسك به وإن انفردوا وخالفهم الغير، وهم الذين يقارعون الأعداء بسيوفهم، ومناصروهم بكتاباتهم والذبّ عنهم، والمراد ببقاء ظهورهم على الحقّ ظهور حجتهم وقوتها إلى أن تقوم الساعة. واجتماع هؤلاء من أماكن مختلفة يُجسد اللُحمة المسلمة والعقيدة الواحدة ، فهم أهل عقيدة التوحيد التي بُعث من أجلها الأنبياء، فيقدّمون أرواحهم في سبيل هذه العقيدة سائرون على نهج الأنبياء وأتباعهم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتبين لنا من الروايات المتعددة لهذا الحديث ، أن هناك تلازُما بين هذه الطائفةِ وعَمَلِها الجهاديِّ؛ حيث يَسْتَمِرُّ الجهادُ معها ولا ينقطع؛ فهو باقٍ ما بَقِيَ الصراعُ بين الحقِّ والباطل، والإيمانِ والكفـر، غَيْرَ أنَّه قد يَعْظُمُ أَثَرُه في بعضِ الأزمان ، ويَضْعُفُ في أزمانٍ أخرى، ويَكْثُرُ انتشارُه في أماكنَ مِنَ الأرضِ ، ويَقِلُّ في أخرى ، بحَسَبِ البعدِ عن الكتاب والسنَّـةِ، والتلبُّسِ بالبِدَعِ والفجور، وقد صوَّر ابنُ تيميَّـة ـ رحمه الله ـ تواجُدَ الأمَّـةِ المنصورةِ في واقِعِ المسلمين في عَصْرِه حيث قال: «أمَّا الطائفةُ بالشام ومِصْرَ ونحوِهما فهُمْ ـ في هذا الوقت ـ المُقاتِلون عن دِينِ الإسلام، وهُمْ مِنْ أَحَقِّ الناسِ دخولًا في الطائفةِ المنصورةِ التي ذَكَرَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ قـال ـ رحمه الله ـ: «ومَنْ يتدبَّرْ أحوالَ العالَمِ في هذا الوقتِ يَعْلَمْ أنَّ هذه الطائفةَ هي أَقْوَمُ الطـوائفِ بدِينِ الإسلام: علمًا وعملًا وجهادًا مِنْ شَرْقِ الأرضِ وغَرْبِها؛ فإنَّهم هُمُ الذين يُقاتِلون أَهْلَ الشوكةِ العظيمةِ مِنَ المُشْرِكين وأهلِ الكتاب، والبلد الذي يُعاني أبناؤُه مِنْ ضَعْفٍ في عقيدتهم، وعَجْزٍ عن القيامِ بأَمْرِ الجهاد؛ فإنَّ مرحلتَه التي يَمُرُّ بها تَتطلَّبُ دعوةً هَدَفُها العملُ على إيجادِ أمَّةٍ صالحةٍ فيه تُجاهِدُ في سبيلِ الله بحَسَبِ ما تحتاج إليه المرحلةُ مِنْ إعدادٍ وبناءٍ مِنْ جهةٍ؛ لقوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ (2) [الجمعة]، وقولِه تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (164) [آل عمران]، وإقامةِ الحجَّةِ لله على المشركين والكافرين مِنْ جهةٍ أخرى؛ لقوله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (165) [النساء]. ذلك لأنَّ الغرض الأَسْمَى مِنْ هذا الجهادِ الدَّعَوِيِّ هو إخراجُ الناسِ مِنَ الظلمات إلى النور، وإرشادُهم إلى صراطِ الله المستقيم، لكنَّ هذا لا يمنع مِنْ وجودِ طائفةٍ لها مَنَعَةٌ تُجاهِدُ في سبيلِ الله بما تَقْدِرُ عليه؛ ففَرْضُ الجهادِ باقٍ إلى يومِ القيامةِ لا يَسْقُـطُ بحالٍ، وكُلٌّ مُسْتَعْمَلٌ في طاعةِ الله تعالى، وقد جاء في الحديث: «لَا يَزَالُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ» صحيح ابن حبان، والطائفةُ المنصورةُ ـ بين هذه وتلك ـ لا تَزالُ بمُقوِّماتِها تُجاهِدُ بمُخْتلَفِ أنواعِ الجهادِ بالنفس والمال والدعوةِ إلى الله بالحجَّة والبرهان؛ كُلُّ ذلك لتحقيقِ مَهَمَّةِ أمَّةِ الإسلام في الجهاد ، التي أَجْمَلَها رِبْعِيُّ بنُ عامرٍ رضي الله عنه حين أَرْسَلَهُ سعدُ بنُ أبي وقَّاص (رضي الله عنه) إلى رُسْتُمَ قائدِ الفُرْس، فقال له رُسْتُمُ: «لماذا جئتم؟» فقال: «اللهُ ابْتَعَثَنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلَامِ» (فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبله قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها)
الدعاء