خطبة عن الغيرة وحديث ( إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ )
نوفمبر 24, 2022خطبة حول قصة النملة مع سليمان (يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)
نوفمبر 26, 2022الخطبة الأولى ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (20) :(22) السجدة
إخوة الإسلام
إن عدم حلول العقوبة العاجلة على العاصي ليس دليلا على رضى الله عليه؛ بل هذا من مكر الله بأعدائه، كما قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} ، قال ابن القيم رحمه الله: (فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم، وأنساهم أنفسهم كما قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} ، فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين :- إحداهما : أنه سبحانه نَسِيَه. والثانية : أنه أنساه نفسه. ونسيانه سبحانه للعبد، إهماله وتركه، وتخلّيه عنه، وإضاعته، ونسيانه، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم. وأما إنساؤه نفسه : فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها، بِنَسْيه ذلك كله جميعه، فلا يخطر بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همّته، فيرغب فيه، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره، وأيضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها، وأيضا فينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها، فلا يخطر بقلبه مداواتها، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والهلاك، فهو مريض مثخن بالمرض، ومرضه مترام به إلى التلف، ولا يشعر بمرضه ، ولا يخطر بباله مداواته، وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة؛ فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه، وضيعها؟)
وليعلم العبد أن كل شيء عنده سبحانه وتعالى بقدر كما قال جل ثناؤه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ * اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار} الرعد 6: 8، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: (يخبر تعالى عن جهل المكذبين لرسوله، المشركين به، الذين وُعِظُوا فلم يتعظوا، وأقيمت عليهم الأدلة فلم ينقادوا لها؛ بل جاهروا بالإنكار، واستدلوا بحلم الله الواحد القهار عنهم، وعدم معاجلتهم بذنوبهم، أنهم على حق، إلى أن يقول: وكل شيء عند بمقدار لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه) ، فللعذاب أجلا مسمى وميقاتا معلوما لا يتأخر عنه ولا يتقدم، فانظر كم لبث نوح عليه السلام في قومه يدعوهم ليؤمنوا، وهم يكذبونه ويتهمونه، قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} العنكبوت 14، وكم أقام موسى عليه السلام يدعو فرعون وقومه، ولما استيأس من استجابتهم دعا عليهم؛ فقال الله له: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} يونس 89 ، وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاما يحاور قومه، ويجادلهم، ويدعوهم، ويقيم لهم الآيات والبراهين، وهم يقابلون ذلك كله بالإنكار والتكذيب حتى نزل بهم العذاب العاجل في يوم بدر.
أيها المسلمون
والسؤال : لماذا تفلت الدول المتغطرسة الظالمة من العقوبة، وتحل العقوبات بالدول المسلمة؟ ، والجواب عن هذا السؤال من وجوه : الأول : أن الدول الظالمة تحل فيها المثلات كما تحل بغيرها، فاضطراب الأمن، والعجز الاقتصادي، وتفشي الأمراض، والفيضانات المدمرة، والحرائق المروعة، والحروب الطاحنة، كل ذلك يحدث فيها، فقد خاضت هذه الدول حروبا راح ضحيتها الآلاف من أبنائها، فكم فقدت أوربا من مئات الآلاف في الحربين العالميتين، وكم فقدت أمريكا وروسيا من جنودها في السنوات الأخيرة، من خلال الحروب التي شنتها على بعض الدول المستضعفة؛ فخرجت منها خاسئة حسيرة، تجر أذيال الهزيمة، وكذلك من العذاب الذي يصبه الله عليهم تفَرّق الدول وذهاب ريحها وتمزقها، فلقد كانت الإمبراطورية العظمى (بريطانيا) لا تغيب عنها الشمس، وكان الاتحاد السوفيتي مكونا من عشرات الدول فإذا هما مشردان على موائد الدول، تمارس عليهما الضغوط التي كانا يمارسانهما على من دونهما، أفلم يكن في زوالهما عبرة وآية؟ فكم شردا وتجبرا، ومارسا الطغيان والظلم. الوجه الثاني : أن الدول التي تظلم وتتعدى ولا تنزل بها المثلات ينبغي أن ينظر إليها من باب الإملاء والإنظار والمكر، وتأخير العذاب إلى يوم القيامة؛ ليذوقوا العذاب الأليم كاملا غير منقوص، قال الله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ} الزخرف 41 ، 42، وقال الله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} آل عمران 178، فقد لا يشاهد المتعجل العذاب، ويظن أن تقلبهم في البلاد خير لهم. الوجه الثالث : أن الدول المتقدمة قد تتخذ من الاحتياطات ما تخفف به وقع هذه الكوارث، ولكنها لا تستطيع أن تمنعها، كما لا تستطيع أن تعلم بها قبل وقوعها، وما تتوصل إليه في هذا الشأن ليس بسبب دينها – فقد تركته وراءها ظهريا – بل لأنها بذلت الأسباب التي تحقق لها ذلك، ولو بذلها غيرها لتحقق له مثل ما تحقق لهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل لهذا الكون سننا ونواميس، من عمل بها وصل من خلالها إلى ما رُتّب عليها. الوجه الرابع : أن من يقع عنده مثل هذا الإشكال فلأنه حصر نظره في فترة زمنية واحدة فيما يحل على هذه الدول، ونظر إلى كارثة واحدة، ولم ينظر إلى التاريخ البشري وما تتابع فيه من الآيات والنذر، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى} طه 128، . وقال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} الانبياء 11، .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن العذاب إذا نزل على المسلمين فهو رحمة بهم، وتكفير لخطاياهم، وتذكير لهم لعلهم يرجعون إلى ربهم، فيعبدونه حق عبادته، قال الشيخ السعدي رحمه الله: (يعصونه فيدعوهم إلى بابه، ويجرمون فلا يحرمهم خيره وإحسانه، فإن تابوا إليه فهو حبيبهم، لأنه يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم، يبتليهم بالمصائب؛ ليطهرهم من المعايب) . وبين سبحانه وتعالى أن ما يبتلي به عباده المؤمنين إنما هو سبيل بشارة لهم، وسبب مغفرة ورحمة لهم، وصلاة عليهم، فقال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة 155 : 157، . وقال جل ثناؤه : {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الانفال 17،. وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} آل عمران 152،.
الدعاء