خطبة عن (الدعاء بالعمل الصالح) مختصرة
يناير 3, 2024خطبة عن (القصاص) مختصرة
يناير 3, 2024الخطبة الأولى (العزلة عند فساد الزمان) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه: (قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ».
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم، يقدم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته عدة نصائح: أولها: ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ): فالرسول صلى الله عليه وسلم يحض أمته على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: فهو من أهم أمور الدين، وبه استحقت هذه الأمة الاسلامية الخيرية على سائر الأمم، قال الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) {آل عمران:110}. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو سفينة النجاة، كما في صحيح البخاري: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
أما الوصية الثانية في هذا الحديث النبوي فهي تحذيره صلى الله عليه وسلم لأمته من صفات مذمومة، وهي ما جاءت في قوله صلى الله عليه وسلم: (حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ): فقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً»: يَعْنِي: إذا رأيت النَّاسَ قد غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشُّحُّ والبخل وَالحِرْصُ عَلَى جمع المَالِ، وَالتَّنَافُسُ في تَحْصِيلِهِ، فاحذر أن تكون منهم، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ الحشر (9). فالشح أو البخل هي الصفة الأولى التي ذمها رسول الله وحذر منها،
أما الصفة التالية: فهي في قَوْلُه صلى الله عليه وسلم: «وَهَوَىً مُتَبَّعَاً»: يَعْنِي: إذا رأيت النَّاسَ قد اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وفعلوا ما تحبه نفوسهم وأهواؤهم، وَلَمْ يَتَّبِعُوا مَا جَاءَ عَنِ اللهِ، وَلا عَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ أَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَعَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، فاحذر أن تكون منهم، واعتزلهم وابتعد عن مجالستهم
أما الصفة المذمومة التالية فهي: َقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَدُنْيَاً مُؤْثَرَةً»: يَعْنِ: فإذا رأيت النَّاسَ يُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا على الآخرة، وَيُؤْثِرُونَ العَاجِلَةَ عَلَى الآجِلَةِ، وقد قال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (16)، (17) الأعلى، فإذا رأيت ذلك فاحذرهم، واحذر أن تكون مثلهم، أو تفتن بهم، أما الصفة المذمومة التالية، والتي حذر منها رسول الله فهي: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ»: أَيْ: أَنْ يُعْجَبَ الإِنْسَانُ بِرَأْيِهِ، وَلَا يهتم بالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا يعمل برَأْيِهِ ولو كان باطلا، وَيترك الحَقُّ ولو كان ظاهرا، فإذا رأيت ذلك فاحذرهم، فيضلك الهوى عن سبيل الله، فتكون من الهالكين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (العزلة عند فساد الزمان)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الحديث النبوي الكريم، يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف المسلم عند فساد الزمان، وعند انتشار الصفات والاخلاق المذمومة في المجتمع كله، وحين يعجز المسلم عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فحينها عليه بالعزلة، فيقول صلى الله عليه وسلم: (حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعِ الْعَوَامَّ): يَعْنِي: عِنْدَ ذَلِكَ عَلَيْكَ أَنْ تَجْتَهِدَ في خَلَاصِكَ وَنَجَاتِكَ أنت، وَتَدَعَ عَنْكَ النَّاسَ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الجَدْوَى وَالفَائِدَةِ؛ ففي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ »
وفي هذا الحديث النبوي الكريم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: أجر المؤمنين المتمسكين بدينهم في أيام الفتن، وآخر الزمان، وأيام الصبر، فقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ): يَعْنِي: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَاً الصَّبْرُ فِيهَا عَظِيمٌ، وذلك مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ فِتَنٍ في تِلْكَ الأَيَّامِ، فَالقَابِضُ عَلَى دِينِهِ واالمتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فِيهَا كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ، يَعْنِي: مِنْ شِدَّةِ الأَهْوَالِ وَالفِتَنِ، فيصبح المؤمن غريبا في مجتمعه،
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ»: «لِلْعَامِلِ فِيهِمْ» يَعْنِي: في ذَلِكَ الوَقْتِ، مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، وقيل مثل عمل الصحابة. فأجر المتمسكين بالدين عند فساد الزمان كبير وعظيم، ألا فتمسكوا بدينكم تفلحوا.
الدعاء