خطبة عن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)
سبتمبر 5, 2023خطبة عن (من جوانب عظمة خلق الرسول) مختصرة 3
سبتمبر 5, 2023الخطبة الأولى ( العدل من شيم وأخلاق الرسول )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) النحل، وروى البخاري في صحيحه: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ – رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ – يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ . قَالَ « وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ »
إخوة الإسلام
الإسلام دين العدالة، وأمة الإسلام هي أمة الحق والعدل، وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم العدل، وكان نموذجًا في أعلى درجاته، كما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه خلق العدل ،وبين لهم عظيم أجره يوم القيامة، ففي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَىِ الرَّحْمَنِ بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا»، ومن أشهر المواقف التي ظهر فيها عدل النبي صلى الله عليه وسلم وقوَّته وعدله صلى الله عليه وسلم ولو على نفسه، ما رواه ابن حبان في صحيحه ،واحمد في مسنده: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلاَثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَقَالاَ نَحْنُ نَمْشِى عَنْكَ. فَقَالَ « مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّى وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا »، فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم التميز على أصحابه، وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم؛ تطبيقًا للعدل والمساواة. ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: عدله صلى الله عليه وسلم ولو على قرابته، واتضح ذلك من خلال قصّة المرأة المخزومية التي سرقت، واستعان أهلها بأسامة بن زيد كي يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل شفاعته، ففي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالَ وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ « إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا »، ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : عدله صلى الله عليه وسلم ولو على أصحابه، فقد سرق رجلٌ من المسلمين – اسمه «طعمة» – درعًا من جارٍ له مسلم، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار. ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتُمِسَتِ الدرعُ عند «طعمة» فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره. فلما حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة، فجاء قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله أن يعاقب اليهودي، فنزل الوحي بخلاف ذلك؛ فلم يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، بل أعلن أن اليهودي بريء، وأن السارق مسلم. [تفسير ابن كثير]. ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : عدله صلى الله عليه وسلم بين زوجاته ،فقد كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقْسِمُ بين نسائه بالقسْطِ التَّامِّ سَفَرًا وَحَضرًا، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – ، تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -) ، بل وَحَذَّر النبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الميْلِ إِلى إِحْدَى الزَّوْجَاتِ عَلَى حِسَابِ الأخْرَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (رواه مسلم). ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: عدله صلى الله عليه وسلم بين الأبناء، ففي صحيح البخاري: (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضي الله عنهما – وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِى مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ » . قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ)، ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : عدله صلى الله عليه وسلم في القسمة والقضاء، ففي سنن ابي داود ومسند أحمد: (عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العدل من أخلاق الرسول )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : عدله صلى الله عليه وسلم مع المشركين: ويتضح ذلك في معاملته صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أُميّة بعد فتح مكة، وكان صفوان آنذاك مشركًا، واحتاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بعض الدروع للقتال في حُنين، وكان صفوان من تجَّار السلاح في مكة، وكان عنده عدد كبير من السلاح؛ ففي سنن أبي داود : (عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَا صَفْوَانُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلاَحٍ ». قَالَ عَارِيَةً أَمْ غَصْبًا قَالَ « لاَ بَلْ عَارِيَةً ». فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِينَ إِلَى الأَرْبَعِينَ دِرْعًا وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حُنَيْنًا فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ صَفْوَانَ فَفَقَدَ مِنْهَا أَدْرَاعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِصَفْوَانَ « إِنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا فَهَلْ نَغْرَمُ لَكَ ». قَالَ لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ أَعَارَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَ). فلم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدروع من صفوان قهرًا رغم أنه كان مهزومًا بعد فتح مكة، حتى دَهِش صفوان من استعارته للدروع والنبي صلى الله عليه وسلم فاتح منتصرٌ متمكن، فسأله مستفسرًا: «عاريةً أم غصبًا»؟ قال: «لا، بل عارية»، ولما فقدوا درعًا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع قيمته. ومن صور العدل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم : عدله صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب، فالعجب كل العجب من مواقفه صلى الله عليه وسلم عندما يحكم بين مسلم ومن هو على غير دين الإسلام، ومن ذلك: لما أَقْرَضَ يهوديٌّ جابرَ بنَ عبد الله وحان وقت السداد ولم يستطع، ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي يستنظره لعله يؤجل فرفض، فعاد وكلمه مرارًا واليهودي يرفض، فأمر النبي جابرًا بالقضاء. ويقرّر النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الضعفاء، ويحذّر الناس من بخسها فيقول: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ -أي من يخدمونكم- جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (متفق عليه). وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالموازنة في الأمور وإعطاء كل ذي حق حقه، فقال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَلَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا» (رواه مسلم).
الدعاء