خطبة عن الصحابي: (الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ)
يوليو 15, 2017خطبة عن ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ)
يوليو 22, 2017الخطبة الأولى ( العواصم من الفتن القواصم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (1) :(3) العنكبوت ، وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
إخوة الإسلام
إن مما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى ، وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم ، تلك الفتن التي سوف تتعرض لها هذه الأمة ، سواءً على مستوى الجماعات أو الافراد . وهذه الفتن متنوعة: فالكفر والشرك والبدع فتنة ،والوقوع في كبائر الذنوب والمعاصي فتنة ،والمال فتنة ،والنساء فتنة ،والأبناء فتنة، والسلطان والملك فتنة ، وتسلط الأعداء فتنة، والظلم والجور فتنة، وترجع هذه الفتن بكل أنواعها إلى قسمين رئيسيين : الأول : فتنة الشبهات . والثاني: فتنة الشهوات . أما فتنة الشبهات : كالتشكيك في الدين، والوقوع في الشرك أو البدع، أو اختلاط الأمر على الإنسان فلا يميز بين الحق والباطل والمباح والمحرم، وغير ذلك فهذه فتنة الشبهات، ودواءها كما سوف يأتي بتعلم العلم وسؤال أهل العلم فبالعلم تزال كل الشبهات . وأما فتنة الشهوات: وهي الغالبة كالافتتان بالنساء أو بالمال الحرام أو بالمنصب أو بالجاه ، ومن الفتن التي من قبيل الشهوات : الظلم والبغي والتعدي على العباد بغير حق ،وغير ذلك من فتن الشهوات. ودواء هذا النوع من الفتن: اليقين بوعد الله ووعيده . وقد أخبرنا الله ورسوله أن هذه الأمة سوف تفتن وتتعرض لأنواع من الفتن وقد يكون في بعضها خير للمؤمنين ، قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) محمد (31) ، وقال تعالى : (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (1) :(3) العنكبوت ، وجاء في صحيح البخاري : ( عنْ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ ” ، وفي رواية أخرى في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ” ، ففي بعض الفتن يحصل خير للأمة عظيم ،كالتعرف على صديقها من عدوها ،وصادقها من كاذبها ،ومؤمنها من منافقها ،وفي بعض الفتن ترسخ معان في الأمة لا ترسخها مئات الخطب والمحاضرات ،وهذا كله من رحمة الله بعباده ،ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والمؤمن الصادق الخائف من هذه الفتن لابد وأن يدور في خلده وفي ذهنه سؤال وهو : ما المخرج وما العاصم من هذه الفتن القواصم ؟ ، ولقد أجاب عن هذا السؤال ربنا جل وعلا الرحيم بعباده ، وأجاب عن هذا السؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمته . فالعواصم من الفتن القواصم مستقاة ومستنبطة من كتاب ربنا سبحانه وتعالى ، ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . والرسول صلى الله عليه أوصى أمته عند حلول الفتن أن تأخذ بأسباب النجاة ولا تظل مكتوفة الأيدي فقد أخرج البخاري في صحيحه عن َأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ)
أيها المسلمون
أما العاصم الأول من الفتن القواصم فهو : الدعاء : فمن أبرز مظاهر التوحيد وسلامة المعتقد أن يلجأ المؤمن إلى ربه في كل أموره ، وأن يعلق قلبه به ، وخاصَّة في أوقات الفتن ، فلا منجي ولا هادي ولا عاصم من هذه الفتن القواصم إلا الله ، فلا يلتفت المؤمن لغيره ، وقد جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ). كما علمنا صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ في دبر كل صلاة من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال . وفي صحيح البخاري أن (رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ » ، أما العاصم الثاني من هذه الفتن القواصم فهو : العلم : فبالعلم يرفع الجهل ،وتستبين الأمة طريقها، وبالعلم يرتفع اللبس عنها عند اختلاط الأمور، وكثرة الشرور . والعلم الذي نقصده ونعنيه هو : العلم الشرعي؛ فالعلماء: هم قادة الأمة الذين يقودونها إلى بر الأمان، وهم الذين يعلمون ما أنزل الله في كتابه وما جاء عن رسوله؛ فيبلغونه للأمة لكي تنجو من الفتن وتسلم في أوقات المحن . والعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر . وإن من العلم أن تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته ، وكيف واجهوا الفتن وتعاملوا معها ، فعليك بطريقتهم ومنهجهم وسلوكهم ، ففيه النجاة ، قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) الانعام 90 ، وهنا نهمس في آذان الدعاة والمربين والمصلحين ،أن يجعلوا مرتكز دعوتهم وأساس تربيتهم على العلم الشرعي ،المؤصل من الكتاب والسنة ،وأن يحرصوا على تعويد الناشئة على حلق العلم والعكوف عليه ، فالعلم نور وهاد عند اشتداد الفتن ، أما العاصم الثالث من الفتن القواصم فهو: العبادة والطاعة والعمل الصالح : فعبادة الله والفزع واللجوء إليه ،يصبح لازما للمؤمن حينما تكثر الشهوات والملهيات، وتتزين الدنيا للمؤمنين ،وتصرفهم عما خلقوا لأجله ، فالمؤمن يهرع