خطبة حول دعاء النبي ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ )
يناير 17, 2023خطبة عن: عمارة المساجد، وحديث ( أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟ )
يناير 18, 2023الخطبة الأولى ( اللعب المباح واللعب المحظور )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن البيهقي وصححه الألباني: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَنْصَارِيَيِّنِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَرْتَمِيَانِ فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَجَلَسْتَ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ سَهْوٌ وَلَهْوٌ إِلاَّ أَرْبَعًا مَشْيَ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسُهُ وَتَعَلُّمَهُ السِّبَاحَةَ وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ». وفيه أيضا: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :«ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَىَّ مَنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَكُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ أَوْ مُلاَعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ)
إخوة الإسلام
اللَّعِب: هو نشاطٌ ذهني أو بدني، يقوم به الفرد؛ تلبيةً لرغباته، وإشباعًا لغرائزه التي تميل إلى اللعب واللهو والمرح، وقد تنوعت أساليب الألعاب حسب الأعراف والبيئات، وتطورت وتمدَّنت حسب الأفكار والثقافات؛ فمنها ما هو تلقائي يتسلّى فيه المرء بشغل وقته دون تقييد بأسلوب محدد، ومنها ما يلزم لأدائها أسلوب مُعيَّن، ونظرًا لتطور التكنولوجيا وانتشارها في العقود المتأخرة، فقد تطورت معها الألعاب وأنواعها وأشكالها أيضًا، وظهرت الألعاب الإلكترونية وتصدَّرت المكانة الأولى على غيرها من الألعاب. ومن المقرر في الشرع الشريف أنَّ الأصل في اللهو واللعب والترويح عن النفس هو الإباحة، ما لم يقترن اللعب بمحظور شرعي؛ فيُنْهَى عنه لعموم قول الله تعالى: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: 12]؛ قال الإمام الطبري في “جامع البيان” [قال ابن عباس: ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ قال: يلهو وينشط ويسعى.. وعن الضحاك قال: يتلهَّى ويلعب]، والشريعة الإسلامية وإن كانت تُبيح اللعب واللهو، غير مفرقة في ذلك بين كبيرٍ وصغيرٍ؛ كُلٌّ بما يناسبه، إلا أنَّ لذلك ضوابط يجب مراعاتها؛ ومنها: ألَّا يكون اللعب هو دأب اللاعب بحيث يصير ذلك إدمانًا يَعُود على صاحبه بالضرر الصحي والنفسي والإرهاق الذهني، ويشغله عن أعماله وواجباته وإنجازاته النافعة له؛ كالعمل أو الدراسة أو نحو ذلك. وألَّا تشتمل هذه الألعاب على الميسر أو القمار المنهي عنه شرعًا في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]. وألَّا يقترن باللعب سلوكٌ محرَّمٌ؛ كتصوير العورات، أو الإيحاءات الممنوعة التي تدعو إلى التَّفلّت والانحلال القيمي والأخلاقي على المستوى الفردي أو الاجتماعي؛ لأنَّ الإسلام يدعو إلى محاسن الأخلاق وينهى عن مساوئها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” ومن الشروط : ألَّا تشتمل اللعبة على طقوس تعبدية تخالف ثوابت عقيدة المسلمين. وألَّا يُؤدي اللعب إلى تضييع حقوق الله على المكلَّف من عبادات وصلوات ونحوها؛ حتى لا يدخل بذلك تحت قول الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5]، وقد كان النَّبي صلّى الله عليه وآله وسلم إذا حضرت الصلاة وهو في خدمة أهل بيته ترك ما يعمله ثم ذهب للصلاة؛ فعن الأسْوَد قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصنع في بيته؟ قالت: “كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ -أي: خِدْمَةِ أَهْلِه- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ” أخرجه البخاري وفي لفظ: “فَإِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْنَا”؛ وذلك لمكانة الصلاة وعدم الانشغال عنها بما فيه مصلحة للأهل والبيت، فإن كان دون ذلك من اللعب أو اللهو كان عدم انشغاله به عن الصلاة أو العبادة أولى وآكد. وألَّا يؤدي كذلك إلى تضييع حقوق العباد عليه، وفي مقدمتهم الأهل ممَّن يعولهم ويقوم على رعايتهم؛ فإنهم في ذمته، وهو مسؤولٌ عنهم؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه، واللفظ للبخاري؛ فإذا قَصَّرَ الإنسان أو فرَّط في حقوق مَن يعولهم استحق الإثم والمؤاخذة ؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه النسائي ، وألَّا يشتمل اللعب على عُنفٍ أو يحثّ عليه أو يؤدي إلى استمرائه أو التهاون بشأنه، وألَّا يكون مؤديًا إلى النزاع والخصومة والبغضاء بين اللاعبين. هذا ويجوز ممارسة الألعاب الإلكترونية إذا كانت تعود على الإنسان بالنفع، وتساعده في تنمية الملكات وتوسعة القدرات الذهنية، وكانت خالية من أيِّ محظور شرعي وأخلاقي، ولا تعود بالسلب على الإنسان نفسيًّا أو أخلاقيًّا، ولا تأخذ وقته كاملًا، وكذا بشرط ألا تكون محظورة قانونًا في البلاد، وبالنسبة للأطفال يجب أن تكون هذه الألعاب مناسبة للمرحلة العمرية للطفل، وأن تكون هذه الألعاب تحت إشراف الوالدين. وننصح المسلمين أن يقوموا بمراقبة أولادهم وتوجيههم وإرشادهم إلى الألعاب التي فيها منفعة لهم، ويختاروا لهم منها ما يناسب طبيعتهم ويفيد في بنائهم وتربيتهم الأخلاقية والنفسية، ويساعدهم في تنمية الملكات وتوسعة قدراتهم الذهنية، ويكون ذلك في بعض الأوقات لا في جميعها؛ حتى لا ينشغلوا بها عن أداء واجباتهم الشرعية والحياتية، أو تؤثِّر في صحتهم العقلية وإدراكاتهم الذهنية.
