خطبة عن ( محبوبات الله تعالى )
أكتوبر 28, 2022خطبة عن: تسبيح الكائنات :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ، نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (39) ،(40) الانفال
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (40) الانفال ، ففي تفسير الطبري أن المعنى : (وإن أدبر هؤلاء المشركون عما دعوتموهم إليه – أيها المؤمنون – من الإيمان بالله ورسوله، وترك قتالكم على كفرهم, فأبوا إلا الإصرار على الكفر وقتالكم, فقاتلوهم، وأيقنوا أنّ الله معينكم عليهم ،وناصركم ،فنعم المولى هو لكم, ونعم المعين لكم ولأوليائه ، ونعم النصير فهو الناصر) ، فالله سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير على هؤلاء المكذبين ،الذين كفروا بالله ورسوله، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا غَزَا قَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ » ،وفي رواية: “اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ“(صحيح أبي داود) ، فالله تعالى هو مولى عباده، وهو نعم المولى لمن تولَّاه ونعم النصير لمن استنصره؛ قال الله تعالى : “بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ” [آل عمران: 150] ، وفي صحيح البخاري أن أبا سفيان قال في يوم أحد حين هُزم المسلمون : (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا . فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ ، وَقَدْ بَقِىَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ . قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي ، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ ، أُعْلُ هُبَلْ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » . قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ » ، فقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه عندما افتخر بآلهته وشركه؛ وذلك تعظيمًا للتوحيد ،وإعلامًا بعزة من عبده المسلمون، وأنه لا يُغلَب، ونحن حزبُه وجُنده ، وفي خواتيم البقرة التي مَن قرأها كفتاه جاء طلب النصر باسم المولى؛ “أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ” [البقرة: 286] ، كما أرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جواب المنافقين في عداوتهم له : “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” [التوبة: 51]: هُوَ مَولانا : أي سيدنا وملجؤنا .
والنصير: هو الذي ينصر المؤمنين على أعدائهم، ويثبت أقدامهم عند اللقاء ، ويلقي الرعب في قلوب عدوهم. وقيل النصير: هو الموثوق منه ، بأن لا يسلم وليه ، ولا يخذله، وهو المعين والمؤيد -سبحانه- لأوليائه وعباده الصالحين، قال الطبري: “(وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا) [النساء:45] ، وحسبكم بالله ناصرا لكم على أعدائكم ،وأعداء دينكم، وعلى من بغاكم الغوائل، وبغى دينكم العوج” ، وقال ابن القيم -رحمه الله-: “فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور، مكفيٌّ، مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهرًا وباطنًا“، فالله تعالى هو النصير الذي ينصر عباده وأولياءه بصور مختلفة وطرق متعددة، وقد وعد الله – تعالى- بذلك فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] ، وقال الله تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:6] ؛ فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة، ومن نصرته سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين : توفيقهم إلى الطاعة ، وحفظهم من الانحراف والمعصية ، حتى يخلصوا العمل لوجهه الكريم، ويتطهروا من كل آفة وخلق ذميم، وتثبيتهم عند اللقاء ومواجهة الأعداء ، وعند الشدائد والمحن، كل ذلك من صور نصر الله لعباده، قال تعالى عن الفئة المؤمنة مع طالوت، (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [لبقرة:250].
وتكون نصرته لهم أيضا بحفظهم من أعدائهم ، وممن أراد بهم سوءًا، كما في الحديث القدسي الصحيح: “مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ“(البخاري)، ومن نصرته لهم أيضا : تحقيق آمالهم ومقاصدهم الصحيحة ،التي سعوا فيها ،وبذلوا الجهد في تحصيل أسبابها، كما قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر:1] ؛ فقد تعبدهم ببذل السبب واستفراغ الوسع، ووعدهم بالنجاح والفتح، والتوفيق وتذليل العقبات. ومن نصرته لعباده المؤمنين : اهلاك عدوهم ، ودفع شره وكف آذاه، قال الله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40] ، وانظروا إلى قوم نوح الذين طغوا وكذبوا وعصوا، وحاول نوح أن يردهم إلى الله، بالدعوة سرًا وجهارًا، ليلًا ونهارًا؛ فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا، فما كان منه إلا أن قال: (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 117-118]، يقول الله تعالى: (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) [العنكبوت: 14-15] ، فالسماء كانت تمطر، وعيون الأرض تفيض، حتى أهلكهم الله بهذا الطوفان، ونجى الله المؤمنين وجعل عدوهم بعد هلاكه آية لمن يعتبر إلى قيام الساعة .
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (40) الانفال ، فليعلم المسلم ، أنه على قدر الإيمان تكون ولاية الله لعبده، فمعنى (الْمَوْلَى ) أنه كل من انعقد بينك وبينه سبب يواليك به.. وأي سبب أعظم من توحيد العبد لربه.. وتحقيق العبودية له؟ فمن فعل ذلك فقد استحق أن يكون الله مولاه، ويكون هو وليا لله، كما في قوله تعالى : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) يونس (62) :(64)،وقال الله تعالى 🙁إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196) الاعراف
و(النصير) هو الذي يعين من يستنصره على العدو، فهو سبحانه ينصر رسله وأنبياءه وأولياءه على من عاداهم ، وهذه إحدى سنن الله عز وجل، قال الله تعالى : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51) ، ومن ينصره الله عز وجل فهو غالب لا محالة، قال الله تعالى : {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} (آل عمران:160).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ، نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ، فهذا الدعاء هو من أعظم الأدعية فضلا ؛ وأعلاها مرتبة ، وأصدقها لهجة ؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه ،حقق له الكفاية المطلقة ، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهي اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس ، وفيه دليل على أن من توكل على الله حق التوكل ، وعده الله سبحانه أن يكفيه ما أهمه ، ويكون حسيبه وحفيظه ، فلا يحتاج إلى شيء بعده ، وكفى بذلك فضلا وثوابا ؛ فإن من كفاه الله سَعِدَ في الدنيا والآخرة بقدرة الله وعزته وحكمته ، ولذلك قال تعالى في الآية الأخرى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال/49، بل كان جزاء المؤمنين في أعقاب ” أُحُد ” حين قالوا هذه الكلمة أن رجعوا بفضل الله عز وجل وكرامته وحفظه : ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران/174، ويناسب هذا الدعاء كل موقف يصيب المسلم فيه هم أو فزع أو خوف ، وكذلك كل ظرف شدة أو كرب أو مصيبة ، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله ، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين .
الدعاء