خطبة عن ( لأنك أنت الله )
يناير 28, 2018خطبة عن ( الشح، والهوى، والعجب )
فبراير 3, 2018الخطبة الأولى : ( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الاحزاب ،وقال الله تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ..) (4) الممتحنة
إخوة الاسلام
إن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها ،أنهم يتأثروا بالمحاكاة والقدوة ، أكثر مما يتأثرون بالقراءة والسماع ، ولا سيما في الأمور العملية ، ومواقف الشدة وغيرها، وهذا التأثير هو أمر فطري لا شعوري في كثير من الأحيان . ومن المعلوم أن الأسوة والقدوة نوعان : حسنة ، وسيئة : فالأسوة الحسنة : هي الاقتداء بأهل الخير والفضل والصلاح ،في كل ما يتعلق بمعالي الأمور وفضائلها. وأما الأسوة السيئة: فهي تعني السير في المسالك المذمومة ،واتباع أهل السوء ،والاقتداء بهم من غير حجة أو برهان ،وقد جعل الله عز وجل لعباده أسوة حسنة وعملية ، ويتمثل ذلك في الرسل ، والصالحين من عباده ، فأرسل الله الرسل ، وقصَّ على المؤمنين قصصهم ،وعرض سيرتهم ،ثم أمر باتباعهم ، والاقتداء بهم ، فقال الله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.. ) [ الأنعام ، 9 ] . فمهما يكن لدى المرء من قدرات ومواهب ،وأساليب يستثمرها لتربية ذاته ،وتزكيتها، فإنه لا يستغني عن وجود قدوة من بني جنسه ،تكون له نبراساً في سيره في طريقه إلى ربه، فعلى الانسان أن يحرص على اختيار شخص ،استجمع قدراً كبيراً من الفضل والتقوى ، يكون قدوة له في أمور الخير والهدى ،ويرجع إليه في السراء والضراء ،مستفيداً من رأيه ومشورته فيما يلم به من أحداث ومواقف، والرسول – صلى الله عليه وسلم – هو قدوة القدوات: فنحن في علاقاتنا مع أولادنا وآبائنا وأزواجنا، وفي مأكلنا ومشربنا وعباداتنا ودعواتنا وسائر أعمالنا أحرار، نستطيع أن نتصرف كما نشاء، وبذلك قد نسمو إلى العلا وقد نهبط إلى الحضيض، وقد نحسن أو نسيء، ولكن علينا أن لا ننسى أن الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم ،لم يتركه سدى، ولم يدَعْه بدون أسوة، وهاد أمين، بل هداه بالقرآن إلى الأسوة الحسنة، كما في قوله الله تعالى -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21) وقال الله تعالى :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31)، فهاتان الآيتان وغيرهما تشير إلى أن الطريق الآمن والدرب الموصل إلى المطالب إنما هو اتخاذ القدوة الصالحة واتباع الأسوة الحسنة، وهل هناك طريق أسلم من التأسي بسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي اتفق الصديق والعدو على أنه كان في قمة الأخلاق الحسنة. ففي شخصية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسيرته يجد المرء الأسوة الحسنة في حياته كلها؛ فهو إنسان أكرمه الله – سبحانه وتعالى – برسالته، وسيرته شاملة لكل النواحي الإنسانية ، فهو الشاب الأمين قبل البعثة والتاجر الصادق، وهو الباذل لكل طاقته في تبليغ دعوة ربه، وهو الأب الرحيم ،والزوج المحبوب ،والقائد المحنك ، والصديق المخلص ،والمربي المرشد والحاكم العادل، كما أنه – صلى الله عليه وسلم – ضرب المثل الأعلى في تربية الذات من جميع النواحي سواء في عبادته ،أو زهده ،أو خلقه الكريم ، أو غير ذلك. والرسول – صلى الله عليه وسلم – قد استطاع في زمن قصير بعون وتوفيق من الله أن يقضي على الأخلاق الرزيلة ، والأفعال الشنيعة التي كانت في الجاهلية، ويرسي بدلاً عنها عبادة الله، فغاية خلق الإنسان هو التعرف إلى الله ،والقيام بالعبودية له، فعلّم الناس وربّاهم على سبل العيش المتوازن ،بعيداً عن الإفراط والتفريط، ، وإخلاص الأعمال لله – تعالى -، وملازمة الصدق، والوفاء بالعهود، وعدم الخيانة عند الائتمان، والشفقة على الأهل، والرفق بالنساء. وأرشدهم إلى العدل ،والتواضع ،والسخاء ،والمعروف، والبر، والحلم ،والصبر. والذين أحبوه ،واتبعوا مبادئه ،واقتدوا به ،واتخذوه أسوة في ذلك العصر، بنوا حضارة إنسانية، يتمتع فيها الإنسان بإنسانيته ، ويحس بكرامته. فلولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القريبون منه، ولولا هؤلاء ،لما كان من بعدهم من الناس، ولولا الفتح لما دخل الناس في دين الله أفواجا، وليس شيء من هذا ماديا، ولكن القوة المادية تخضع في النهاية لقوة الحق. ولقد تم ذلك برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبأصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا العنصر العملي التنفيذي، وكان الوحي العنصر الأول الذي كان يتلقاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خالق الأرض والسماء ويبلغه أصحابه. فليس للمسلمين من سبيل إلا هذا السبيل، فطليعة التأسي هي التأسي بخطوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وفي كل ظاهرة وخفية ،وفي كل دقيقة وجليلة، في العبادة والتفكير ،والحرب والتدبير ،والسياسة والدعوة ،والجرأة والحكمة، قال تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام (153) ،فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.
