خطبة عن الصحابي: (سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الجمحي
أكتوبر 13, 2018خطبة عن (حرمة المال العام في الاسلام)
أكتوبر 13, 2018الخطبة الأولى ( الفرح في الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (58) يونس، وقال الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (4) ،(5) الروم
إخوة الاسلام
الفرحُ سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود. والناسُ كلّ الناس يسعَى إلى فرحِ قلبِه، وزوالِ همِّه وغمِّه، وتفرُّق أحزانِه وآلامِه. والفرحُ مركزُه القلب، وميدانُه السُّلوك، ومظهرُه اللِّباسُ والزِّينةُ والكلمةُ الطيِّبَة، ورسالتُه الشعورُ الحسنُ، والوِجدانُ الفيَّاض، وأثرُه سعادةٌ غامِرةٌ تمسحُ آثارَ وبقايا الهمِّ والحزن والأكدار .والفرحُ لا ينحصِرُ في أيامٍ معدودة، أو فترةٍ محدودة؛ بل إن المُسلمَ يعيشُ الفرحَ على مدارِ العام والعُمر في الدنيا والآخرة. فأسبابُ الفرح في كل لحظةٍ وسكنَةٍ من حياتِنا، ودواعِيه في كلِّ شُؤونِنا. فحن نفرحُ إذا عِشنا مظاهِرَ الطاعة من صيامٍ وقيامٍ وتلاوةٍ واستِغفارٍ، ألسنُ تلهَجُ بالدعاء، وأعيُنٌ تذرِفُ الدمعَ خشيةً، وقلوبُ ذليلةٌ مُنكسِرةٌ. نفرحُ فرحًا عميقًا بتوفيق الله لنا. ونحن نفرحُ بالله ،ومعرفته ،ومحبَّته، وكلامه ،ورسوله، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الرعد: 36]. فسُرور القلب بالله وفرحَه لا يُشبِهُه من نعيم الدنيا شيء، وليس له نظيرٌ، حتى لقد قال بعضُ العارِفين: “إنه لتمُرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهلُ الجنةِ في مثلِ هذا إنهم لفِي عيشٍ طيِّبٍ”. ويفرحُ المُسلمُ بفضل الله ورحمته، نعم يفرحُ لأن الله أنعمَ عليه بالإسلام، وطهَّر قلبَه بالإيمان، وعطَّر لسانَه بتلاوة القرآن، قال الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. وعلى قدر حياة القلب بالإيمان والقرآن يكونُ فرَحُه، وكلما رسخَ ذلك كان قلبُه أشدَّ فرَحًا. ويفرح المسلم لنعم الله الظاهرة والباطنة التي تُحيطُ به من كل جانب، وتملأ حياتَنا، فقد أعطانا الله خيرًا، ودفعَ عنَّا شُرورًا، ومتَّعَنا بنعمة الصحَّة والعافية والأولاد ، والأمن والأمان . واليوم الذي يمُرُّ دون أن نقترِف معصية هو يومُ فرَح، وللتوبة فرحةٌ عجيبة، ولذَّةٌ إيمانيَّة لا تُقارَنُ بلذَّة المعصية الزائِفة. وتفرح حين تجِدُ نفسَك مُحافِظًا على الصلوات، مُقيمًا لها في بيت الله؛ بل ويأنَسُ فرحُك ويزدادُ حين تُصلِّي ركعتين لله – جلَّ جلالُه – في جوفِ الليل، وتسيل دموعك على خديك.
