خطبة عن (وقفات مع الحاج)
يونيو 23, 2023خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023الخطبة الأولى ( لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه : (عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ،والذي يحذرنا فيه رسوله الله صلى الله عليه وسلم من الكبر ،وما يترتب عليه ،ويحثنا على التواضع ،ولين الجانب ،فقوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ)؛ أي: لا يزالُ الرجلُ يرفَعُ نفسَه ،ويَعْتَدُّ بها ،ويَظُنُّها مُتَفَرِّدَةً مُرْتَفِعَةً على الغير، عاليةَ القَدْرِ فوقَ النَّاس ،فَيَحْتَقِرَهُم لِزَعْمِهِ أنَّ نفسَه لا يماثِلُها أَحَدٌ ،ولا يَشْبَهُها أَحَدٌ، ولا يُدانيها في قَدْرِها ورُتْبَتِها أَحَدٌ. ، قال ابنُ علان في دليل الفالحين: قال العاقولي: الباءُ فيه لِلتَّعْدِيَة، أو هي للمُصاحبة والمعنى؛ (أنَّه يُرافِقُها ويوافِقُها على ما تريدُ من الاستعلاء ، ويُعزِّزُها ويُكَرِّمُها كما يُكَرِّمُ الخليلُ الخليلَ ، حتى تَصيرَ مُتَكَبِّرةً. وقوله صلى الله عليه وسلم 🙁حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ)؛ أي: في جُملتِهم ، فيُحشَرُ معهم ، لأنَّه صارَ مِثلَهم ،فهو منهم ومعهم ،إلى أنْ يُبْعَثَ كما يَبْعَثُون وكما الإشارة في قولِه صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم: (يُبْعَثُ كلُّ عَبْدٍ على ما ماتَ عليه) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ )؛ أي مِنَ العذابِ الْمَكْتُوب عليهم في جهنَّمَ، وقد صوَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قولِه الذي أخرجه الترمذي بسند صحيح: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرون يومَ القيامة أمثالَ الذرِّ (النمل) في صورِ الرجال يَغْشاهم الذُّلُّ مِنْ كلِّ مكان، فيُساقون إلى سِجْنٍ في جهنَّم يُسَمَّى بُولِسَ تَعْلُوهُم نارُ الأَنْيارِ يُسْقَوْن مِنْ عُصارةِ أهلِ النارِ طينةِ الخَبال) وهي سائلُ القَيْحِ والصديد مِنْ أبدانِهم ،
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذرنا في أحاديث عديدة من أن يعجب الانسان بنفسه، فلا يزال المرء يترفع في نفسه ويتعاظم ، حتى يكتب عند الله تعالى من الجبارين، فيصيبه ما أصابهم، والمقصود بالجبار هو الذي يقهر غيره بغير حق، ويعلو على الناس بغير حق، والجبارون لو لم يكن من عقوبتهم إلا قول الله تبارك وتعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) غافر (35)؛ لكان هذا عظيماً، فالجبار يُطبع على قلبه ،حتى لا يصل إليه الخير، ولا ينتهي عن الشر، وإن كان هذا الحديث الذي بين أيدنا هناك من علماء الحديث من ضعفه، ولكن المعنى الذي دل عليه وهو تحريم الكبر ،والتعالي على الناس ،والوعيد على ذلك موجود في نصوص كثيرة، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » ، فيحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب الرجل بنفسه ، ويسلك طريق المتكبرين ، ويستمر في طلب العلو، والرفعة، والمنزلة، والحظوة في قلوب الخلق، والترفع في الأرض ،وما أشبه ذلك، فقوله صلى الله عليه وسلم (يذهب بنفسه) فيه بيان على أنه مستمر على طلب العلو والرفعة في الأرض، فهو دائماً يطلب ذلك، والله تعالى يقول:( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ) [القصص:83]،
ولابد ن نفرق بين علو الهمة ،حيث يطلب الإنسان معالي الأمور دائماً، وبين طلب العلو والتكبر، وللأسف صار الناس في كثير من الأحيان في تربيتهم وفي ممارساتهم إذا نظرت إلى ما يصدر عن الكثيرين ،فإنه يدخل في طلب العلو، يبحث عن الولايات والمناصب، والرفعة من أجل أن يحصّل رئاسة، فيكون ذلك مقصوداً لذاته عند الكثيرين، ويعتبر أن هذه حظوة، وأنها من المكاسب العظيمة التي يجب أن يسعى لها، وأن يحافظ عليها إذا حصلت له، فيرى أن ذلك من قبيل التشريف، والحظ السعيد الذي يحصل له، ولم يدر أن هذه الأمور إذا حصلها فهي زيادة في الأمانة والمسئولية، وأن الله يسأله عن ذلك كله ،فيعظم حسابه، وينبغي أن يكثر عمله وجده وسعيه في القيام بما يجب عليه.
أما التّكبّر : فهو ازدراء المرء للآخرين ، والنّيل منهم ، وذلك بسبب إعجابه بنفسه ، بالنّظر إليها بعين الكمال والفخر بما لديها من علم، أو صلاح صوريّ، أو مال أو جاه أو غير ذلك، ومن الكبر والتكبر : التكبّر على الله بعدم الإيمان به، والوقوف عند أوامره ونواهيه، فهو كفر، ومن الأحاديث في ذم الكبر والتكبر ، والحث على التواضع ولين الجانب ، ما رواه أبو داود وغيره: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – قَالَ هَنَّادٌ – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ».، وفي صحيح مسلم عن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ». عَنْ أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أَنّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”.[رواه مسلم] ، وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضاعِفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. ألا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ”. [رواه البخاري] ، وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “احتجَّتِ الجنَّةُ والنارُ فقالتِ النارُ فِيَّ الجبَّارونَ والمتكبرونَ وقالتِ الجنَّةُ فِيَّ ضعفاءُ الناسِ ومساكينُهم ، فقَضَى اللهُ بينهُما إِنَّكِ الجنةُ رحمتي أرحمُ بكِ مَنْ أشاءُ وإِنَّكِ النارُ عذابي أعذِّبُ بكِ مَنْ أشاءُ ولِكِلَيْكُمَا علَيَّ مِلْؤُهَا”.[رواه أحمد] ،وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال: سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها: ما كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ في بَيْتِهِ؟ قالت: كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني: خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ.[ رواه البخاري ]
أيها المسلمون
والمتأمل في هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم ،يتبين له أنه يدور على شيئين : الأول : تحريم الكبر، وأنه من كبائر الذنوب، والثاني : تحريم الإعجاب، إعجاب الإنسان بنفسه، فهو من المحرمات، وربما يكون سبباً لحبوط العمل إذا أعجب الإنسان بعبادته، أو قراءته القرآن، أو غير ذلك، ربما يحبط أجره وهو لا يعلم، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينأى ويبتعد بنفسه عن كل صور الكبر ، بل كان متواضعا في كل أحواله ، ومما جاء عنه : «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ عَلَى الصِّبْيَانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ» . «وَكَانَتِ الْأَمَةُ تَأْخُذُ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.» «وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ» . «وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ» .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمن الواجب على المؤمن أن يكون متواضعا، فخُلق المؤمن: التواضع، وطيب الكلام، فما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله.، فلا يجوز للمؤمن أن يُنازع ربَّه في الكبرياء والعظمة، بل ينبغي له أن يُخَلِّقَ نفسَه بالتواضع، ويُجاهدها بالتواضع، وطيب الكلام، واستصغار النفس، وعدم التَّشبه بالجبَّارين. ، ولذا يقول ﷺ كما في مسند البزار: (بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ لَهُ ، وَهُوَ يَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، فهذا فيه التحذير من الكبر والخُيلاء، وأن ذلك من أسباب العقوبات العاجلة، كما جرى لهذا الرجل، ولقارون لما أُعجب بدنياه خسف الله به وبداره الأرض. فالتّكبر والإعجاب والزهاء بالنفس من أسباب غضب الله عزَّ وجل، ومن أسباب العقوبات العاجلة؛ فالواجب الحذر، والواجب الحرص على التّواضع، وعدم التكبر، وعدم التَّشبه بالمتكبرين، بل يعرف أنه ضعيفٌ، وأنه مسكينٌ، بين حاجةٍ إلى الطعام والشراب، وحاجةٍ إلى البول والغائط، فلماذا يتكبر؟! ، فينبغي للإنسان أن يعرف نفسه وقدره، وأنه ضعيفٌ، وأنه محلّ التواضع والانكسار بين يدي الله جلَّ وعلا ، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن أخلاق الجبَّارين والمتكبرين، وأن يحرص على أخلاق المتواضعين الذين يخافون الله ويرجونه،
الدعاء