خطبة عن (الْجَنَّةُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاء .وَالنَّارُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاء)
مارس 12, 2022خطبة عن حديث (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ)
مارس 12, 2022الخطبة الأولى ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصلت(41)، (42)
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم . القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ،القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك
وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصلت(41)، (42) ،ففي هذه الآيات الكريمة ، وصف الله – تبارك، وتعالى – كتابه الكريم بأوصاف عظيمة جليلة ، حق على المؤمن أن يتأملها، وأن يتدبرها، وأن يتبصر في معانيها، فقول الله تبارك وتعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) فقد وُصف الكتاب بالعزة، والعزة تدل على معان مجتمعة؛ كالشدة، والقوة، والغلبة، والرفعة، والامتناع، فلا يكون الشيء عزيزاً إلا أن تجتمع فيه هذه الأوصاف، فمن معنى الغلبة الذي يتحقق في هذا القرآن أنه غالب، ناسخ لسائر الكتب، والشرائع؛ فهو الذي يغلب، ولا يُغلب، وكذلك حُجج القرآن، فهذا القرآن بصحة معانيه ممتنع من الطعن فيه، والإزراء عليه، وهو محفوظ من الله – تبارك، وتعالى – وهو نفيس؛ فأولئك الذين حاولوا أن يحاكوا القرآن، وأن يجاروه، وأن يؤلفوا كلاماً يضاهون به كلام الله – تبارك، وتعالى – صار ذلك سبّة عليهم على مدى الأيام، والليالي، وصار ذلك مبعثاً لضحك العقلاء منهم، ومن جرأتهم، وسفسطتهم. كما وصفه الله تعالى : (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) يقول القرطبي : أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ، ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه ، وفي الوسيط لطنطاوي :أي : لا يستطيع الباطل أن يتطرق إليه من أي جهة من الجهات ، لا من جهة لفظه ولا من جهة معناه لأن الله – تعالى – تكفل بحفظه وصيانته ، قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟ ، قلت : بلى ، ولكن الله قد تكفل بحمايته عن تعلق الباطل به ، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم ، وإفساد أقاويلهم . فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ، ولا قول مبطل إلا مضمحلا . كما وصفه الله تعالى : ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾؛ أي: القرآن تنزيل من عند ذي حكمة في أقواله وأفعاله، وتدبير خلقه، محمود على صفات كماله ونعمه الدينية والدنيوية على عباده؛
أيها المسلمون
فالقرآن الكريم كتاب عزيز، له مجد وعزة وكرامة، يعامل ويواجه بالعظمة والسيادة، وليس بإمكان من كان أن ينقد حتى جزئيات مضامينه وآياته وقصصه، أو أن يعثر في طياته على موضوع يخالف التأريخ والاكتشافات ونتائج الحفريات الأثرية، أو يناقض العقل أو القواعد الرياضية والنجوم وغيرها. ولا يأتيه الباطل من خلفه أي من زمن نزوله إلى يوم القيامة، فأي بشر أراد أن يرد ميدان المواجهة معه، في أي علم أو أي تجربة، فلا مناص له من التسليم بمقام عز القرآن، لأن أساسه متين ومحكم لا يتغير، على أساس من الثبات والاستقرار، وعلومه لا تستند الى الحس والخيال لتزول بزوال الحس والخيال. فعزة القرآن لأنه كلام الخالق، فهو لا يتراجع ولا يهتز أمام المنطق والفرضيات التي تواجهه، بل هو ثابت راسخ، قائم بنفسه، دائم على مر الدهور، مضيء