خطبة عن قوله تعالى ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
ديسمبر 12, 2023خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)
ديسمبر 19, 2023الخطبة الأولى ( الطاعة والاستسلام )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (71) الاحزاب ، وقال الله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (92) المائدة ، وقال الله تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (54) النور ، وقال الله تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (54) الزمر ، وقال الله تعالى : (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (112) البقرة ، وقال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (125) النساء
أيها المسلمون
الإسلام ديننا، والإسلام : هو الاستسلام لله سبحانه وتعالى، والانقياد له، هذا الأمر الذي لو حققناه؛ لصرنا في أول أهل الأرض رفعة وسموا، قال الله تعالى ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ) النساء:125 ، فلو حققنا نحن – المسلمين – الطاعة والاستسلام لأمر الله ، واتباع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم ،لفتح الله علينا بركات من السماء والأرض في الدنيا ، وأوجب لنا جنات النعيم في الدار الآخرة . والطاعة والاستسلام : يعني : الاخبات، والانقياد لحكم الله وشرعه ودينه ، وعليه مدار الإيمان ، قال الله تعالى : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) النساء 65، والطاعة والاستسلام : هي أهم وأكبر قضية في حياة المسلمين ،أن يستسلموا لله رب العالمين، ولا يعترضوا على حكم شرعي، ولا على قضاء كوني، وهذا المعنى ( من الطاعة والاستسلام ) هو الذي تمثل في نبي الله وخليه إبراهيم -عليه السلام- فإنه لما بلغ من الكبر عتيًا، واشتاقت نفسه للولد، فدعا ربه سبحانه وتعالى : (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (99) :(101) الصافات ، قال ابن كثير: وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده، يذهب من بلاد الشام إلى مكة ،حيث هاجر وولدها إسماعيل ، فينظر في أمرهما، ولما بلغ معه المبلغ الذي يسعى فيه الولد مع أبيه، فكبر إسماعيل، وترعرع، وشب، (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات: 102]، وتعلقت به النفس غاية التعلق ، جاءه الأمر بالذبح : فعن قتادة قال: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) [الصافات: 102]،قال : رؤيا الأنبياء حق ، إذا رأوا في المنام شيئًا فعلوه . وهنا تظهر طاعة الابن لأمر الله ، فقال صابرًا محتسبًا مرضيًا لربه مطيعًا لوالده: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) [الصافات: 102]. وفي هذه اللحظة الحاسمة التي تجلت فيها معاني الطاعة والصبر بأجل المعاني، يأتي أمر الله، فكان الجزاء والفداء من رب حليم ، كريم، ونودي إبراهيم بالفرج : ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ الصافات (104) ،(105). فكما جزيناك بطاعتنا يا إبراهيم، فكذلك نجزي الذين أحسنوا وقدموا طاعة الله على طاعة النفس وشهواتها، فيناله الجزاءُ الأوفى، ونصرفُ عنه المكارهَ والشدائد، ونجعلُ له من أمره فرجا ومخرجا . إنها شهادة من الله لخليله بالصدق والنجاح في الامتحان والبلاء المبين، فأكرمه كرامةً بفداء ابنه بكبش عظيم، فأصبح عبادةً من أجل العبادات، وسنةً دائمةً إلى يوم الدين، وأفاض عليه من الذكر الجميل بين الخلائق، فكان أبا للأنبياء، وأبا للمسلمين، وصار ذكره خالدا ولزاما على كل مصلٍّ في تحياته أن يصلي على إبراهيم ، لأنه كان مطيعا لأمر الله ، ومستسلما لرب العالمين .
أيها المسلمون
والطاعة والاستسلام لأمر الله، حققها الصحابة – رضوان الله عليهم-، فملكهم الله الدنيا، وفتح عليهم كنوز الأرض ، ومن صور الطاعة والاستسلام في حياة الصحابة الكرام : لما نزلت آية تحريم الخمر، (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائد:91 ، قام الصحابة على الفور ، وكسروا آنية الخمر ، فجرت في السكك والطرقات . ولما نزلت آية الحجاب، حققوا معنى الاستسلام والطاعة ، ففي صحيح البخاري : (فعَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) (النور 31 ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الطاعة والاستسلام )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الطاعة والاستسلام في حياة الصحابة الكرام : لما نزلت الآية بتحويل القبلة، وكانت القبلة إلى الشمال، إلى بيت المقدس، والمسلمون بالمدينة، والتحويل إلى الجنوب، إلى مكة، جاء رجل ممن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده ، فشهد بالله أن القبلة قد حولت، فماذا فعل هؤلاء المسلمون؟ ،استداروا في الصلاة فتحولوا كما هم من الشمال إلى الجنوب، من بيت المقدس إلى الكعبة، ومن صور الطاعة والاستسلام في حياة الصحابة الكرام : ما رواه أبو داود، (عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ « اجْلِسُوا ». فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ».هكذا تكون الطاعة لله ورسوله ، والاستسلام لأمره ، والاستجابة لندائه . ومن صور الطاعة والاستسلام في حياة الصحابة الكرام : ما رواه مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ :« يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ». فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) .هكذا كانت الطاعة والاستسلام علامة واضحة، وسمة بارزة في ذلك المجتمع الاسلامي الأول ، والذي طبق الاسلام تطبيقا عمليا على أرض الواقع ، فكانت لهم الرفعة والفوز ، ورضوان من الله أكبر .
الدعاء