خطبة عن (وقفات مع الحاج)
يونيو 23, 2023خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023الخطبة الأولى ( القرآن الكريم منهاج حياة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (9) الإسراء ،وقال الله تعالى 🙁الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (1) إبراهيم ،وقال الله تعالى : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ) (155) : (157) الانعام
إخوة الإسلام
القرآن العظيم هو منهاج حياة: فقد جاء ليبيِّن للبشريَّة طريقَ نجاحها، ويرسم لها خُطَطَ رقيِّها وتقدُّمها، فالحياة الحقيقية هي التي تسير وفق منهج القرآن، وبغير منهجه فليس ثمة حياة ، وإن رآها الناس كذلك، قال الله تعالى: “أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأنعام:122) ، فالقرآن هو الحياة لو عقل الناس، ولا حياة في غير القرآن ، وكيف لا يكون ذلك وهو الروح ، فهل هناك حياة بغير روح ، قال الله تعالى: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا” (الشورى: 52). ، فالقرآن روح ، ومتى سلبت الروح ذهبت الحياة.
القرآن العظيم هو منهاج حياة: فقد جاء مستوعباً لكلَّ أشكال المجتمع البشري ،واضعاً لها المنهج الأكمل؛ كي تعيش منسجمة مع نفسها ومع الآخرين، فحدَّد علاقات الأفراد بربِّهم سبحانه وتعالى، وحدَّد علاقاتهم بالأسرة ،وبالمجتمع الذي يعيشون فيه، كما حدَّد علاقات الدُّول بعضها ببعض، كل ذلك بنظرة شموليَّة، وقواعدَ كليَّة ،صالحة لكلِّ زمانٍ ومكان.
القرآن العظيم هو منهاج حياة: فهو لا يقف عند حدِّ الاعتقاد الصحيح ،وتوحيد الخالق جلَّ جلالُه ،بل جاء لتهذيب السُّلوك، وتربية العقل والوجدان، وتصحيح المعاملات، وتطبيق قواعد العدل ، واشتمل على العبادات والعقائد والتَّكاليف وأصول الأحكام، والمعاملات، وعلاقات الأمم والشعوب، في السِّلم والحرب، وسياسة الحُكم، وإقامة العدل، والعدالة الاجتماعية، والتَّضامن الاجتماعي، وكل ما يتصل ببناء المجتمع، ورسم شخصية المسلم الكامل خُلُقاً وأدباً وعلماً ، فالقرآن الكريم تبيانٌ وبيان تامٌّ لكلِّ ما يَحتاجه الإنسان في مسيرته في الحياة الدُّنيا؛ لذلك أمرنا الله ورسوله بالتمسك به ،فقد روى الإمام مسلمٌ في “صحيحه” عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – خطب، فحَمِد الله وأثنى عليه ثم قَالَ « أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ )، وفي مسند البزار : (عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ ، أَضَلَّهُ اللَّهُ ، هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ ، وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي ، لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ ، أَنْ قَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ ، هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). ،وروى البزار في مسنده (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْجُحْفَةِ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا ، فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرْفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَهْلِكُوا وَلَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا).
أيها المسلمون
والقرآن منهج حياة متكامل ، وهو صالح لكل زمان ومكان ، فهو نظام داخلي للحكم ، يتحقق به قول الله تبارك وتعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (المائدة:49) . ، وفيه نظام للعلاقات الدولية ، فيتحقق به قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) . ، وفي القرآن نظام عملي للقضاء ، يستمد من الآية الكريمة : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65). ، وفي القرآن نظام للدفاع والجندية ،يحقق مرمى النفير العام قال تعالى : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة:41) .، وفي القرآن نظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد ،أساسه قول الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5) . ،وفي القرآن نظام للثقافة والتعليم يقضي على الجهالة والظلام , ,ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1) . ،وفي القرآن نظام للأسرة والبيت ،ينشئ الصبي المسلم ،والفتاة المسلمة ،والرجل المسلم ،ويحقق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6) . ، وفي القرآن نظام للفرد في سلوكه الخاص ،يحقق الفلاح المقصود ، بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس:9) .،وهو يهيمن على كل فرد في الأمة ، من حاكم أو محكوم ، قوامه قول الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ) (القصص:77)
وفي السِّياسة : دعا القرآن العظيم إلى الشُّورى، في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. ، ودعا كذلك إلى احترام حقوق الإنسان، والتَّزود بكل أسباب القوة ، وفي النِّظام الأَخلاقي دعا إلى خُلوص النِّية، والتَّمسك بقيم الخير والحقِّ، والتزام الآداب الفردية والجماعية، التي تسير بالإنسانية إلى الكمال والتَّقدم ،وفي النِّظام الاجتماعي دعا إلى الأسرة المتماسكة، القائمة على ركائز المودَّة والرَّحمة، والإخلاص، والاحترام، والتعاون، والتَّعارف، وقيام كل راعٍ بمسؤوليته ،وفي النِّظام الاقتصادي دعا إلى تبادل المنافع، واتِّخاذ المال وسيلةً لا غاية، واحترام الملكية الفردية.