أيها المسلمون
نعم يجوز اللعب بما قد يكون فيه مصلحة بلا مضرة، ولكن كل ما أفضى كثيراً إلى محرم حرمه الشارع ,وإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة كان سبباً للشر والفساد، وما ألهى وشغل عن ما أمر الله به فهو منهي عنه ،وإن لم يحرم جنسه كالبيع والتجارة، ويرخص للصغار ما لا يرخص للكبار، والمباح إذا استكثر منه الإنسان أضره ولم ينفعه، والإنسان مكلف بالعبادة والعمارة، فالحكمة تلزمه السعي والجد، لا أن يستبدل اللهو الباطل به، فالأمة التي لا تتخذ من الجد شعارا لها أمة لا تجد مكانا لها ببين الأمم المتقدمة، فالأمم المتقدمة ما تقدمت إلا لأن أبناءها عملوا وجدوا لأجل العمل والإتقان، والأمم النامية تحتاج إلى رفع شعار: ” الجد والعمل من أجل التقدم”. فالشباب مستغرقون في الألعاب الرياضية والإلكترونية.. والفتيات مستغرقات في الموضة والأزياء.. والكبار في الشطرنج والنرد والورق ،والمجتمع يلهث وراء المهرجانات والملاهي العامة.. والتجار يسعون في توفير تلك الملاهي بشتى أنواعها دون اعتبار لما ينبغي. وتصرف الأموال الطائلة والدعايات الكثيرة، ويتعاظم الضغط الاجتماعي على الفقراء، وميسوري الحال والمستورين، الذين يعانون الأمرين من قلة ذات اليد، ومن تطلع وطمع الأولاد والأزواج في التمتع بالملاهي ، فمن الخطأ أن ينخرط المجتمع بأسره في الملاهي ، وأن يصبح همه الأول في الإجازات وأوقات الفراغ هدر الوقت والمال فيما لا يعود بالنفع الحقيقي عليه. ولو أن تلك الأموال الطائلة التي تصرف في الملاهي، سواء كان من منشئيها من التجار، أو من مرتاديها من الناس صرفت في: توظيف العاطلين في عمل جاد.. وفي رفع الكفاءة العلمية لدى الأفراد. وفي إجراء البحوث التي تمس حاجة المجتمع الحقيقية.. وفي إطعام الفقراء وسد خلتهم، وسد كافة أوجه الخلل الذي يعاني منه المجتمع، لكان أجدى وأنفع.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر اللهو الباطل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن من أهداف أعداء الأمة الإسلامية: إغراق مجتمعاتها في اللهو، يقول البروتوكول الصهيوني الثالث عشر: “ولكي نبعد الجماهير من الأمم غير اليهودية عن أن تكشف بأنفسها عن أي خطة عمل جديد لنا، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب”. وقد أغرقت هذه الأمم في تلك الملاهي، فهذه أحداث كأس العالم أشغلت العالم أجمع، بما لا يزيد دخل فرد ولا فلسا واحدا، ولا يقوي اقتصاد بلد فقير، ولا يرد حقا إلى مظلوم، ولا يعطي علما، مجرد تسلية، مدرة للأموال الهائلة في جيوب المنتفعين من الرأسماليين، من جيوب الفقراء؛ الذين ربما أنفقوا مدخراتهم كلها من أجل كأس العالم ، لقد هزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، ووقعت في أسر الغرب، لكنها لم تستسلم، بل علمت شعبها الجد والعمل، فما زالت تعمل حتى هزمت الغرب في ميادين العلم والاقتصاد، فصارت شبحا ضخما يخيف الأعداء، لكن كثيرا من الدول الإسلامية لم تستفد من التجربة؛ لم تأخذ بمبدأ العمل لأجل التقدم، بل العمل لأجل الترويح والتلهي. فهذه الدنيا ميدان فسيح للمغالبة لا تنتهي إلا بانتهائها، والغالب فيها صاحب القوة، وصاحب القوة والكلمة اليوم هو: صاحب الاقتصاد الأقوى، والجيش الأقوى. إن نظرتنا – نحن المسلمين- لملء أوقات الفراغ لابد أن تختلف عن نظرة غيرنا؛ فالمسلم مأمور بأن يخرج الناس من الظلمات إلى نور الإيمان، وذلك يقضي بمهام شاقة وكبيرة، لا يجد معها وقتا للهو والمتع. يقول الله تعالى في محكم آياته: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} إبراهيم (1).
الدعاء