أيها المسلمون
ومما جاء في السنة المطهرة ويبين لنا اقتداء الصحابة وتأسيهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما جاء في صحيح مسلم (عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِىَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ « أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ ». فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ قَالَ عَائِشَةُ. فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا فَقَالَ مَا أَنَا بِقَارِبِهَا لأَنِّى نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلاَّ مُضِيًّا. – قَالَ – فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا. فَقَالَتْ أَحَكِيمٌ فَعَرَفَتْهُ. فَقَالَ نَعَمْ. فَقَالَتْ مَنْ مَعَكَ قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ مَنْ هِشَامٌ قَالَ ابْنُ عَامِرٍ فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ خَيْرًا – قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ. فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى. قَالَتْ فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآنَ. – قَالَ – فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلاَ أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قُلْتُ بَلَى. قَالَتْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. – قَالَ – قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّى تِسْعَ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ فِيهَا إِلاَّ فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلاَ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَىَّ فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَىَّ وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلاَ أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَلاَ صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ وَلاَ صَامَ شَهْرًا كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ. – قَالَ – فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسِ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا فَقَالَ صَدَقَتْ لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيْهَا لأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي بِهِ. – قَالَ – قُلْتُ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا) .
كما روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا ». فَانْطَلَقَ النَّاسُ لاَ يَلْوِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ – قَالَ أَبُو قَتَادَةَ – فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ – قَالَ – فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ – قَالَ – ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ – قَالَ – فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ – قَالَ – ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « مَنْ هَذَا ». قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ « مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّى ».قُلْتُ مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ « حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ». ثُمَّ قَالَ « هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ ». قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ – قَالَ – فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ « احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاَتَنَا ». فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ – قَالَ – فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ « ارْكَبُوا ». فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ – قَالَ – فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ – قَالَ – وَبَقِىَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ قَالَ لأَبِى قَتَادَةَ « احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ». ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ – قَالَ – وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَكِبْنَا مَعَهُ – قَالَ – فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاَتِنَا ثُمَّ قَالَ « أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ ». ثُمَّ قَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ». ثُمَّ قَالَ « مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَالَ النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا ». قَالَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِىَ كُلُّ شَيْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطِشْنَا. فَقَالَ « لاَ هُلْكَ عَلَيْكُمْ ». ثُمَّ قَالَ « أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي ». قَالَ وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحْسِنُوا الْمَلأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى ». قَالَ فَفَعَلُوا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِىَ غَيْرِى وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – قَالَ – ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « اشْرَبْ ». فَقُلْتُ لاَ أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّ سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ». قَالَ فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – قَالَ – فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ إِنِّي لأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ إِذْ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. قَالَ قُلْتُ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَالَ فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ فَقَالَ عِمْرَانُ لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( القدوة الحسنة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأسوة الحسنة) ، ما روي في الصحيحين :(عَنْ عُمَرَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ ، فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ ، وَلَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ) ، وروى مالك في الموطإ : (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ. فَقَالَ عُمَرُ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِى بِكُمُ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الإِحْرَامِ فَلاَ تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ ) . وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَعَا أَخَاهُ عُبَيْدَ اللَّهِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى طَعَامٍ قَالَ إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ إِنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَعَا بِحِلاَبٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَشَرِبَ . وَقَالَ يَحْيَى مَرَّةً أَهْلُ بَيْتٍ يُقْتَدَى بِكُمْ ). وفي الصحيحين : (جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ . قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ ، وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . قَالَ صَدَقْتَ ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ ، أَوْ ظَنِّي بِكَ) ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِى عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ الْعَامَ ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ . قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – هَدَايَاهُ ، وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ ، وَقَالَ « أُشْهِدُكُمْ أَنِّى أَوْجَبْتُ عُمْرَةً » . فَإِنْ خُلِّىَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلاَّ وَاحِدًا ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي . فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا ، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) ، وفي الصحيحين : (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ – قَالَ سَعِيدٌ – فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ لَهُ خَشِيتُ الْفَجْرَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوَةٌ فَقُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ. قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ ). وروى أحمد في مسنده : (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ أَتَى جَمْعاً فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْمَكَانِ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. قَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثُمَّ قَالَ الصَّلاَةَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا فَعَلَ بِنَا رَسُول ُاللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْمَكَانِ ) . وقال مجاهد- في قول الله تعالى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (74) الفرقان، قال: « أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدى بنا من بعدنا »، وقال ابن حجر: «كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم» ، وعن وهب بن منبه؛ قال: «كان جبار في بني إسرائيل يقتل الناس على أكل لحوم الخنازير، فلم يزل الأمر … حتى بلغ إلى عابد من عبادهم، قال: فشق ذلك على الناس، فقال له صاحب الشرطة: إني أذبح لك جديا، فإذا دعاك الجبار لتأكل فكل، فلما دعاه ليأكل أبى أن يأكل، قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال له صاحب الشرطة: ما منعك أن تأكل وقد أخبرتك أنه جدي قال: إني رجل منظور إلي، وإني كرهت أن يتأسى بي في معاصي، قال: فقتله»
الدعاء