أيها المسلمون
هكذا يتكامل المنهج الرَّباني الذي وضَعَه الله سبحانه وتعالى؛ لِتنتظمَ حركةُ الحياة في الكون وفي الأمم, وقد وضَعَه ربُّنا سبحانه وتعالى قبل أن يخلق الإنسان, مصداقُ ذلك قوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ} [الرحمن: 1-3], كأنَّ اللهَ تعالى لمَّا أراد أن يخلق الإنسان؛ ضَمِنَ له المنهجَ القويمَ الذي يُصلح له الحياة, ويُحقِّق له الاستقرار, ولم يترك الإنسان هَمَلاً في هذه الدنيا وحيداً دون مُرشِدٍ أو قائدٍ, وهذه – بحقٍّ – نعمةٌ عُظمى ومِنَّةٌ كبرى تستوجب على أُولي الألباب الشُّكر للهِ سبحانه وتعالى.
فكيف لا يكون القرآن منهاج حياة ، وفيه كل ما يطلبه العباد في معاشهم ، وما يسعدهم في معادهم، ففيه شفاء الأمراض ،وتصحيح العقيدة ،وتقويم الفكر ،وتهذيب السلوك، فيه بيان حق الوالد على ولده ،وحق الولد على والده ،وحق الحاكم على المحكومين ،وحق المحكومين على الحاكم ، وفيه بيان حق الفرد على المجتمع ،وحق المجتمع على الأفراد ، وفيه بيان حق الزوجة على زوجها ، وحق الزوج على زوجته ،وفيه بيان حق الأخ على أخيه ،وحق أولى القربى ،وحق الجار على جاره، وفوق ذلك كله ،فيه بيان حق الله على عباده،
أيها المسلمون
ولقد أنزل الله كتابه الكريم على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) من أجل غاية عظمى ، وهدف أسمى ، ألا وهو إصلاح الدنيا ،وتحقيق سعادة الآخرة، قال الله تعالى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً” (الكهف:1،2)، قال القرطبي: “أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض”، وقد فصل الله تعالى فيه كل ما يحتاجه العباد ،قال الله تعالى:” وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً” (الإسراء: 12)، كما أنزل الله تعالى الكتب السابقة على أنبيائه لهذا الهدف ،وتلكم الغاية، أنزلها ليحي العباد على هديها ، قال الله تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” (الحديد: 25)، وقال الله تعالى :”وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ” (المائدة:46)، وقال الله تعالى: “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ” (البقرة: 213) . ، كما بين الله سبحانه وتعالى أن السابقين لو أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم ، لسعدوا في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى :”وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ”(المائدة:66)، وقال الله تعالى في شأن هذه الأمة: “وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً” (النساء 66: 68)، فالحياة الحقيقية إنما تكمن في تطبيق ما أنزل الله تعالى على رسله، والقيام بما أوجب الله فيها من الواجبات واجتناب ما نهى الله عنه فيها من المحرمات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( القرآن منهاج حياة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن القرآن الكريم هو ربيع المؤمن ، كما أن الغيث ربيع الأرض، فلو تمسكت الأمة بالقرآن حقا، لوهبها الله تعالي العزة والسيادة والريادة والسعادة والهداية ، ومنحها الخير العظيم كله ، فقد قال الله تعالي : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ) (123) :(126) طه. ، وقد صنع القرآن رجالا أبطالا ،قادوا الدنيا وأسعدوها بالقرآن، مثل عمر ،وسعد ،وخالد ،وأبو عبيدة، وغيرهم الكثير، فهؤلاء قرأوا القرآن ،فارتفعوا إلي مستوي القرآن ، أما نحن – المسلمين في هذا الزمان- فقد قرأنا القرآن ، ولم نفقه أو نعي القرآن ، ولذا فجذبنا نحن القرآن إلي مستوانا ، وهذا ظلم كبير للقرآن ، فالقرآن كتاب يصنع النفوس، ويصنع الأمم ،ويبني الحضارات، هذه قدرته ،وهذه طاقته، فأما أن يُفتح المصباح فلا يَري أحد النور لأن الأبصار مغلقة فالعيب عيب الأبصار التي أبت أن تنتفع بالنور، والله تعالي يقول: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) المائدة (15)، (16).
أيها المسلمون
أما عن العمل بالقرآن الكريم والدعوة إليه، فهذا صلب الأمر، ولا منزلة لقارئ لا يعمل بما يقرأ، بل يخالفه، بل كل ما ورد من فضل لقراء القرآن وتوقير لهم إنما قصد به قرّاؤه العاملون به، فمن الواجب على المسلم نحو القرآن العمل به، أي بأوامره ونواهيه، ففي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: (وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». فهو يكون حجة عليك عندما تقرؤه فلا يتجاوز آذانك ،ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرّفاتك، فليحذر من يلعن نفسه بقراءة القرآن ،وليحذر من يقرأ القرآن وهو يتأوله على غير معناه ،ويعمل به على خلاف السنة.. أخرج مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِى يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ». . ويقول أنس بن مالك: (رب تال للقرآن والقرآن يلعنه ) ، وكان الفضيل رحمه الله يقول: “إنما نزل القرآن ليُعمل به ،فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه”. ، ويلحق بالعمل بالقرآن : التحاكم إلي القرآن الكريم في كل أمورنا ،قال الله تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (65) النساء ، كما يجب علينا توقيره وتعظيمه وصيانته عن الامتهان ،وتوقير أهله العاملين به .
الدعاء