كالمصباح المنير في غياهب الجهل، وكالشمس التي تستوعب العالم وتنيره بأشعتها وضيائها، وهو معنى عدم اتيان الباطل مِن بينِ يديه ولا من خلفه. وليس من منهج القرآن تخويف الناس باستمرار، فيدفعهم ذلك الى حافة القنوط، أو ترغيبهم حتى يصلوا إلى حافة التمادي والطغيان. فيقول الله سبحانه وتعالى : (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) (43) ،(44) فصلت ،وهو كتاب للمؤمنين الذين فتحوا بصائر قلوبهم، وكتاب هداية وإرشاد للغاية القصوى المنشودة، وللوصول الى أعلى درجات الإنسانية ، ونيل مقام التوحيد، وشفاء للأمراض العضال المتراكمة ، أما الذين لم يؤمنوا به ، فقد صمت أسماعهم ، وعميت قلوبهم وبصائرهم، فلم يعد يمكنهم سماع آيات الله أو مشاهدتها. فالإنسان غني بمعية القرآن لأنه حق، ومعلم العلوم الحقيقية ،وهو بدونه فقير، ويبقى فقيراً ، وإن طالع جميع كتب مكتبات الدنيا، لأنه قد حاد عن العلوم الحقيقية والوجدانية، وارتمى بين العلوم التخيلية. والقرآن كتاب عميق له درجات ومراتب، يتزود منه الجميع كل بقدر فهمه، ويمتلك في الوقت نفسه ظاهرا واضحاً قابلا لإدراك عامة الناس، وباطنا ذا منازل ودرجات، فكل يمضي فيه الى درجة ومنزلة ما لا يعدوها الى غيرها من منازل القرآن، ولا يفهم معانيه العميقة وبواطنه، مضافاً على ما يتطلبه فهم باطن القرآن وحقيقته من التزكية والطهارة ، فحقيقة القرآن وعمقه وباطنه ليست مما ينال بالمطالعة والقراءة فقط ، وعلى من ينشد الوصول الى حقيقة القرآن ومعانيه العميقة ، وأسراره الباطنة ، أن يصل أولاً إلى حقيقة الطهارة المطلقة، وذلك بمتابعته ،والسير على نهجه وخطّه، ويعبر عالم النفس الأمارة ، ويصل إلى مقام التوحيد المطلق ، ويكفي في عظمة القرآن وكليته أن يستدل به المستدلون في كل عصر وزمان لإثبات ادعاءاتهم ويوردونه شاهداً على صدق أقوالهم، مع تباين واختلاف كل تلك الادعاءات والمواضيع والمقاصد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ قال ابن مسعود : (كلُّ آية في كتاب الله خيرٌ مما في السماء والأرض) .. مِن عزة هذا القرآن أنه يُعرض عمن أعرض عنه ، ولا يُقبل إلا على من أقبل عليه. . فأعطه أعز أوقاتك ، ليعطك أعز ما فيه.. لذا فقد يصعب علينا فهم القرآن ، لأننا نعطيه (فضلَ) أوقاتنا ، لا (أفضلَ) أوقاتنا .. فهو كتاب عزيز .. لا يعطيك إلا حين تعطيه أعز أوقاتك .. ولا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك .. ومن رام أمرا عظيما ضحى بعظيم . وهو كتاب عزيز ، كريم على الله ، جامع لأوصاف الكمال ، غالب بالحجة لمن كذب به ، وغالب بالفضل لما سواه من الكتب ، وبقدر حظك من القرآن يكون حظك من العزة؛ وهو الكتاب المعجز الذى لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتونا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا, ولغته تختلف عن لغتنا التي نكتب بها أو نتكلم بها في أنها محكمة لا خطأ فيها ولا نقص ولا زيادة… وقد كثر الكلام عن الآيات الكونية التي تتحدث عن النجوم ومسارتها، والأرض وخلقها والحياة وبدايتها.. وكيف جاءت العلوم الحديثة بالجديد المبهر من الحقائق خلال مئات السنين التي أعقبت التنزيل القرآني ,فلم تخرق حرفا قرآنيا واحداً, ولم تنقض آية, بل توافقت جميعا مع كلام القرآن وزادته توكيدا. كما جاء القرآن في نظم الحكم وفى الأخلاق وفى الاقتصاد وفى حقوق الأنسان والمعاملة مع الناس ومجاهدة النفس, وفى الأسرة والزواج والمرأة, والشرائع بالكلمة النهائية الجامعة.
الدعاء