خطبة عن ( الإسلام والتغيير للأفضل )
ديسمبر 7, 2020خطبة عن ( خَيْرِ النَّاسِ )
ديسمبر 12, 2020الخطبة الأولى : الله يخلق ويملك ويختار ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (68) :(70) القصص
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص (68)، قال السعدي في تفسيره : هذه الآيات، فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه، من الأشخاص، والأوامر [والأزمان] والأماكن، وأن أحدا ليس له من الأمر والاختيار شيء، وأنه تعالى منزه عن كل ما يشركون به، من الشريك، والظهير، والمعين، والولد، والصاحبة، ونحو ذلك، مما أشرك به المشركون ، وأنه العالم بما أكنته الصدور وما أعلنوه، وأنه وحده المعبود المحمود في الدنيا والآخرة، على ماله من صفات الجلال والجمال، وعلى ما أسداه إلى خلقه من الإحسان والإفضال. وأنه هو الحاكم في الدارين، في الدنيا، بالحكم القدري، الذي أثره جميع ما خلق وذرأ، والحكم الديني، الذي أثره جميع الشرائع، والأوامر والنواهي. وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي، ولهذا قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازي كلا منكم بعمله، من خير وشر. وفي تفسير الطبري : أن المشركين كانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم, فيجعلونها لآلهتهم, فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه, ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلْقه, ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم, نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم, فكذلك اختياري لنفسي، واجتبائي لولايتي , واصطفائي لخدمتي وطاعتي, خيار مملكتي وخلقي. وفي هذا المعنى ، قال محمود الوراق :
توكل على الرحمن في كل حاجة أردت فإن الله يقضي ويقدر
إذا ما يرد ذو العرش أمرا بعبده يصبه وما للعبد ما يتخير
وقد يهلك الإنسان من وجه حذره وينجو بحمد الله من حيث يحذر
وقال آخر :
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع في ما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشوم
وقال بعض العلماء : لا ينبغي لأحد أن يقدم على أمر من أمور الدنيا حتى يسأل الله الخيرة في ذلك بأن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة
أيها المسلمون
ففي قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص (68) ،فالله سبحانه وتعالى ينفرد بالخلق والأمر ،متفرد بالجلال والحكم , ليس لمخلوق أي نسبة اختيار في الخلق ،ولا تدبير الكون وتسيير شؤونه , إنما كفل سبحانه وتعالى الاختيار للإنس والجن في أمور العبادة اختباراً لهم وامتحاناً ، وقد وسع علمه كل كبير وصغير في الكون ،وكل ظاهر وخفي , وسع علمه كل شيء حتى مكنونات الصدور ، ففي الآية الكريمة دلائل وحدانية الله ، قال بن القيم : إن الله هو المتفرد بالخلق والاختيار ،والمراد به الاجتباء والاصطفاء، ليس هذا الاختيار لأحد ،والله أعلم بمواقع اختياره، كما قال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الانعام 124، وهذا الاختيار من أعظم آيات ربوبيته، وشواهد وحدانيته ،وصفات كماله ،وصدق رسله، ومن هذا اختياره من الملائكة المصطفين منهم، وكذلك اختياره سبحانه الأنبياء من ولد آدم واختياره الرسل منهم، واختياره أولي العزم منهم، واختار أمة محمد على سائر الأمم ،وكذلك اختار أصحابه من جملة العالمين، واختار منهم السابقين الأولين، واختار منهم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان. واختار من البقاع مكة والحرم الشريف وحرم المدينة ،واختار من الشهور شهر رمضان، وتسع ذي الحجة وشهر محرم ،واختار من أيام الأسبوع يوم الجمعة ، فهو يخلق ما يشاء ويختار ، وله الحكمة البالغة . وفي الآية الكريمة الايمان بالقضاء والقدر : فالله يخلق ما يشاء ،وإنه هو الذي يختار من خلقه ما يشاء ،لما يريد من الوظائف والأعمال والتكاليف والمقامات ،ولا يملك أحد في الوجود من ذلك شيئا ، ومرد الأمر كله إلى الله في الصغير والكبير ، فهذه الحقيقة لو استقرت في القلوب ، لما سخط الناس من شيء يحل بهم , ولا أحزنهم شيء يفوتهم ، فليسوا هم الذين يختارون , إنما الله هو الذي يختار وليس معنى هذا الغاء العمل والسعي ، واتخاذ الاسباب المشروعة ، ولكن تقبل ما يقع – بالرضى والتسليم والقبول ، فإنه علي المسلم بذل ما في وسعه من اسباب مشروعه ، والأمر بعد ذلك لله .
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص (68) ، فهذه من قطعيات العقائد عند جميع الأمم الإسلامية، بل حتى الأمم المختلفة كلها، كلهم مؤمنون بأن الله تعالى هو الخالق، المبدع للكون وما فيه ومن فيه، ويتبع ذلك كونه هو الخالق سبحانه أنه هو المالك؛ لأنه ما دام خلق فهو الذي يملك هذا الذي خلقه، ولهذا سمى الله نفسه بالملك والمالك، فهو المالك الذي له كل شيء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : الله يخلق ويملك ويختار ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالله تعالى هو الخالق أولاً، ومقتضى كونه الخالق أنه هو المالك ثانياً، ومقتضى كونه الخالق المالك ،أنه هو المتصرف المدبر لكل شيء، وهذا كله يدخل في توحيد الربوبية، فمن توحيد الربوبية: الاعتراف بأن الله هو الخالق، والاعتراف بأن الله هو المالك، والاعتراف بأن الله هو المتصرف المدبر، كل هذا من الربوبية.وإيمانك بأن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف المدبر للأكوان، هذا يجعل كمال تعلق قلبك بالله سبحانه وتعالى؛ ففي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ :« يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ » ، ومن المعلوم أنه لا يكون توحيد الربوبية صحيحًا ، ولا ينفع صاحبه ولا ينجيه من الوعيد إلاَّ بإخلاص العبادة لله وحده، قال ابن تيمية -رحمه الله- «وهذا التوحيد -توحيد الربوبية العامَّة- كان المشركون يُقِرُّون به، فهو وحده لا ينجي من النار ولا يُدْخِل الجنَّة، بل التوحيد المنجي شهادةُ أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، بحيث يُقِرُّ بأنَّ الله سبحانه هو المستحقُّ للعبادة دون ما سواه، وأنَّ محمَّدًا رسوله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله»، وقال -رحمه الله-: «فأمَّا توحيد الربوبية الذي أقرَّ به الخلق وقرَّره أهل الكلام فلا يكفي وحده، بل هو من الحجَّة عليهم»، وقال -رحمه الله- : «ومعلومٌ أنَّ هذا هو تحقيق ما أقرَّ به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرَّد هذا التوحيد مسلمًا فضلاً عن أن يكون وليًّا لله أو من سادات الأولياء»،
الدعاء