خطبة عن الأمل والأجل وحديث : ( هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ )
سبتمبر 26, 2020خطبة عن البذل والعطاء ،وحديث ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ )
أكتوبر 3, 2020الخطبة الأولى ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (36) :(40) القيامة
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم إن شاء الله ،موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) (36) القيامة، ومن أوال علماء التأويل والتفسير : ففي التفسير الميسر : أيظنُّ هذا الإنسان المنكر للبعث أن يُترك هَمَلا لا يُؤمر ولا يُنْهى، ولا يحاسب ولا يعاقب؟ (أَلَمْ يَكُ) هذا الإنسان نطفة ضعيفة ،من ماء مهين ،يراق ويصب في الأرحام، ثم صار قطعة من دم جامد، فخلقه الله بقدرته ،وسوَّى صورته في أحسن تقويم؟ ،فجعل من هذا الإنسان الصنفين: الذكر والأنثى، أليس ذلك الإله الخالق لهذه الأشياء ،بقادر على إعادة الخلق بعد فنائهم؟ ،بلى إنه – سبحانه وتعالى- لقادر على ذلك. وفي تفسير الطبري ، يقول : أيظنّ هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا ، أن لا يؤمر ، ولا ينهى، ولا يتعبد بعبادة. وذكر سيد قطب في الظلال: «( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) فقد كانت الحياة في نظر القوم حركة لا علة لها، ولا هدف، ولا غاية… أرحام تدفع وقبور تبلع… وبين هاتين لهو ولعب، وزينة وتفاخر، ومتاع قريب من متاع الحيوان ، والذي يميز الإنسان عن الحيوان، هو شعوره باتصال الزمان والأحداث والغايات، وبوجود الهدف والغاية من وجوده الإنساني، ومن الوجود كله من حوله. وارتقاؤه في سلم الإنسانية يتبع نمو شعوره هذا وسعته، ودقة تصوره لوجود الناموس، وارتباط الأحداث والأشياء بهذا الناموس. فلا يعيش عمره لحظة لحظة، ولا حادثة حادثة، بل يرتبط هذا كله بإرادة عليا خالقة مدبرة، لا تخلق الناس عبثاً، ولا تتركهم سدى. وفي غير تعقيد، ولا غموض، يأتي بالدلائل الواقعة البسـيطة ،التي تشهد بأن الإنسان لـن يترك سدى.. إنها دلائل نشأته الأولى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) ،ألم يك نطفة صغيرة من مني يمنى ويراق؟ ألم تتحول هذه النطفة من خلية واحدة صغيرة إلى علقة في الرحم، تعلق بجدرانه لتعيش وتستمد الغذاء؟.. فمن ذا الذي خلقها بعد ذلك جنيناً معتدلاً منسق الأعضاء… ثم في النهاية ، من ذا الذي جعل من الخلية الواحدة الذكر والأنثى؟.. إنه لا مفر من الإحساس بالله الخالق المدبر..وأمام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضاً على الحس البشري، يجيء الإيقاع الشامل لجملة من الحقائق: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى) بلى، سبحانه، فإنه القادر على أن يحيي الموتى… القادر على النشأة الأخرى ،فإن الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وأبدع تركيبه ،ووهبه القوى العقلية التي لم يعطها غيره من أنواع الحيوان، ليستعملها في منافع لا تنحصر ، أو في ضد ذلك من مفاسد جسيمة ، لا يليق بحكمته أن يهمله مثل الحيوان فيجعل الصالحين كالمفسدين ، والطائعين لربهم كالمجرمين ، وهو العليم القدير المتمكن بحكمته وقدرته أن يجعل إليه المصير ، فلو أهمله لفاز أهل الفساد في عالم الكساد ، ولم يلاق الصالحون من صلاحهم إلا الأنكاد ، فلا يناسب حكمة الحكيم إهمال الناس يهيمون في كل واد ، وتركهم مضربا لقول المثل ” فإن الريح للعادي ” ولذلك قال في جانب الاستدلال على وقوع البعث :( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) ، أي لا نعيد خلقه ونبعثه للجزاء كما أبلغناهم ، فقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة: 36] ، فيه نفي قاطع لأذهان البشر جميعاً عن النظرة العبثية للحياة أو مصادفة الوجود للذين يعبدون المادة والحياة، والآية مقررة لهم بأنهم محاسبون ومسؤولون عن نتاج أعمالهم مهما تذرعوا بالأسباب، كما في قوله تعالى : {مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: 19] ،وفي الآية إثبات لحتمية المصير الذي يتهرب منه الإنسان والذي سيلاقيه، كما في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق 6: 11].
أيها المسلمون
فهل سأل الإنسان نفسه يوماً عن حقيقة حياته ؟، وهل خلق بلا معنى ، أو دون غاية ؟ ، أم خلق لغاية ومعنى؟وهل حقيقة الحياة الأكل والشرب والزواج والأثاث والترقية والأولاد والترفيه؟، وهل كل ما فيه ضياع للعمر دون رصيد مدخر للآخرة ، أم أن هناك ما هو أعظم؟ إن لكل آلة حقيقة ومعنى ، فحقيقة السيارة أنها توصلك لما تريد ، ومعناها الراحة، وكذلك الطعام والشراب حقيقته تقوية البدن ،ومعناه السلامة من الأمراض ، … وقس على ذلك الكثير من شئون حياتك، والسؤال الصعب في معادلة الحياة ،السؤال الذي غفل عنه ملايين البشر وهو: ما حقيقة حياتهم ،ووجودهم ، وحقيقة موتهم؟، سؤال يحتاج لجواب .. لمعنى مقنع ! السماء والأرض والكون كله سيفنى ،حقيقة علمية لا شاك فيها!، أينتهي كل شيء ؟ ، أيموت الغني غنياً ، والفقير فقيراً؟ ، أيموت المظلوم مظلوماً ، والظالم تنقع يداه من آلاف البشر قتلاً وسرقةً وقهراً؟ ، أهذه حقيقة الحياة؟ ، أحقيقة الحياة ركضاً وراء شهوات الفرج والشهرة ،والأغاني والتقليد الأعمى لكل ساقط ولاقط ، أهذه سعادة تخرج بها من دنياك لتلقى بها مولاك؟ ، وهل حقيقة الحياة وسعادتها ركضاً وراء الموضات وإنفاقا للأموال والرحلات والسينمات؟… فالإجابة : لا .. لا .. لا.. لن يترك الإنسان سدىً ، لن يترك عبثاً ، سيظل الإنسان يشقى بصنيعة يداه ، ويتألم في شكواه ، مهما ارتفع صوته ضحكاً وقهقهة فارغة ، سيظل في خوف مستمر يترقب المصائب ، متزعزعاً مخفياً ألمه عبر الابتسامات للكاميرات والفيديو كليبات مادام أنه بعيد عن الإيمان وطاعة الرحمن، مادام أنه بعيد عن السجود ،والقرآن ،والذكر الذي فيه الحياة الحقيقية ، الحياة التي فيها قوة القلب ،وثباته في الأزمات والملمات . فالحياة الطيبة التي عجز الطب النفسي أن يجدها لمرضاه ، وأذكر طرفة حقيقية ،لرجل ذهب لمعالج نفسي واجتماعي ، ودار الحديث عن مغنٍ خليجي مشهور جداً يتعجب السائل للطبيب لماذا أراهم مبتهجين فرحين في أغانيهم ،قد زالت عنهم المشاكل،(وسمى المغني المشهور ) ، فقال الطبيب المختص : والله إنه ليتعالج عندي ، وما رأيت أحداً أكثر منه مشاكل ، ولكنه لا يظهرها للناس !
