خطبة عن (الخوف من الشهرة )
نوفمبر 23, 2022خطبة عن قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
نوفمبر 26, 2022الخطبة الأولى ( طَعَامٌ كَطَعَامِهَا وَإِنَاءٌ كَإِنَائِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ)، وروى الامام أحمد وصححه الألباني: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ بَعَثَتْ صَفِيَّةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِطَعَامٍ قَدْ صَنَعَتْهُ لَهُ وَهُوَ عِنْدِي فَلَمَّا رَأَيْتُ الْجَارِيَةَ أَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ حَتَّى اسْتَقَلَّنِي أَفْكَلُ فَضَرَبْتُ الْقَصْعَةَ فَرَمَيْتُ بِهَا – قَالَتْ – فَنَظَرَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقُلْتُ أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَلْعَنَنِي الْيَوْمَ. قَالَتْ قَالَ « أَوْلَى». قَالَتْ قُلْتُ وَمَا كَفَّارَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «طَعَامٌ كَطَعَامِهَا وَإِنَاءٌ كَإِنَائِهَا»، وفي رواية: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَتُهُ فَقَالَ «إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ»، وفي رواية للنسائي : (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا – يَعْنِي – أَتَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُتَّزِرَةً بِكِسَاءٍ وَمَعَهَا فِهْرٌ فَفَلَقَتْ بِهِ الصَّحْفَةَ فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ فِلْقَتَي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ « كُلُوا غَارَتْ أُمُّكُمْ ». مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَحْفَةَ عَائِشَةَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَائِشَةَ).
إخوة الإسلام
من خلال تدبر قصة هذا الحديث النبوي الكريم برواياته المتعددة فيَنبَغي على الزَّوجِ أنْ يُعاملَ زَوجتَه بالتي هي أحسَنُ، وأنْ يَتعامَلَ معها باللُّطفِ، وخاصَّةً إذا وَجَد منها شيئًا مِنَ النَّقصِ أو القُصورِ. فقصة هذا الحديث تبين لنا موقفا تربويا عظيما من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، موقفٌ قد لا يتصرف معه الكثير من الرجال بأقل من السب والشتم ،وربما الضرب والوعيد والتهديد، إن لم يصل الحال إلى الطلاق ،وقد يشعر أمثالنا في مثل هذه المواقف أن رجولته وكرامته قد انتقص منها؛ بسبب تصرف زوجته معه وعنده أصحابه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعالج الموقف معالجةً تربويةً حكيمة، تنطوي على أخلاقٍ عظيمة، ويتبين منها رقي التعامل مع المرأة والزوجة، وتقدير نفسيتها ،وما جُبلتْ عليه من غيرةٍ قد تجعلها تخطئ في التصرف في بعض الأحيان، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع الأمر يمر هكذا دون لفتةٍ إرشادية لأصحابه ولأمته، فقال: “غَارتْ أُمُّكم، غارتْ أُمُّكم”. فربما تخطئ الزوجة في حق زوجها أحياناً؛ كما هو يخطئ في حقها أحيانا أخرى ،وربما يكون خطأه أكثر من خطئها، فلابد أن يعلم الأزواج أنه ليست هناك امرأةً كاملة الأوصاف أو الأخلاق، فالطبيعة البشرية يستحيل معها الكمال؛ فالكمال لله وحده ،ومن ذا الذي تراه منا كاملاً لا خطأ له ولا زلل!، فينبغي أن يفطن الأزواج لهذه الطبيعة البشرية، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ». أَوْ قَالَ «غَيْرَهُ»، وإنما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلة المساوئ، فأما الاشتمال على جميع المحاسن، والسلامة من جميع المساوئ دقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيها، فهذا لا يوجد في الحياة الدنيا. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يشتم زوجته، ولم يضربها ،ولم يصرخ في وجهها، ولم يهنها بكلمةٍ أو فعل، وإنما راعى نفسيتها، ورأى أن ذلك العمل مبعثُه الحب، حب زوجته الشديد له، وغيرتها عليه من زوجاته الأخريات، فكان أن قدَّر هذا الحب من زوجته ،وراعى هذه الغيرة، وعالج الأمر بكل هدوء وحكمة؛ حتى يقتدي به الأزواج من أمته من بعده، فلنا فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الاحزاب، وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) ، فوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء، وكريم التعامل، وحسن العشرة معهن، لم يغب عن حياته العملية أبدا، وذلك من خلال تعامله مع زوجاته، وغيرهن من النساء اللاتي يأتين إليه للسؤال أو للشكوى من أزواجهن، بل لم يغبْ هذا الأمر عن باله صلى الله عليه وسلم حتى في يوم الحج الأكبر في مجتمع المسلمين في خطبة الوداع، حين أوصى بالنساء وأكَّد على ذلك، ففي سنن أبي داود وغيره: ( قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ،
أيها المسلمون
