خطبة عن ( كن إيجابيا ) مختصرة
أكتوبر 21, 2017خطبة عن ( الإيمان بالقضاء والقدر )
أكتوبر 21, 2017الخطبة الأولى ( فوائد الإيمان بالقضاء والقدر)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (22)، (23) الحديد
إخوة الإسلام
ونواصل حديثنا عن الإيمان بالقضاء والقدر وفوائده وثمراته : فمن فوائد وثمرات الإيمان بالقضاء والقدر : الشجاعة والإقدام، فالذي يؤمن بالقضاء والقدر ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأجل مقدر لا يزيد فيه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، لا يهاب الموت، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ﴾ [آل عمران: 145]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون ﴾ [الأعراف: 34]. وقال الشافعي: وَمَنْ نَزَلَتَ بِسَاحَتِهِ المنَايَا فَلا أَرضُ تَقِيهِ وَلا سَماءُ سابعًا: من فوائد وثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: عدم الندم على ما فات، والتحسر على الماضي، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ” ، ثامنًا: من فوائد وثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أن الخيرة فيما اختاره الله، فقد يقدر على المؤمن مصيبة فيحزن ولا يدري كم من المصالح العظيمة التي تحصل له بسببها وكم صُرف عنه من شرور، والعكس كذلك، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ﴾ البقرة: 216 وقَالَ ابنُ عَونٍ: ( ارْضَ بِقَضَاءِ اللهِ مِن عُسْرٍ وَيُسْرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِهَمِّكَ، وَأَبلَغُ فِيمَا تَطلُبُ مِن أَمرِ آخِرَتِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ العَبدَ لَن يُصِيبَ حَقِيقَةَ الرِّضَا، حَتَّى يَكُونَ رِضَاهُ عِندَ الفَقرِ وَالبَلَاءِ، كَرِضَاهُ عِندَ الغِنَى وَالرَّخَاءِ؛ كَيفَ تَستَقضِي اللهَ فِي أَمرِكَ، ثُمَّ تَسخَطُ إِنْ رَأَيتَ قَضَاءً مُخَالِفًا لِهَوَاكَ؟! وَلَعَلَّ مَا هَوَيْتَ مِن ذَلِكَ، لَو وُفِّقَ لَكَ لَكَانَ فِيهِ هَلَاكُكَ، وَتَرضَى قَضَاءَهُ إِذَا وَافَقَ هَوَاكَ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلْمِكَ بِالغَيبِ؟! إِذَا كُنتَ كَذَلِكَ، مَا أَنْصَفْتَ مِن نَفسِكَ، وَلَا أَصَبْتَ بَابَ الرِّضَا. قَالَ ابنُ رَجَبٍ: وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ ). تاسعًا: من فوائد وثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: النجاة من النار، روى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي اللهُ عنه: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: “لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ” . عاشرًا: من فوائد وثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: ذهاب الهم والغم والحزن. الحادي عشر: من الإيمان بالقدر: الإيمان بكتابة المقادير قبل إيجادها، فإذا وُجِدت تبين مدى الإيمان بذلك، فَقَوِيُّ الإيمان لا يفرح بما أُوتي، ولا يحزن على ما فات، وعكسه بعكسه بهذا المعنى، وردت الآية الكريمة: ﴿ لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فوائد الإيمان بالقضاء والقدر)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على بعض ثمرات وفوائد الإيمان بالقضاء والقدر ، فلا بد للمؤمن أن يكون راضيا بقضاء الله وقدره ، ومعنى الرضا بالقضاء: (هو التسليم وسكون القلب وطمأنينته وأن قضاءه سبحانه وتعالى كله عدل وخير وحكمه ) ، فالرضا بالقضاء والقدر باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر؛ ملأ الله صدره غنىً وأمناً، وفرَّغ قلبه لمحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، ومن فاته حظُّه من الرضا امتلأ قلبه بضدِ ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه. ولقد خلق الله الحياة الدنيا مشتملة على أضداد متباينة، ففيها ، فرح وحزن، غنى وفقر، صحة ومرض ، جوع وشبع ، ضحك وبكاء ، سعادة وشقاء ، اجتماع وافترق، حياة وموت، … تلك الأحوال التي لا يخلو منها إنسان على وجه الأرض، والناس حيال هذا التنوع على صنفين: صنف: شاكر صبور، وصنف: يؤوس كفور، يرضى ساعة ويسخط أخرى، بينما الصنف الأول راضٍ عن ربه في كل قدر ينزل به، وسرُّ هذا الرضا؛ إيمانه المطلق بأن الله قدَّر عنده كل شيء، وأن تقدير الله جارٍ وفق حكمةٍ بالغة، وسنةٍ عادلة، فهو ساكن القلب، مطمئن الفؤاد. ولا يمكن للعبد الوصول إلى غاية الرضا بالقدر إلا بتحقيق مقدمتين: المقدمة الأولى: اعتقاد أن الله بيده مقاليد الأمور، وأن حكمه نافذ، ونواصي العباد في قبضته، وهذا جزء من توحيد الله في ربوبيته. المقدمة الثانية: اعتقاد العبد أن أقدار الله كلَّها عدلٌ، لا ظلم فيها ولا حَيْف، وهاتان المقدمتان منتظِمتان في حديث النبي (اللهم إني عبدك ابنُ عبدك ابنِ أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عَدْلٌ فيَّ قضاؤك) (رواه بن حبان في صحيحه). فقوله: (ناصيتي بيدك، ماض في حكمك) دليل المقدمة الأولى، وقوله: (عدْل فيَّ قضاؤك) دليل المقدمة الثانية. وهما مأخوذتان كذلك من قول النبي في جزء من الدعاء الآخر: (له الملك وله الحمد) (متفق عليه). فالْمُلْك متضمن نفاذَ أحكامه في عباده، والحمد أوجبه عدالةُ أقدارِه. فإذا سُقِي وادي الإيمان بهاتين السحابتين، أنبت زرع الرضا يانعةً أغصانُه، مُبْهِجةً ثمارُه، خاليةً من أشواك التسخُّط، سالمةً من جوائح الكفران. فعندها سيكون العبد على يقينٍ أنَّ الله لم يقدِّر له إلا الأصلحَ له، فما منعه إلا ليعطيَه، ولا ابتلاه إلا ليعافيَه، ولا أمرضه إلا ليشفيَه، ولا أماته إلا ليحييَه. ولنا مع الرضا بالقضاء والقدر لقاء إن شاء الله
الدعاء