فطب يا عبدالله نفساً بطاعة الله ، هذا الكلام حقيقي ومجرب ، وسيظل العاصي يهرب من ألمه ، بكل منكر صغير وكبير ، بكل ألوان المجون ، حتى لا يتواجه مع نفسه بحقيقة المصير المنتظر ، تحدث عن الموت فهل يسمعونك ،تحدث عن مواقف القيامة هل يلتفتون إليك ، فكثير ممن لا يحتملون آلام الشقاء الذي لا يعرف أكثرهم ممن طمس على قلبه مصدره ، ينتحرون لأتفه سبب ، بل مهما عظم ،إنهم في العالم بأعداد مهولة ، والمكتئبون كثير ، والمظهرين للمعاناة والتبرم وعدم الرضا أكثر ، والمتعاطين للحبوب المهدئة حدث ولا حرج .. ولقد أخبرني صديق لي عندما كان يدرس في أمريكا أن مدرس اللغة الإنجليزية دخل عليه وقت صلاة المغرب مع أحد الأخوة ،فأجلسه ،وأعطاه مجلة يتصفح بها لحين أن ينتهي من صلاته ،وأثناء الصلاة توقف المدرس ،وبدأ يستمع للقرآن ،وبعد الصلاة بادره المدرس الذي لا يفهم العربية ، ماذا كنت تقرأ ؟ قال : القرآن قال : لقد قرأت شيئاً – وأشار بيده لصدره – وجدت راحة عظيمة ،وسكينة ، فتذكر صاحبي أنه قرأ آية الكرسي ، فطلب منه أن يقرأها عليه ، فوضع يده على صدره ، قال : حتى ظننا أنه سينام. سيظل الإنسان يعاني إذا لم يكن يعرف جواباً لحقيقة وجوده ، ويشقى كلما كثرت ذنوبه ، ثم يذوق ثمار نتاجه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ،وحقا ما قال ربنا : ﴿أيحسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ القِيامة 36.
أيها المسلمون
هم كثيرونَ أولئكَ الذينَ ما عَرَفُوا لِمَا خُلِقُوا ،فَتَرَاهُمْ يَنْطَبِقُ عليهِمْ حديثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظ ،سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ ،جِيفَةٍ بِالليلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَارِفٍ بأَمْرِ الدُّنْيَا ،جَاهِلٍ بِأَمْرِ الآخِرَةِ”، فهَذا الصِّـنفُ مِنَ النَّاسِ كثيرٌ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿وقليلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾ سبأ 13،. واللهُ تَعالَى عَلِمَ أَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلِمِينَ مَنْ سَيَكُونُ وَلِيًا تَقِيًا صَالِحًا، وَأَنَّ مِنْ عِبادِهِ المسلمينَ مَنْ سَيَكونُ فَاسِقًا عَاصِيًا مُذنِبًا، فَمِنَ الناسِ مَنْ يَعصِي الإِلَهَ بِأُذُنَيْهِ ،وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي اللهَ بِعَيْنَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِيَدَيْهِ ،وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْصِي الإِلَهَ بِرِجْلَيْهِ، وَرَبُّ العِبَادِ يَقُولُ : ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانَ عنهُ مَسئُولاً﴾ الإسراءِ 36.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فَيَا أَيُّها الإِنسانُ اعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدًا ،وَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّدَ مِنْ زَادِ الآخِرَةِ ،قَبْلَ أَنْ يُفَاجِئَكَ مَلَكُ الموتِ، فَإِنَّ عزرائيلَ لا يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَحَد، لا يترُكُ صَغِيرًا رَضِيعًا كَمَا لا يَتْرُكُ رَجُلاً صَحِيحًا قَوِيًّا ،فيأخُذُ الشِّيبَ وَالشيوخَ ،وَالعُجَّزَ وَالْمَرْضَى فِي المستَشْفَيَاتِ ، فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ ، وَكَمْ مِنْ أَحْفَاد مَاتُوا قَبْلَ أَجْدَادِهِمْ ، فهَيِّؤُوا الزَّادَ لِيَوْمِ المَعَادِ، وَالزَّادُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ علمِ الدِّينِ ،فَالعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَالمَالُ أَنْتَ تَحْرُسُهُ، الكَثِيرُ من الناس ،بدَلاً مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَرِيصِينَ علَى التَّزَوُّدِ بِمَا يَنْفَعُهم لآخَرِتِهِم ، تَرَاهُم يَتَكَالَبُونَ وَيَلْهَثُونَ كَالكِلابِ وَرَاءَ الجِيفَةِ النَّتِنَةِ ،وَيترُكونَ مَا يَنْفَعُهُم فِي قُبورِهِم ،وَإِذَا مَا دَفَنَهُمْ أَهلوهُم وَأَلْقَوْا علَيهِمُ الترابَ،
أيها المسلمون
يقول أحد الدعاة إلى الله : انه جاء مرة من المرات إلى رجل يقوم بتلميع الأحذية، فجلس عنده وبدأ يحادثه في الإيمان، وهذا الرجل يقول: لا يهمني أمر الآخرة ، ولا أمر الإيمان، هذه قضية لا تعنيني، يعنيني رزقي ، وحياتي ، ووظيفتي ، ومصالحي الدنيوية.فقال له : هذا الحذاء الذي تلمعه الآن ، والناس يستعملونه ، هل هم يستخدمونه لهدف معين أم لا؟ ، قال: بلى، يستخدمونه لهدف واضح، وهو أن يلبسوه ، ويتقوا به ما يكون في الأرض من حجارة ،أو أشياء حادة ، أو غير ذلك، ويتقوا به البرد ، وغير ذلك. قال: فهل يليق بحكمة الحكيم ، أن يكون الحذاء الذي تلبسه له معنى ، وله سر ، وله مقصد ، وله هدف، وأن يكون هذا الإنسان المكرّم بالنطق ، وبالعقل، وبالجمال وبالزينة ، وبالتفكير ، وبالإمكانيات والقدرات ، والمسخر له الكون، أن يكون هذا الإنسان بغير هدف ، ولا رسالة ، ولا بصيرة؟! هذا محال؛
فيا أيها الضال عن طريق الهدى , أما تسمع صوت الحادي وقد حدا , من لك إذا ظهر الجزاء وبدا , وربما كان فيه أن تشقى أبدا: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) يا من تكتب لحظاته , وتجمع لفظاته , وتعلم عزماته , وتحسب عليه حركاته إن راح أو غدا ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، ويحك إن الرقيب حاضر , يرعى عليك اللسان والناظر , وهو إلى جميع أفعالك ناظر , إنما لدنيا مراحل إلى المقابر , وسينقضي هذا المدى: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، مالي أراك في الذنوب تعجل , وإذا زجرت عنها لا تقبل , ويحك انتبه لقبح ما تفعل لأن الأيام في الآجال تعمل مثل عمل المدى: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) سترحل عن دنياك فقيرا , لا تملك مما جمعت نقيرا , بلى قد صرت بالذنوب عقيرا بعد أن رداك التلف رداء الردى: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، كأنك بالموت قد قطع وبت , وبدد الشمل المجتمع وأشت , وأثر فيك الندم حينئذ وفت , انتبه لنفسك أشمتَّ والله العدا : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، كأنك ببساط العمر قد انطوى , وبعود الصحة قد ذوى , وبسلك الإمهال قد قطع فهوى , اسمع يا من قتله الهوى وما ودى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، تالله ما تقال وما تعذر , فإن كنت عاقلا فانتبه واحذر , كم وعظك أخذ غيرك وكم أعذر , ومن أنذر قبل مجيئه فما اعتدى 🙁 أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) ، فبادر نفسك واحذر قبل الفوت , وأصخ للزواجر فقد رفعت الصوت , وتنبه فطال ما قد سهوت , اعلم قطعا ويقينا أن الموت لا يقبل الفدا : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) انهض إلى التقوى بقريحة وابك الذنوب بعين قريحة , وأزعج للجد أعضاءك المستريحة , تالله لئن لم تقبل هذه النصيحة لتندمن غدا : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )
الدعاء