فالغيرة من أميز ما تتميز به المرأة، فهي من الصفات التي فطرت عليها، ولكنها تتفاوت من امرأة وأخرى، فالله سبحانه وتعالى خلق المرأة ،وكتب الغيرة عليها وركبها في طباعها، وقد وقعت هذه الغيرة من فاضلات النساء ،وأزواج الأنبياء، وأمهات المؤمنين؛ ومن ذلك ما حدث للسيدة سارة زوج نبي الله إبراهيم (عليه السلام) – من الغيرة من هاجر وولدها إسماعيل، وهذه الغيرة هي التي دفعت إبراهيم (عليه السلام) أن يبعدهما عن نظر سارة؛ “فإن سارة امرأة الخليل غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة لما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه ،فأمره الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة، لتبرد عن سارة حرارة الغيرة ،وهذا من رحمته تعالى ورأفته” (زاد المعاد). ومن صور الغيرة عند أمهات المؤمنين ما جاء في الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا) .وفي رواية: (فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ. فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)، وفي موقفٍ آخر ترويه أيضًا عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ: فَغِرْتُ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَمَعيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمُ» (رواه مسلم)
والضابط في الغيرة الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط؛ فالإفراط في الغيرة يؤدي إلى نتائج كارثية قد تستحيل معها الحياة الزوجية، فالمرأة التي تسرف في الغيرة على زوجها ترتكب أفعالًا تضايق الزوج: كالتجسس على مكالماته، وفتح هاتفه، وقراءة رسائله، والسؤال عنه في أوساط عمله، وتتبع تحركاته ،وغير ذلك من الأفعال التي لا يجد معها الزوج إلا النفور من زوجته، وقد يتمادى بعض الأزواج فيفعلون ما يثير الشك في نفوس زوجاتهم نكايةً فيهن وانتقامًا. فالغيرة التي بدون دليل ، والتي هي إنما محض شكوك وظنون وأوهام هي غَيرة مذمومة، لا يحبها الله سبحانه وتعالى، كما في الحديث الذي صححه الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُ اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا الغيرةُ الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( طَعَامٌ كَطَعَامِهَا وَإِنَاءٌ كَإِنَائِهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما عن تعامل الزوج وتصرفه تجاه هذه الغيرة الفطرية في النساء، وكذا تصرف المرأة العاقلة إن بدر منها أفعال تدل على الغيرة: فعلى الزوج أن يتفهم أن هذا الطبع في المرأة إنما هو فطري طبعي جبلت عليه، وعليه أن يتعامل معها بناء على هذا الفهم. قال العلماء: (الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك، ولهذا لم تُزجر عائشة عنها (شرح النووي على مسلم). ، فعلى الزوج ألا يهزأ من غيرة زوجته، وألا يراوغ ويزيد من توترها وقلقها وله في نبي الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؛ ففي صحيح مسلم: (قَالَتْ عَائِشَةُ أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قُلْنَا بَلَى. قَالَ قَالَتْ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلاَّ أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً ». قَالَتْ قُلْتُ لاَ شَيْءَ. قَالَ « لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ « فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي ». قُلْتُ نَعَمْ. فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي ثُمَّ قَالَ « أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ». قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ نَعَمْ. قَالَ « فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « قُولِي السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ »؛ فأخبرها صلى الله عليه وسلم بما حدث.
وعلى الزوجة العاقلة أن تصرف نظر زوجها إلى أمر آخر إن بدر منها فعل من أفعال الغيرة وألا تتمادى في غيرتها كما فعلت عائشة رضي الله عنها في نهاية الموقف السابق؛ فقد صرفت الموضوع إلى الحديث عن كيفية الاستغفار لأهل البقيع؛ قالت: قلتُ: كيف أقول لهم؟ يا رسولَ اللهِ! قال: «قولي: السلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللهُ المستقدمين منا والمُستأخِرين. وإنا، إن شاء اللهُ، بكم لَلاحقونَ» (أخرجه مسلم).
وعلى الزوج ألا يثير الشكوك في نفس زوجته وخصوصًا إن كانت من النوع الغيور، وأن يعدل في القسمة بين زوجاته، “وَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْج مُقْسِطًا عَادِلًا وَأَدَّى لِكُلٍّ مِنْ الضَّرَّتَيْنِ حَقّهَا فَالْغَيْرَة مِنْهُمَا إِنْ كَانَتْ لِمَا فِي الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة الَّتِي لَمْ يَسْلَم مِنْهَا أَحَد مِنْ النِّسَاء فَتَعَذَّرَ فِيهَا مَا لَمْ تَتَجَاوَز إِلَى مَا يَحْرُم عَلَيْهَا مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف الصَّالِح مِنْ النِّسَاء فِي ذَلِكَ” (فتح الباري).
وعلى الزوجة أن تروض صفة الغيرة في نفسها وأن تقلل منها قدر الإمكان، وقد كان سلفنا الصالح يوصون بناتهم بذلك: “إياك والغَيْرة فإنها مفتاح الطلاق” (عيون الأخبار لابن قتيبة).
الدعاء