أيها المسلمون
وتزدهِرُ الفرحةُ وترقَى بذكرِ الله، فالذِّكرُ يُزيلُ الهمَّ والقلقَ، ويجلِبُ الفرحَ والسُّرور، ويُنوِّرُ القلبَ والوجهَ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28) الرعد ، ومما يُورِثُ الفرحَ: أن يرضَى الإنسانُ عن نفسِه وربِّه، ويطمئنَّ إلى يومِه وحاضِره، يطمئنَّ إلى غدِه ومُستقبلِه ،ويقينُه بالله واللقاء في الدار الآخرة. ويدومُ الفرحُ بإزالَة الأسباب الجالِبة للهُموم، وتحصيلِ الأسباب الجالِبة للسُّرور، ونسيان ما مضَى عليه من المكارِه، فلا يقلَقُ المُسلمُ من الفقر والخوف ومُستقبَل حياتِه؛ فالأمرُ كلُّه بي العزيز الحكيم، وهذا يُورِثُ الطُّمأنينة والفرَح بزوال الهمِّ والقلق، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]. أما الذي يُكثِرُ السُّخط والتشكِّي فلا يذوقُ للسُّرور طعمًا، ولا يهنَأُ بالفرَح أبدًا، حياتُه نكَد، وعيشُه ضنك. ويتحقَّقُ الفرحُ بطلبِ العلم وتبليغِه، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «نضَّر اللهُ امرأً سمِع منا شيئًا فبلَّغَه كما سمِعَه» رواه ابن حبان. والنُّضرةُ هي البهجةُ والحُسن الذي يُكساه الوجه من آثار الإيمان وابتِهاج الباطن به. وإذا أردتَّ أن يدومَ فرَحُك ويبقَى فاعمل على أن تمسحَ دمعة يتيم، وتُغدِقَ السُّرورَ على طفلٍ مسكين، وتزرعَ البسمةَ على شِفاه المحرومين، حين واسِي مهمومًا تفرَح، وحين تُنقِّي قلبَك من الغلِّ والحقد والحسَد، وإذا جمَّلتَ باطنَك ونواياك تركَت الفرحةُ بصمةً حقيقيَّةً في نفسِك، تفرَح عندما تُقابِل الناسَ بطلاقة الوجه، والتِماس العُذر، وكفِّ الأذَى، وصِلَة من قطعَك، والعفو عمَّن ظلمَك، قال الله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. وعجيبٌ هو أمرُ المؤمن، إنه يفرحُ في السرَّاء ويصبر في الضرَّاء، ففي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». بل إن بعض العارِفين يُقابِلون الابتِلاءَ بالفرَح؛ لأن الابتِلاءَ يُفضِي إلى محو السيئات، ورفع الدرجات، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «.. إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلاَءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ » رواه ابن ماجة. ونفرحُ لأن نصرَ الإسلام قريبٌ، وبشائِرَه تلُوحُ في الأُفُق؛ فأعدادُ المُسلمين ليس لها عدٌّ، وتمدُّدُه ليس له حدٌّ، وكلما اشتدَّت المِحَن قرُبَ بُزوغُ الفجر، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) [يوسف: 110].
أيها المسلمون
والمؤمنُ يفرحُ عند الموت بلِقاء الله، ففي الصحيحين :قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومن كرِهَ لقاءَ الله كرِهَ الله لقاءَه». فرُوحُ المؤمن تطيرُ فرَحًا عند الموت شوقًا إلى النعيم الذي ترَى بِشارَاته، وتُبصِرُ علاماته. والفرحُ الأكبرُ والنعيمُ الأعظم فرحٌ لا يفنَى، ونعيمٌ لا حدَّ لمُنتهاه، عندما يُوفَّقُ المُسلمُ لسعادة الأبَد في جنَّات النعيم، وهناك يفرحُ المؤمنون دون غيرِهم يوم القيامة، تتلألأُ وجوهُهم نورًا، ومن شدَّة الفرَح تظهرُ ضاحِكةً مُستبشِرَة، قال الله تعالى: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين: 24]، وقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22، 23]، وقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) [عبس: 38، 39]. فأيُّ سعادةٍ أعظم ونحن مُنصرِفون إلى جنَّةٍ عالية، قطوفُها دانِية، فيها ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطَر على قلب بشر؟! إن غمسةً في الجنة تُنسيك كلَّ شدَّة الدنيا وبُؤسِها، فكيف بنعيمٍ مُقيمٍ لا يحولُ ولا يزول؟! وتستقرُّ الفرحةُ الأخرويَّة بنعيمٍ ليس بعده نعيم، ولذَّةٍ ليس وراءَها لذَّة، وهي: النظرُ إلى وجه الربِّ – تبارك وتعالى -، قال الله سبحانه -: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ) [يونس: 26]. وقال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (22)، (23) القيامة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الفرح في الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا تجاوزَ الفرحُ حدودَ الشرع والعقل غدا مذمومًا؛ فالاستِبشارُ بمُصيبةٍ تحلُّ بأخيك، أو كارِثةٍ تنزلُ به فرحٌ مذمومٌ، كما قال الله سبحانه وتعالى -: (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران: 120]. فمن الفرح المذموم وعلامة النِّفاق: الاشمِئزازُ من نصر الإسلام وتمكينه، أو الفرحُ بتحجيم دوره وأثره في الحياة، واتِّهامُه بأنه سببُ التخلُّف والرَّجعيَّة، قال الله تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر: 45]. ومن الفرح المذموم: فرحُ المرء بما لم يفعل رياءً وتكبُّرًا، قال الله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 188]. ومن ذلك: فرحُ المرء بتقصيرِه في طاعة الله، وتخلُّفِه عن رَكب الصالحين، ونُكوصِه عن الدعوة والاستِقامة، قال الله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81]. وإذا أدَّى الفرحُ إلى الأشَر والبطَر والتمرُّد والانطِلاق من كل قيدٍ فهو فرحٌ مذمومٌ، قال الله تعالى: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) [غافر: 75]. وقال الله تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (76) القصص
الدعاء