خطبة عن ( الكبر حرام في الاسلام )
فبراير 18, 2016خطبة عن (الكبر : صوره وعلاجه)
فبراير 18, 2016الخطبة الأولى ( أقسام الكبر وصوره )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح مسلم ( حدث إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِمَالِهِ فَقَالَ « كُلْ بِيَمِينِكَ ». قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ « لاَ اسْتَطَعْتَ ». مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ. قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ).
إخوة الإسلام
أخطر أنواع الكبر من يتكبر على شريعة الله ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل بشماله فقال له كل بيمينك فقال لا أستطيع، فقال له صلى الله عليه وسلم لا استطعت ما منعه إلا الكبر فشلت يمين الرجل ، عقوبة من العزيز الجبار، وقد قسم العلماء الكبر إلى ثلاثة أقسام: التكبُّر على الله، 2- التكبُّر على الرُّسل ،3- التكبُّر على الناس من غير المرسلين. فالتكبُّر على الله: هو أفحش أنواع التكبُّر، وسببُه الجهلُ الْمَحض، مع تشبُّع النفْس بالطُّغيان، خصوصًا إذا الْتَفَّ حول المتكبِّر صُحْبة مُنْحَطَّةُ الأخلاق، تُسَوِّل له الانتفاخَ والتكبُّرَ على الله، وعلى رُسله، وعلى عباد الله؛ حتى تنالَ من ورائه مَغانِمَها، وتتسلَّق على حسابه قمَّةَ المناصب؛ مُتَسَلِّطة ومُتَجَبِّرة، وظالمة ومُفْسِدة، وهذا واضِحٌ في الْحُكَّام والأغنياء، وذَوي المكانة والمناصب، إلاَّ ما رَحِم الله ،فمن أمثلة التكبُّر على الله قولُ فرعون: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]. وقول النمرود لإبراهيم – عليه السلام -:﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]. وقول كفار قريش حين أُمِروا بالسجود: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60] ، ومن أمثلة التكبُّر على الرُّسل قولُ فرعون ومَن معه: ﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 47]، وقول كُفَّار العرب في شأْنِ الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 21]. وقالوا: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]. ويَعنون بذلك أنه: لو كان الله اختارَ رسولاً، فلماذا لَم يجعلْه واحدًا عظيمًا غنيًّا من مكةَ، كالوليد بن الْمُغيرة، أو من الطائف، كعروة بن مسعود الثقفي ، وأما أمثلة التكبُّر على الناس، فقد مرَّ ذِكْرُ الكثير منها، ومما جاء في القرآن منها قولُ إبليس في آدمَ – عليه السلام -:﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]. وأنواع التكبُّر ومظاهر الكِبْر وآثاره في الناس كثيرةٌ، لا يُمكن إحصاؤها، وهي تَختلف من فردٍ لآخَرَ، ومن بيئة لأخرى، ومِن عصْرٍ لعصر، وهكذا. فالولد الذي يأْنَفُ أن يسمعَ لأبيه ويَخضع له – لأنه تعلَّم أكثرَ من أبيه – هو إنسانٌ عاقٌّ؛ بسبب التكبُّر على والده، ومأْواه النارُ، إلاَّ أن يَعْفُوَ عنه أبوه، ويَغْفِر له. والمرأة التي تَأْنَفُ أن تَخضع لزوجها وتُطيعه وتَلين له – لأنها موظَّفة مِثْله، أو لأنها غنيَّة بمالها أو بجمالها – تُعتبر مُتَكَبِّرة على زوجها وعاصية له، ومُحَرَّمٌ عليها أنْ تدخُلَ الجنة؛ حتى تُعَذَّبَ في جهنَّمَ، أو يُسامِحَها زوجُها، أو يتفضَّل عليها ويَغفر لها. والطالب الذي يتعالَى على أُستاذه – لغِناه أو مَنصب أبيه – هو مُتَكَبِّر، دَنِيء النفْس. والرئيس الذي يَنظر إلى مَرْؤوسِيه نظرةَ احْتقارٍ، ويُعاملهم كعبيد – هو إنسانٌ مُتكبِّر لا يُساوي عند الله حشرةً بَغيضة. والعالِم الذي ينتظرُ مِن الناس أن يَنْحَنُوا له، ويُقَبِّلوا يَدَيه، ويَحملوا حِذَاءَه – هو عالِمٌ رَكِبه الكِبْرُ، فصارَ أجْهلُ الناسِ خيرًا منه. والمدير الذي يركب رأْسه مُتَّجِهًا في عمله إلى الأخطاء الضارَّة بالأمة، وإذا نُصِح أعْرَض وسَخِط على مَن نَصَحه – هو إنسانٌ دَمَّر الكِبرُ جانبَ الخير فيه؛ حتى صارَ لا يَستحقُّ الوَرق الذي عليه اسمه. والذي يُوعَظُ فتأخذُه العِزَّة، أو يَمرُّ على الناس فيغضب لأنهم لَم يقوموا له، أو يدخل مكانًا عامًّا فيأْنَف منه؛ لأن الموجودين ليسوا على شاكِلَته، أو يأمر أمْرًا فيَكيل الشتائِمَ للمأمورين ؛ لأنهم لَم يُسْرعوا في تنفيذ أمره، كلُّ هؤلاء متكبرون، محرومون من أبرز صفات المؤمنين، وهي التواضُع.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أقسام الكبر وأنواعه وصوره )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد أيها المسلمون
ومعلومٌ أنَّ الكِبْر على الله كُفرٌ، والكبر على رُسل الله كُفرٌ، والكِبر على عباد الله كفْرٌ إنْ أدَّى إلى رفْض ما جاء عن الله، أو عن رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – من العِلْم والدِّين، والأوامر والنواهي والإرشادات، وإنْ لَم يؤدِّ إلى ذلك، وكان مجرَّد تَكَبُّر على الناس لا يعدوهم، فإنَّ هذا التكبُّر مُحَرَّمٌ، يستحق صاحبُه بسببه عذابَ الله، كما سبَق في الأحاديث. وكثيرٌ من الناس ضحايا للمتكبرين عليهم، المحتقرين لهم، والناظرين لهم بازدراءٍ واستخفاف، فالفقراء ضحايا صَلَفِ الأغنياء، والضُّعفاء ضحايا استبدادِ الحُكَّام والرؤساء، ومَن لا يعلمون ضحايا تَكَبُّر وغُرور العُلَماء، واليتامَى ضحايا أَنَفة الأوْصياء، والنساء ضحايا غَطْرَسة واستهتار الرجال الأقوياء، والشعوب ضحايا المتألِّهين وأنصاف الآلهة، ممن نفخَتْهم عَظَمةُ الْحُكم؛ حتى بذَروا في أرض بلادهم كلَّ أسباب الشقاء. ولقد كان الأجدر بالغَني أن يَعتبِرَ بقصص المستكبرين من أمثاله، وينظر ماذا فعَل الله بهم؛ فقد كان قارون غنيًّا لدرجة أنَّ الله قال فيه: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]. ولكنَّه لَمَّا طغَى وتكبَّر وأعْرَضَ عن المؤمنين – تطاولاً وتجبُّرًا – حدَثَ له ما ذَكَره الله – تبارك وتعالى – في قوله: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81]. ونواصل الحديث عن الكبر في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء