خطبة عن (الفاروق عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ)
نوفمبر 9, 2025الخطبة الأولى (الطَّعْنُ فِي الدِّينِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (12) التوبة، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ [الأحزاب:٥٧]. ورَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ: (قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جُرْمًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلًا قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ، وَرَجُلًا سَبَّ نَبِيًّا، وَرَجُلًا طَعَنَ فِي الدِّينِ»
إخوة الإسلام
إِنَّ دِينَ اللهِ تَعَالَى هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَهُوَ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ نَجَا، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ هَلَكَ، فالدين هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه، بحيث لا يستطيع العيش بدونه إلا مع حرج وضنك،
فحاجة الإنسان إلى الدين والتدين أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية، على الفرد والجماعة على حد سواء، وقد تضافرت الدلائل الشرعية والحسية على حاجة الانسان إلى الدين والتدين، فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (172) الأعراف، وفي الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، وفي صحيح مسلم: (عن عياض بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)،
ومما يدل على حاجة النفس البشرية إلى إله يحميها، ويدفع الشر عنها، وحاجتها إلى دين وشرع يقوم سلوكها ومعتقداتها، ما جاء في قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (67) الإسراء، فهؤلاء قوم مشركون، عاينوا الأهوال والمحن، فانكشفت عنهم شبه الضلال، وتساقطت آلهة الزيف، وتجلت في نفوسهم حقيقة الإله الحق، فتقربوا إليه، وسألوه النجاة والرحمة.
أيها المسلمون
وَمَعَ حاجة الانسان إلى الدين والتدين، إلا أن أَعْدَاءَ اللهِ لَا يَزَالُونَ يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الدِّينِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَيُشَكِّكُونَ فِي ثَوَابِتِهِ، لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيُلْبِسُوا عَلَى النَّاسِ أَمْرَ دِينِهِمْ، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (32)، (33) التوبة،
وَهَذَا الطَّعْنُ فِي الدِّينِ لَيْسَ جَدِيدًا، بَلْ هُوَ قَدِيمٌ قِدَمَ الرِّسَالَاتِ نَفْسِهَا؛ فَمَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا وَوَجَدَ مَنْ يَسْخَرُ مِنْهُ، وَيُكَذِّبُهُ وَيُؤْذِيهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنعام:١٠].
وقد عَلَّمَنَا الْقُرْآنُ أَنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ طَرِيقُ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:٦٤]. وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) {التوبة:65-66}، فَالْمُنَافِقُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ يَطْعَنُونَ فِي الدِّينِ بِأُسْلُوبٍ مَاكِرٍ؛ تَارَةً بِالتَّشْكِيكِ فِي نُصُوصِ الْوَحْيِ، وَتَارَةً بِالاِسْتِهْزَاءِ بِأَهْلِ الدِّينِ، وَتَارَةً بِتَشْوِيهِ صُورَةِ الاِلْتِزَامِ، وهكذا.
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: طعن المشركين واليهود في صحة نسبة القرآن إلى الله تعالى؛ قال الله تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (101)، (102) النحل؛ وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) الفرقان:4، فرد الله تعالى عليهم: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس:37،
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: أن بعضهم ادعى أنه يستطيع أن يأتي بمثل القرآن، قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (31) الأنفال، فتحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: أن البعض منهم زعم أن هذا القرآن إنما هو قصص الأولين وأساطير السابقين، قال تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفرقان:5،
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: ادعاؤهم أنه من النبي صلى الله عليه وسلم وليس من عند الله: قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ) (15)، (16) يونس
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: اتهام النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه شاعر، أو مسحور أو ساحر، أو كاهن يتلقاه من الشياطين، أو مجنون، أو أن ما يتلقاه هو أضغاث أحلام، قال تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) الأنبياء:5؛ فقال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (40): (43) الحاقة
أيها المسلمون
وَلَكِنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ فِي عَصْرِنَا الحاضر اتَّخَذَ أَشْكَالًا جَدِيدَةً، فَصَارَ بَعْضُ النَّاسِ يُهَاجِمُونَ شَرْعَ اللهِ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ، أَوِ التَّنْوِيرِ، أَوْ حُقُوقِ الإِنْسَانِ، فَيَسْخَرُونَ مِنَ الْحِجَابِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِالسُّنَّةِ، وَيُشَكِّكُونَ فِي الْقُرْآنِ، وَيَطْعَنُونَ فِي الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، وَيُصَوِّرُونَ الدِّينَ عَلَى أَنَّهُ تَخَلُّفٌ وَجُمُودٌ، وينشرون رسوما تُسيء لرسول الاسلام صلى الله عليه وسلم، أو يحرقون المصاحف.
وَهَذَا وَاللهِ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ؛ لِأَنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ لَيْسَ رَأْيًا فِكْرِيًّا وَلَا اخْتِلَافًا ثَقَافِيًّا، بَلْ هُوَ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ عَنِ الإِسْلَامِ، إِذَا قُصِدَ بِهِ الإِهَانَةُ وَالاِسْتِهْزَاءُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٥-٦٦].
وَالْعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ وَقَعُوا فِي هَذَا دُونَ أَنْ يَشْعُرُوا، فَصَارُوا يُرَدِّدُونَ عِبَارَاتٍ خَطِيرَةً، فَيَسْخَرُ أَحَدُهُمْ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ، أو من آيات المواريث، والشهادات، وحقوق المرأة، يردد أحدهم عبارات أعداء الله وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ رُبَّمَا قَالَ كَلِمَةً تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ففي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «… وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» وفي رواية: (قَالَ ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: الطعن في الصحابة، وفي العلماء من أهل الدين، وقد قال الإمام أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة)
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: تَرْكُ الْعَمَلِ بِأَحْكَامِ الدين، والتحاكم إلى الطاغوت والأحكام الوضعية، وَالاِسْتِهْزَاءُ بِمَنْ يَعْمَلُ بِمن يطالب بتحكيم الشرع، وَالتَّهَاوُنُ بِالصَّلَاةِ، أَوِ الْحِجَابِ أَوِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَأَنَّهَا أُمُورٌ ثَانَوِيَّةٌ.
ومِنْ صُوَرِ الطَّعْنِ فِي الدِّينِ: تَزْيِينُ الْبَاطِلِ بِأَسْمَاءٍ بَرَّاقَةٍ، فَيُسَمُّونَ الرِّبَا بِالْفَائِدَةِ، وَالزِّنَا بِالْعَلَاقَةِ، وَالْخَمْرَ بِالْمَشْرُوبِ الرُّوحِيِّ، كُلُّ ذَلِكَ لِطَمْسِ حُدُودِ اللهِ.
وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا: الطعن في السنة النبوية، وفي العقيدة، بالتشكيك والشبهات، وبالطعن في عقيدة الولاء والبراء، وفي عذاب القبر ونعيمه، وفي فضل الصحابة، وفي وجوب الحجاب، ومشروعية النقاب، وفي أنصبة الميراث، والحدود، وبالطعن في الأمور الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة.
ويزداد الأمر قبحًا أن يعتذر الطاعن في الدين بأن العقل يقبل كذا، ولا يقبل كذا، ونحو ذلك، فنقول لمثل هؤلاء: إن العقل لفهم الشرع، وليس للتشريع، فالعقل وسيلة، وليس غاية، والوسيلة لا تلغي الغاية، فهو نعمة من الله عز وجل، ووسيلة إلى فهم الشرع وإدراكه، ووسيلة إلى فهم نعم الله عز وجل على خلقه، وإدراك حقه سبحانه وتعالى عليهم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يتصدوا لهذه الهجمة الشعواء في الطعن في الدين، وأَنْ يَغَارُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَأن يُدافعُوا عَنْهُ بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ، وَيَكُونُوا قُدْوَةً فِي أَخْلَاقِهِمْ، حَتَّى يُظْهِرُوا لِلنَّاسِ أَنَّ الإِسْلَامَ دِينُ رَحْمَةٍ وَعَدْلٍ وَعَقْلٍ،
وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَغَارُونَ عَلَى دِينِ اللهِ غَيْرَةً شَدِيدَةً، فَسَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَسْتَهْزِئُ بِالْقُرْآنِ فَضَرَبَهُ، وَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَعُودُ لَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَانِيَةً». وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «مَنْ اسْتَخَفَّ بِالدِّينِ فَقَدْ هَلَكَ».
فَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا سَبَبًا فِي نَشْرِ كَلِمَةٍ أَوْ مَقْطَعٍ فِيهِ طَعْنٌ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ الْكَلِمَةَ خَطِيرَةٌ، وَالْمُشَارِكَ فِيهَا وَلَوْ بِالضَّحِكِ شَرِيكٌ فِي الإِثْمِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية (الطَّعْنُ فِي الدِّينِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إِنَّ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ لَا يُوَاجَهُ بِالْعُنْفِ وَلَا بِالْغَضَبِ، بَلْ يُوَاجَهُ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالصَّبْرِ، فَمِنَ الطَّاعِنِينَ مَنْ جَهِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ غُرِّرَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَادَهُ الْهَوَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل:١٢٥]. فَلَيْسَ مَعْنَى الدِّفَاعِ عَنِ الدِّينِ أَنْ نُغْلِظَ عَلَى النَّاسِ ،بَلْ أَنْ نُحْسِنَ عَرْضَ الإِسْلَامِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ، رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فمِنْ أَعْظَمِ مَا يُقَوِّي الدِّينَ فِي النُّفُوسِ أَنْ نُقِيمَهُ فِي أَنْفُسِنَا، بِالاِسْتِقَامَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي؛ فَإِنَّ الطَّاعِنَ فِي الدِّينِ يَجِدُ سَبِيلَهُ حِينَ يَرَى تَنَاقُضَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.
فليكن كلٌّ منا قدوة في الصدق والأمانة والعفة، ولتكن أخلاقنا دعوة ناطقة إلى الله، وَعَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّي أَبْنَاءَنَا عَلَى مَحَبَّةِ الدِّينِ وَتَعْظِيمِهِ، وَأَنْ نُحَصِّنَهُمْ مِنْ وَسَائِلِ الإِعْلَامِ الَّتِي تَسْتَهْزِئُ بِالشَّعَائِرِ، وَمِنْ رِفْقَةِ السُّوءِ الَّتِي تُضْعِفُ الإِيمَانَ.
ولْيَطْمَئِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ بَاقٍ لَا تُطْفِئُهُ سِهَامُ الطَّاعِنِينَ، وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ خَالَفَهُ، مَا دَامَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ بِصِدْقٍ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (7): (9) الصف
الدعاء