ويفزع إلى سيده ومولاه ، يفزع إلى الرحمن الرحيم جل وعلا ، فحينما يتملك قلبك الهم ، ويعلو محياك الغم ، فعليك بمنهج نبيك فأتم . وجاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:« الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ » ويعني بذلك أن لها ميزة وفضل وأجر عظيم في أوقات الفتن . يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله معلقاً على هذا الحديث : ( وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ،متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه ” ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر هرع وفزع إلى الصلاة . وجاء في صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا” ، فالرسول صلى الله عليه وسلم حث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة عند حلول الفتن ، من صلاة ،وصيام ،وصدقة ،وبر ،وأداء للحقوق الواجبة عليك ،وصلة الرحم ،وقراءة القرآن ،وغيرها من الأعمال أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العواصم من الفتن القواصم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما العاصم الرابع من الفتن القواصم فهو : تربية النفس على الإيمان بالله وباليوم الآخر : فبالإيمان بالله: يحصل تعظيمه وتعظيم أمره ،ومراقبته في السر والعلن، وبالإيمان بالله يغرس في القلوب محبته ومرضاته، وتقديمها على كل المحاب، وبالإيمان بالله : يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ،فيظهر أثرها على السلوك والأخلاق ،وتظهر قوة الإيمان بها وقت الفتن والشدائد ،. وبالإيمان باليوم الآخر واليقين الجازم بما أعده الله في ذلك اليوم للمحسنين ،وما توعد به للمسيئين، تحصل العصمة بإذن الله من المغريات والشهوات التي هي ظل زائل ، ولا يعرف حقيقة الدنيا إلا من عرف حقيقة الآخرة ، وما أعد الله للمؤمنين ، يقول جل وعلا : (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات (37) :(41) ، ويحصل اليقين بكثرة قراءة كتاب الله بتدبر وتمعن ، يقرأ ويتدبر ما أعده الله لعباده المؤمنين ،الذين حرموا أنفسهم من الشهوات المحرمة ،خوفاً من الله ،وقاموا بما أوجب الله عليهم من العبادة ،طمعاً في الأجر من الله ، ويقرأ المؤمن في كتاب الله ما أعده الله لمن عصاه ،من الويل والثبور ،فيكون ذلك زاجراً له عن الوقوع في الفتن ، ولقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في تربيته لهم ،أن يربيهم ويعلق قلوبهم بما أعد الله لهم في الجنة ،حتى في أحلك الظروف وأقسى الفتن ، فها هو صلى الله عليه وسلم يمر بآل ياسر وهم يعذبون ويسحبون في رمضاء مكة فيقول لهم صلى الله عليه وسلم ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) رواه الحاكم ، فلم يعلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعدهم بشيءٍ من حطام الدنيا . أما العاصم الخامس من الفتن القواصم فهو : العمل بالعلم والدعوة إلى الله : فإن العامل بدين الله الذي يبلغه وينشره الذي يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، لهو من أبعدهم عن الوقوع في الفتن ، فالذي ينصح للمسلمين ويدلهم على كل خير ، لهو أكثر الناس بعداً عن الوقوع في الخلل والزلل، وهو أكثر الناس توفيقا وهداية وسداداً ، يقول الله جل وعلا : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) النساء (66): (70) ، فيحصل لمن عمل بما يوعظ به : الخيرية و الثبات والأجر العظيم والهداية للصراط المستقيم . أما العاصم السادس من الفتن القواصم فهو : الخوف من الفتن والفرار منها : فالمؤمن الصادق المتواضع هو الذي يخاف على نفسه ، ومن خاف نجا ،ومن أمن هلك . فإذا رأيت فتنة مال ،أو نساء ،أو غيرها من الفتن فابتعد ، وإياك ومواطن الفتن والريب ، حتى لا يصيبك منها شيء ، وقد علمنا سلفنا هذا المنهج فكانوا يخافون منها ، فهذا ابن أبي مليكة يقول : ” أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى النفاق على نفسه ” وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاء كدعاء الغرق ” ، أي الذي بلغ منه الخوف والوجل كخوف الذي أوشك على الغرق . والخوف المحمود من الفتن ما كان باعثاً على العمل ، فهذا نبينا الكريم يخاف من الفتن فيهرع إلى العمل الصالح ،فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : (اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ ). وأخيرا إليكم هذا السؤال : كيف يعرف الإنسان أنه وقع في الفتنة أم لا ؟ ،فقد جاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، (عن حذيفة رضي الله عنه قال : إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان رأى حلالا كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة و إن كان يرى حراما كان يراه حلالا فقد أصابته ) ، فمن الفتن التي لا يعلمها كثير من الناس ،التقلب في الدين والرأي ،على غير هدى وبصيرة فمرة يؤيد الحق وأهله، ومرة يؤيد الباطل وأهل ،والمهتدي من هداه الله ،والمعصوم من عصمه الله .
الدعاء