خطبة عن حديث (مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا)
مارس 19, 2022خطبة عن ( صدقة الفطر )
أبريل 17, 2022الخطبة الأولى ( العزيمة والإرادة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (60) الكهف، ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله محمدا: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف: 35]. وفي السلسلة الصحيحة للألباني: (عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا: “إن الله جميل يحب الجمال ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها ” . أخرجه ابن عساكر
إخوة الإسلام
العزم: هو قصد فعل الشيء، والنية بالمضي فيه، والشروع في تحقيقه؛ وسمي عزماً؛ لأن صاحبه قد عقد النية في قلبه على فعل الشيء، ومن المعلوم أن وهن العزيمة ،وضعف الإرادة ،من أشد الظواهر السلبية فتكا بنفسية الفرد, فكثيرا ما يتحمس شخص لأداء عمل ما ،أو بلوغ مراد ،أو تحقيق هدف ،إلا أنه مع مرور الأيام يأخذ حماسه في النقص والفتور، فتضعف همته ، وتخور عزيمته، وإن كان ذهنه وقلبه ما زال متعلقاً بالعمل أو الهدف بصورة شكلية؛ فجذوة الحماس قد انطفأت في قلبه، وتراخت قواه العملية ،بسبب خور الهمة ،وضعف الارادة، ومما لاشك فيه أن أصحاب النفوس المهزومة ،والإرادات الضعيفة، والمترددين في اتخاذ القرارات المصيرية، والمتراخين في تنفيذها؛ سيكونون في آخر الرَّكب, ولا يبرحون القاع أبدا. وكما قال القائل : وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ ** يَعِشْ أبَدَ الدَهرِ بَيْنَ الحُفرْ ..
لذلك أمرنا الاسلام أن نكون من أصحاب الهمم العالية، والإرادات المتقدة المتوهجة، والعزيمة الراسخة الثابتة، والثقة بالله تعالى والتوكل عليه ،فالثقة بالله ثم بالنفس من أهم المقومات الرئيسة لاستثمار الإنسان أفضل ما لديه من طاقات وإمكانات، فكل انسان عنده طاقات كامنة وإرادة وعزيمة، ولكنها تحتاج إلى من يحركها، تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، قال الله تعالى 🙁 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (7):(10) الشمس، فالنجاح لا يأتي هكذا، ولكن لابد له من دفع الثمن، وبلا شك صاحب الإرادة والعزيمة القوية يصل إلى القمة ،ويرتقي سلم المجد، وعلى العكس: فالذي ليس له إرادة ولا عزيمة ،فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتقدم ولو خطوة إلى الأمام، فهو مصاب بالإحباط والكسل والفتور والتسويف، كما قال القائل :
وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال **** إذا الإقدام كان لهم ركابا
ولأن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى قوة إرادة وعزيمة ، فقد خاطب الله رسوله بقوله تعالى :(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف: 35]. وهذا سيدنا موسى (عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم) يعقد العزم على المضي في رحلته إلى العبد الصالح (الخضر) ليتعلم منه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (60) الكهف ؛ فقد كان على استعداد أن يستمر في السير لطلب العلم حتى يصل غايته ،أو يظل سائرا ولو لسنين لا يعلمها سوى الله تعالى. ويسوق القرآن الكريم لنا نموذجا معاكسا تماما لنموذج سيدنا موسى عليه السلام؛ نموذج التماطل وضعف الإرادة والعزيمة، فقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} النجم (33)، (34)، فيحذرنا الله تعالى هنا من ضعف البداية {أعطى قليلا} وعدم مجاهدة النفس على الاستمرار والمضي قدما {وأكدى} أي أنه توقف عند أول حجر اعترض طريقه وسدها في وجهه ،دون محاولة البحث عن سبيل للخروج؛ وما أكثر الحواجز التي نقابلها في طريقنا، فهل سندعها توقفنا وتثبط عزيمتنا؟ ،أم أننا سنقتلعها من جذورها ،ونمضي للأمام ،لأننا أقسمنا ألا نبرح حتى نبلغ الهدف ،ونحقق الغاية ؟ ،
ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم :« إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا» رواه أحمد ،وفي رواية صحيح الأدب المفرد للبخاري :(عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها “. ففي هذا استنهاض لاستمرار العزم في الموطن الذي يمكن أن ينهار فيه. ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: “إن الله -تعالى- يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها” (رواه الطبراني في الأوسط). وأيضًا: قوله -عليه الصلاة والسلام-: “إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ” (رواه الطبراني في الأوسط). ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يعينه على المضي في عزمه، ويطلب منه التوفيق والسداد على ذلك، فكان يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ” (رواه النسائي)؛ فالآمال العظام لا تتحقق إلا بالعزيمة والإصرار، فصاحب العزيمة العالية، والهمة الصادقة تحوم أمانيه حول معالي الأمور وكبارها، وتترفع عن سفاسفها وصغارها، وإن من أشد القيود التي تحول بين الإنسان وبين تحقيق أهدافه: خور العزيمة وضعف الهمة؛ لذلك يقول ابن الجوزي في (اللطائف) :(يا مقهورًا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفتْ جِدك استأسرت لك…، ومِن أدَب الجهاد, إِن مالَت إلى الشَهوات فاكبحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضتْ عن الطاعات، فسُقها بسوط المجاهَدة، وإن استحلتْ شراب التواني، واستحسنتْ ثوب البطالة، فصح عليها بصوت العزْمِ, فإن رمقتْ نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك والله ما لم تجدْ مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، وقد اجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة، فيا حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب”
أيها المسلمون
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (النفس فيها قوتان: قوة الإقدام وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكاً عما يضره، وأنا أريدك أخي أن تتقدم فتقوية العزيمة والإرادة بالحركة وليس بالجمود). ولكي تقوي عزيمتك فلابد أن تكون لديك الرغبة المشتعلة للنجاح، لابد أن يكون الدافع الحارق الذي يحثك على تقوية عزيمتك وإرادتك، فأنت الذي تملك مفاتيح هذه الآلية ومقاليد القرار ولكن يحتاج منك إلى خطوات تساعدك إلى الوصول إلى هذا الهدف. فإذا أردت أن تقوي عزيمتك وإرادتك فعليك أولاً بالطاقة الروحانية ، وأقصد بها الطاقة الإيمانية، أن تتوكل على الله أولاً ثم تنهض. فاشدد يديك بحبل الله معتصماً **** فإنه الركن إن خانتك أركان .. وحاول أن تغذي طاقتك العاطفية، وأقصد بها علاقتك مع أسرتك مع أصدقائك وجيرانك، فإن أصابها خمول فسينتقل إليك هذا المرض بلا شك ولا تستطيع أن تتقدم إلى الأمام خطوة، وحاول أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك ،وحرر طاقتك وهذا سيخلق لديك طاقة قوية في أعماقك ويجعل منك إنساناً ذا إرادة، إنساناً معطاء كريماً سخياً على من تحب. وحاول أن تقرر في نفسك أنت بأنك ستقوي من عزيمتك وإرادتك، فإذا قررت دون تردد فستصل بإذن الله تعالى إلى ما تصبو إليه. وأيقظ ضميرك فهو جهازك الذي يحركك إلى النجاح فهو الذي يأمرك وينهاك وهو الذي يقدمك أو يؤخرك، وهو صوتك الذي ينبعث من أعماق نفسك فحاول أن تصوبه في الطريق الصحيح كي يعطيك القوة والعزيمة والإرادة. وعليك بصحبة الأخيار الناجحين ذوي العزيمة والإرادة القوية تأخذ منهم وتتأسى بهم، وابتعد عن الأشرار ذوي النفوس المهزومة والإرادة الضعيفة. ولا تبن حياتك على التسويف ولكن تعلم دائماً بأن تقوم بالعمل في وقته فهذا يعطيك طاقة وقوة تساعدك في التغلب على هذا الإحباط. وحاول أن توطن نفسك؛ لأن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. وذكر نفسك بالأنشطة والأعمال التي حققت فيها نجاحا عاليا كلما شعرت بالإحباط والتردد. وحاول أن تواجه ضعف الإرادة بشجاعة وحزم ولا تدع الظروف تهزمك وتذكر دائماً أن الحياة مملوءة بالعوائق والنكسات. واحذر دائماً لصوص الطاقة الذين يضعفون إرادتك وعزيمتك ومن بين اللصوص: القلق والإحباط وتشتت الذهن والتعب، وواجه بقوة الإيمان والعقيدة والتوكل على الله تعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العزيمة والإرادة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الذي يريد أن يستيقظ لصلاة الفجر وعنده عزم على ذلك فإنه سيستيقظ، ومن عزم على صيام بعض الأيام المستحبة فسيصومها، ومن عزم على ترك الدخان فسيتركه، ومن عزم على فعل أي خير والبعد عن أي شر فإنه سيفعله، إذا كانت عزيمته صادقة، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة : 46] ، أي لو أرادوا الخروج وعزموا عليه لتجهزوا له وتأهبوا، ولكن أنفسهم لا تريد الخروج أصلاً، وليس لديها عزم ورغبة فيه. فينبغي على الإنسان أن يكون حازماً في أمره، ماضياً في عزمه غير متردد فيه؛ فإن التردد والحيرة ليس من شيم الرجال وأخلاقهم، وما دام المسلم لا ينوي إلا خيراً، ولا يعزم على فعل شر فإنه لا ينبغي له التردد والتحير. يقول الله -تعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159]؛ أي إذا عزمت على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، فتوكل على الله في تنفيذه، واعتمد على حول الله وقوته في تطبيقه، ولا تتردد في ذلك، وتبرأ من حولك وقوتك ووكل الأمر إليه؛ فإن الله يحب المتوكلين عليه، الملتجئين إليه. فإياكم والتردد والحيرة والتناقض والاضطراب، وتوكلوا على الله، وامضوا فيما عزمتم على فعله وتنفيذه ولا تترددوا، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلاَ يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي؛ فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ” (رواه البخاري).
الدعاء