خطبة عن حديث ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
سبتمبر 11, 2021خطبة عن ماذا يريد الله لعباده؟ : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ )
سبتمبر 18, 2021الخطبة الأولى ( القرآن الكريم : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) (13) ،(14) الطارق ،وقال الله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (114) ،(115) الأنعام
إخوة الإسلام
( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) ، إنه القرآن الكريم ، وكلام رب العالمين ، ومعجزة رسوله محمد الصادق الأمين ،( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ): أي قول : عدل ، وحق ، وصدق، وبين ، وواضح ، فالقرآن الكريم كتاب ضامن لتحقيق الفصل القاطع الذي لا يتبعه ريبٌ أو شك أو تردُّد. ( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ): فهو قول ليس ككُلِّ الأقوال؛ إنه رسالة الله سبحانه إلى عباده؛ وهو كفيل بأن يضع الإنسانَ في موقع الفاصل بين الحقِّ والباطل ، برؤية الحجَّة الدامغة المبهرة، والبيِّنة التي لا يبقى معها مجالٌ للجدال أو النقاش أو الشك أو الريب، فاتحًا بذلك المجال إلى التصديق والتسليم ، ودافعًا إلى الفصل اليقيني الحجي بين الإيمان والكُفْر، وبين الحقِّ والباطل ، وأمام كل سؤال يعرض ويبلغ إلى الإنسان. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) : يفصل بين الحق والباطل، وبين المؤمن والكافر، وبين المقاتلين المسلمين وأعدائهم، فإنه فصل يفصل وليس فيه هزل ولا فيه تهكم، هو ليس بالهزل بل إنه قول فصل، ولهذا قال: { وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } [الطارق:14] ، خلافاً للكفار الذين قالوا: { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [الأنفال:31]. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يفصل بين الخطإ والصواب، ويصل إلى مفاصل ومقاطع الأمور، وهذا القسم الرباني على القرآن: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق:13] ، فيه دليل على أن القرآن الكريم محتوٍ على لباب المعاني والأحكام والأصول والقواعد، التي يحتاج الناس إليها. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) : يحمل نبأ الماضي ، وحكم الحاضر ، وخبر المستقبل ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ، ولا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .
أيها المسلمون
و(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) : ف«القول» أحد أسماء القرآن الكريم ، وورد في كتاب الله تعالى سبع مرات منها ، قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (68)المؤمنون ،وفي قوله سبحانه: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (51) القصص ،وفي قوله عز وجل: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (18) الزمر ، وفي قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (40) الحاقة ،وفي قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (19) التكوير، وفي قوله تعالى :(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) (5) المزمل وفي قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) (13) الطارق ،وبعد أن جاءت هذه الآيات لتؤكد أن (القول) اسم من أسماء القرآن الكريم ، يقول ربنا تبارك وتعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (122) النساء ،وقد جاء في تفسير أصحاب «المنتخب» رضوان الله عليهم: هل جهل المغرضون فلم يتدبروا القرآن ، ليعلموا انه حق، ام كانت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم لهم غريبة عن الدعوات التي جاء بها الرسل الى الأقوام السابقين الذين أدركهم آباؤهم، ولقد أنزل الله القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض ، حسبما تقتضيه الحكمة، ومتتابعا ، وعدا ووعيدا ، وقصصا وعبرا ، ليتدبروا ، ويؤمنوا بما فيها.
أيها المسلمون
ويقول : (د. محمد داوود) عميد معهد معلمي القرآن الكريم بالقاهرة : القرآن فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، نبأ من قبلنا من الأمم السابقة ، والقرون الماضية فيه قصص الأنبياء والمرسلين ،والأمم والجماعات والاشخاص ، والحوادث والكائنات ، والمسيرة التاريخية للجماعات البشرية ما فيه عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وينطق بسنة الله التي لا تتخلف في إهلاك الضالين الظالمين، ونجاة المهتدين الراشدين وأن دنيا الناس على طول العصور والدهور لا تصلح بغير دين الله وان الانسانية اينما كانت لا تتحقق سعادتها المنشودة إلا اذا استضاءت بهدى الله ورسالاته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( القرآن الكريم : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والقرآن الكريم : فيه خبر ما بعدنا من أحوال اليوم الآخر ، وفيه حكم ما بيننا من المشاكل والمسائل التي نحتاج فيها الى بيان وارشاد من المسائل الاعتقادية والفكرية والاخلاقية والسلوكية والمعاملات المالية وفروع العبادات والاحكام الشرعية شخصية وغير شخصية، فما من حكم شرعي ديني أو قضية او مشكلة تلامس دنيا الناس وحياتهم، إلا وله في كل ذلك عرق ينبض، أو معين لا ينضب ،وله هدى وبيان وإرشاد إما بالنص أو الاستنباط ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) ،فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (174) ،(175) النساء ،وقال الله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (089) النحل ،وقال الله تعالى :(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة. لقد كان هذا القرآن العظيم مشعل هداية على طريق الانسانية اضاء لها، فأخرجها من الظلمات الى النور، وأخذ بأيديها الى الحق وصراط مستقيم، وكان نقطة تحول في تاريخها الطويل، وانتقل بها من حياة الإثم والفساد والضلال إلى حياة الخير والحق والرشاد، وأحدث في العالم كله من القيم والمفاهيم والمعايير ما صعد بالإنسانية من دركها الأسفل إلى أبهج صورها وأبهى كمالاتها. وكان القرآن الكريم ولايزال محورا للثقافة الاسلامية ،والحركات الفكرية ،وسائر النشاطات العقلية ،وقد حرضت آياته على النظر فيه والتأمل ، فقال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص ، ومن مقاصد القرآن بيان التوحيد ،والوعد والبشرى للمحسن ،والوعيد والانذار للكافر والمسيء ، وبيان العبادة ،وطريق السعادة في الدنيا والآخرة ، وقصص الذين أطاعوا الله سبحانه وتعالى ففازوا ، وقصص الذين عصوه فخابوا. ولأن القرآن الكريم ( هو قول الله، وهو كلام الله ) فسيظل معينا فياضا ، لا ينفد عطاؤه ، ولا يغيض فيضه ،على كثرة ما ينهل منه الناهلون، منذ أن نزل به الروح الأمين ،على قلب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإلى يوم الدين.
الدعاء