خطبة عن (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةٌ، أَتَصْبِرُونَ؟؟)
مايو 7, 2025الخطبة الأولى (الطَّرِيقِ إِلَى خِلاَفَة عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (129) الأعراف، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (55)، (56) النور، وفي مسند الإمام أحمد: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ». ثُمَّ سَكَتَ).
إخوة الإسلام
إن المتدبر لهذه الآيات الكريمة من كتاب الله العزيز، وكذا المتأمل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتبين له: أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين بالاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها، إذا حصلوا حقيقة الإيمان، ومقتضياته، وأخذوا بأسباب التمكين المادية والمعنوية، فإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وعد من الله تعالى، وبشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرغم هذا الليل الذي نعيشه اليوم، فستعود الخلافة بإذن الله تعالى, على أيدي المؤمنين المجاهدين الشرفاء الأتقياء، رغم أنف كل قوى البطش والغطرسة في الأرض, فإن الله سبحانه وتعالى بالغ أمره, وقد وعد، ووعده الحق, وقال نبيه صلى الله عليه وسلم, وقوله قول صدق، ونحن على يقين بأن الله سبحانه وتعالى يمحص المسلمين اليوم؛ ليعلم الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين, ويعلم الذين نصروا، والذين تخاذلوا, علماً بأن الله سبحانه وتعالى يعلمهم منذ الأزل, ولكنه سبحانه يريد إقامة الحجة عليهم, ويظهرهم للناس, ويميز الخبيث من الطيب، ويهلك من هلك عن بينة, ويحيا من حيَّ عن بينة.
أيها المسلمون
وإقامة دولة الخلافة سيرافقه كثير من المتغيرات على الصعيد المحلي والدولي، فأول ما يعنيه إقامة الخلافة الراشدة هو ذلك الشعور الغامر لدى المسلمين أن الله سبحانه وتعالى راضٍ عنهم، لأنها لم تكن لتقوم لولا إرادة وتدخُّل وتفضُّل منه سبحانه، والخلافة الراشدة ستجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا، وستقوم على كيان سياسي جامع، يتبنى دستورًا إسلاميًّا، مستنبطة أحكامه من الكتاب والسنة، وإقامة دولة الخلافة يعني استقلالية القرار، وقطع كل نفوذ للغرب، سياسيًّا كان أو عسكريًّا أو فكريًّا أو اقتصاديًّا، ويعني أن هذا الكيان سيقوم على حدود مفتوحة، تفسح المجال لتوحد بلاد المسلمين وجمع أقطارهم بعضها إلى بعض، وفيها تتجمع خيرات بلادهم الطبيعية فيستفيد منها رعايا الدولة جميعهم بحسب الأحكام الشرعية،
وإقامة دولة الخلافة سيعني أن حياة المسلمين ستقوم على طاعة الله من جديد، كما كانت في الزمن الأول، في العبادات والمعاملات والجهاد والدعوة إلى دين الله، وإدخال الناس في دين الله أفواجًا، ويعني وحدة الأمة عبر الإيمان بالله وحده، وعبر التفاضل بالتقوى، والطاعة لخليفة المسلمين، ويعني تنظيم علاقة الرجل بالمرأة بأحكام شرعية، تضمن الترابط الأسري، والخلق الكريم، والعفة والطهر، والنسل الطيب، وخلو بلاد المسلمين من كل مظاهر الفجور والخَنا، وكشف العورات؛ مما يجعل المجتمع الإسلامي نظيفًا شريفًا مصانًا، وإقامة دولة الخلافة سيعني: أن المسؤولين في الدولة، مهما علت مراكزهم، ليست لهم حصانة إن أخطأوا، ويعني أن الدولة ستوفر الحاجات الأساسية للناس، وتمنع تركز المال في أيدي الأغنياء، من خلال توزيع الثروة بشكل سليم، من خلال تقسيم الملكيات إلى ثلاث: ملكية عامة توزع على الناس كافة، وتمنع تملكها أي جهة. وملكية فردية يتصرف فيها الأفراد حسب الأحكام الشرعية. وملكية الدولة التي تنفقها الدولة حسب الأحكام الشرعية، وإقامة دولة الخلافة سيعني تطبيق فريضة الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء وتوزع على الفقراء، هذا إلى جانب الحضِّ على الصدقات، وأحكام الإرث، وتحريم الربا، ومنع الاحتكار، وغيرها من الأحكام التي تفتِّت الثروات، وتجعلها تنتقل إلى أوسع شريحة من الناس.
والخلاصة: أن إقامة الخلافة الراشدة سيعني إعادة الإسلام إلى ما كان عليه المسلمون زمن الخلافة الراشدة الأولى، خير القرون، وهذا ما ينتظره المسلمون اليوم، ويرون أنه يتقدم بسرعة، وهذا الفضل فيه كله لله وحده، فأحوج ما يحتاج إليه المسلمون اليوم، ولا نغالي إذا قلنا العالم كله، هو أن تبعث قضية الخلافة قضية عقائدية، يظهر دين الله فيها على سائر الأديان، بها يوحد الله أمة الإسلام، ويجعلها أمة واحدة.
أيها المسلمون
وسائل يسأل: متى تقام الخلافة الراشدة، والحكم على منهاج النبوة؟، والجواب: جاء عن الامام مالك قوله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالإيمان الحق، والتوحيد الخالص، والقيام بأمر الله، وأداء حقه، والجهاد في سبيله، فهذا هو الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، فإذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة لله، وآمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيله، عندها يصلح الله حالهم، وإلا فلا، فعودة المجد لأمتنا مرتبط بالعودة الصحيحة إلى الدين، وإلى العمل بالقرآن، ففي صحيح مسلم: (يقول صلى الله عليه وسلم: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ)، وفي سنن الترمذي: (يقول صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الطَّرِيقِ إِلَى خِلاَفَة عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والملاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ربط بين الخلافة الراشدة ومنهاج النبوة، ومن المؤكد أن دستور عصر النبوة هو القرآن، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: ٢]. وعلى هذا فالجيل الموعود بالنصر والتمكين جيل قرآني، والخلافة الموعودة منهجها القرآن، وهذا أمر لا مجال فيه للشك، فإن أردنا أن ننال هذا الشرف، ونرى عز الإسلام، وهلال مجده، فلا بديل أمامنا من الانكباب على القرآن، والتعامل الصحيح معه، والذي من شأنه أن يبصرنا، ويذكرنا، ويقوي إيماننا، ويدفعنا دفعًا إلى القيام بكل ما يرضي الله عز وجل، فالجيل القرآني هو الذي يقود الأمة إلى المجد من جديد، ومن هنا فليس أمامنا سوى أن نبدأ رحلة العودة إلى القرآن، فالقرآن لم ينزل ليقرأ في المآتم، وتفتتح به المحافل، ولا يكتب على الجدران، أو يوضع على المكاتب وفي السيارات، ولكن القرآن دستور أمة، ومنهاج حياة، فحينما سُئلت أم المؤمنين عائشة عن أخلاق رسول الله ماذا قالت؟، (قالت: كان خلقه القرآن) (صحيح الأدب المفرد)، فنحن-المسلمين- مطالبون بأن نعود إلى القرآن: (تلاوة وحفظا وتدبرا، وفهما، وتطبيقا عمليا في كل مناحي حياتنا). فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تزيغ به العقول، ولا تلتبِسُ به الألسُنُ، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، فيه خبرُ ما قبلَكم ونبأُ ما بعدَكم وحكمُ ما بينَكم،
الدعاء