خطبة عن (صلاح البال)
فبراير 26, 2020خطبة عن أحكام الخلع وحديث (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)
فبراير 29, 2020الخطبة الأولى ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105) التوبة ، وروى البزار في مسنده : (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : مَا مِنْكُمْ نَفْسٌ إِلاَّ قَدْ عُلِمَ مَنْزِلَتُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا نَتَّكِلُ وَلاَ نَعْمَلُ ؟ قَالَ : اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) إِلَى قَوْلِهِ (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل 5:10،.
إخوة الإسلام
قال الله تعالى:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة44]. ، وقال الله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام: {… وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود88]. ، وقال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } [الصف 2-3] ، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلاَنُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ » رواه البخاري ، إن العلم النافع ، والعمل الصالح ، هما مفتاح السعادة ، وهما أساس النجاة للعبد في معاشه ومعاده ، ومن رزقه الله علماً نافعاً ، ووفقه لعمل الصالح؛ فقد حاز الخير، وحظى بسعادة الدارين، قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل97 ]. ، وعن علي رضي الله عنه أنه ذكر فتناً في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ ، قال: ” إذا تفقه لغير الدين وتعلم العلم لغير العمل والتمست الدنيا بعمل الآخرة “. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ” تعلموا فإذا علمتم فاعملوا “. وعن لقمان بن عامر قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول:” إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربّ. فيقول: ما عملت فيما علمت ” ، وقال الحسن: ” لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟ ” ، ويقول ابن جماعة رحمه الله : “واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم. لا من طلبه لسوء نية، أو خبث طوية، أو لأغراض دنيوية: من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب ” ، فالإيمان الصحيح متى استقر في القلب ،ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة ، لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة في عالم الواقع، فيتحول العلم إلى عمل نافع .
أيها المسلمون
قال ابن القيم رحمه الله : (هلكت جارية في طاعون فرآها أبوها في المنام، فقال لها: يا بنيه : أخبريني عن الآخرة ؟ قالت : قدمنا على أمر عظيم ، وقد (كنا نعلم ،ولا نعمل) والله ، لتسبيحة واحده ،أو ركعة واحده في صحيفة عملي ،أحب إلي من الدنيا وما فيها..) ، نعم ، لقد قالت هذه الجارية كلاماً عظيماً ( كنا نعلم ، ولا نعمل ) ولكن كثيراً منا لم يفهم مرادها. ، كنا نعلم أننا إذا قلنا سبحان الله وبحمده مائة مرة ،تغفر لنا ذنوبنا ،وإن كانت مثل زبد البحر ، ومع ذلك : ( وتمر علينا الأيام والليالي ولا نقولها ) ، كنا نعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « لئن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها، أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهرًا» معجم الطبراني ، ولم نقض لأحد حاجته ، وكنا نعلم أن ركعتي الضحى تجزئ عن 360 صدقة (وتمر علينا الأيام ولا نصليها ) ، وكنا نعلم أن من صام يوماً في سبيل الله تطوعاً ،باعد الله وجهه عن النار سبع خنادق، وباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ، ومع هذا تكاسلنا عن الصيام ، وكنا نعلم أن من عاد مريضاً ( أي زاره) تبعه سبعون ألف ملك ، يستغفرون له الله ، ومع ذلك ( فلم نزر مريضاً ابتغاء وجه الله منذ فترة ) ، وكنا نعلم أن من صلى على جنازة ،وتبعها حتى تدفن ، فله قيراطان من الأجر ( والقيراط مثل جبل أحد ) ومع ذلك نتكاسل عن اتباع الجنائز ، وكنا نعلم أن من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة أي (عش الطائر) ،بنى الله له بيتاً في الجنة ، ومع ذلك ( بخلنا بأموالنا ولم نساهم في بناء المساجد ، ولو بالقليل ) ، وكنا نعلم أن الساعي على الأرملة ،وأبنائها المساكين ،كالمجاهد في سبيل الله ،وكصائم النهار الذي لا يفطر ،وكقائم الليل كله ولا يرقد ( فلم نساهم في كفالة الأرملة وأبنائها ) .. وكنا نعلم أن من قرأ من القرآن حرفا واحدا ،فله حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها ،ولم نهتم بقراءة القرآن يومياً .. وكنا نعلم أن الحج المبرور جزاؤه الجنة ،وأجره أن يرجع الحاج كيوم ولدته أمه ( أي بصفحة بيضاء نقية من الذنوب ) ولم نحرص على أداء مناسك الحج مع الاستطاعة .. وكنا نعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل ،وأن النبي صلى الله عليه وآله وصحابته لم يفرطوا في قيام الليل ، رغم انشغالهم بلقمة عيشهم، وجهادهم في سبيل نشر دينه ، وأما نحن فقد سهرنا الليل ولكن مع حلقات المسلسلات ، والافلام ، والافراح ، وصحبة الاشرار .. وكنا نعلم أن الساعة آتية لا ريب فيها ،وأن الله يبعث من في القبور ،ومع ذلك لم نستعد لهذا اليوم ، وكنا ندفن الموتى ونصلى عليهم ، ولم نجتهد لمثل هذا اليوم ،وكأننا لدينا شهادة تفيد أننا غير محاسبين . أما آن الأوان في أن نغير نمط حياتنا ،وأن نستعد الاستعداد الأمثل ليوم الحساب ، يقول الله تعالى : (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (33) :(37) عبس
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً ، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ » ، فهذا الحديث العظيم ،يبين لنا فيه صلى الله عليه وسلم أقسام الناس ، وأنهم على ثلاثة أقسام : قسم : تفقهوا في الدين ، وعلموا ، وعملوا بما علموا ، فهم مثل الأرض الطيبة ،التي قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فهم قد تعلموا ،وتفقهوا في الدين وعملوا به ، فانتفعوا، وعلموا الناس ، ونفعوهم . .. وقسم آخر : تعلموا ، وتفقهوا ،ونقلوا العلم إلى الناس، ولكنهم لم ينتفعوا بعلمهم ، فلم يعملوا به ، فهم يقولون ما لا يفعلون ، ويعظون ولا يتعظون ، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم … وقسم ثالث: أعرضوا، فلم يتعلموا ، ولم يتفقهوا في الدين، ولم يعملوا ، فمثلهم : كمثل القيعان التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً. فلا سبيل إلى عبادة الله ،وأدائها على الوجه المطلوب ، إلا بتوفيق الله ،ثم بالعلم ،والتفقه في الدين، فلابدّ أن تتعلم ما أوجب الله عليك عن طريق الكتاب والسنة، وأن تعمل بما تعلمت ، فإن العلم النافع هو ما طبقه الإنسان عملياً ، والعمل بالعلم هو ثمرة العلم ، ولجاهل خير من عالم لم ينتفع بعلمه ، ولم يعمل به .
الدعاء