خطبة عن (الوعظ: هدفه وأهميته وفقهه وأثره)
فبراير 26, 2017خطبة عن :(المجتمع والسفينة) وحديث ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا)
فبراير 27, 2017الخطبة الأولى ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (19) الشورى
إخوة الإسلام
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): يرزق من يشاء . يرزق الصالح والطالح ، والمؤمن والكافر . فهؤلاء البشر هم أعجز من أن يرزقوا أنفسهم شيئاً.. ولو منع الله رزقه عن الكافر والفاسق والطالح ، ما استطاعوا أن يرزقوا أنفسهم ، ولماتوا جوعاً وعرياً وعطشاً .. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : فهو كثير اللطف بهم ،بالغ الرأفة بهم ،كثير الإحسان لهم . قال ابن عباس – رضي الله عنه – : ( الله لطيف بعباده ) : حفي بهم . وقال عكرمة : بار بهم . وقال السدي : رفيق بهم . وقال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر ، حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم ، وقال جعفر الصادق : اللطف في الرزق من وجهين ،أحدهما : أنه جعل رزقك من الطيبات ، والثاني : أنه لم يدفعه إليك بمرة واحدة ،وقال القرظي : لطيف بهم في العرض والمحاسبة . وقال الحسين بن الفضل : لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): فهو الذي ينشر من عباده المناقب ،ويستر عليهم المثالب ، وعلى هذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : (يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) رواه الحاكم في المستدرك . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : فهو الذي يقبل القليل ، ويبذل الجزيل . وهو الذي يجبر الكسير وييسر العسير . وهو الذي لا يخاف إلا عدله ،ولا يرجى إلا فضله . وهو الذي يعين على الخدمة ،ويكثر المدحة . وهو الذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : فهو الذي لا يرد سائله ،ولا يوئس آمله . وهو الذي يعفو عمن يهفو . و يرحم من لا يرحم نفسه . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): فهو الذي أوقد في أسرار العارفين من المشاهدة سراجا ، وجعل الصراط المستقيم لهم منهاجا ، وأجزل لهم من سحائب بره ماء ثجاجا . وهو الذي يدرك الضمائر والسّرائر، وهو الذي يوصل عباده وخصوصاً المؤمنين إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون ، وهو اللطيف العالم بدقائق الأمور. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : فهو يجري لطفه على عباده في كل أمورهم،
فمن لطفه بعباده المؤمنين ، أن هداهم إلى الخير هداية لا تخطر ببالهم، بما يسر لهم من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرتهم على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): ومن لطفه أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض. ومن جملة لطفه بعباده :أن رزقهم الرزق الذي يعيشون به في الدنيا ،سواء أكان كافرا أو مؤمنا، قال تعالى 🙁 وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (6) هود فيوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء منهم وذلك من حكمة الله ليحتاج بعضهم إلى بعض . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): فهو الذي يَلطُف بهم من حيث لا يعلمون، ويُسبِّب لهم مصالحهم من حيث لا يحتَسِبون. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): ومن مظاهر لطف الله بعباده: لطفه بأوليائه حتى عرفوه، ولطفه بأعدائه لما جحدوه. ولطفه بنشر المناقب، ولطفه بستر المثالب. و لطفه بقبول القليل، وبذل الجزيل. و لطفه برحمة مَن لا يرحم نفسه. ولا يرى لطفَ الله به إلا مَن أحسنَ النظرَ إلى حكمته وما قدَّره – تعالى – قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَباً لِلْمُؤْمِنِ لاَ يَقْضِى اللَّهُ لَهُ شَيْئاً إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهُ » رواه أحمد . (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ): فهو يوصل إليك براً ،ولطفاً ،وخيراً ، من دون ما تشعر أنت أحياناً، وقد تعرفه فيما بعد، وقد لا تعرفه إلا يوم القيامة، فقد يكون هذا اللطف جاء بصيغة ظاهرها الابتلاء، أو المشقة، أو التعب، أو العناء، أو الفقر، أو الجوع، أو المرض ، ولكن لطف الله سبحانه وتعالى جعلك تتحمله أولاً، ولطف الله جعل هذا الأمر لك خيراً وعاقبته لك خيراً، (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : لطيف بالعباد كلهم سبحانه، فمن لطفه أنه يخلقهم، ومن لطفه أنه يرزقهم في الدنيا ، ومن لطفه أن ينزل عليهم الكتب، ويرسل إليهم الرسل، ومن لطفه أنه يجيب دعاءهم ،حتى لو كانوا كافرين إذا طلبوا وسألوا وركبوا في الفلك ، قال تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت (65) ، (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : ولطفه ليس من ضعف؛ لأن من الناس من يكون لطفه نتيجة ضعف أو عجز، أما الله تعالى ،فهو القوي العزيز، ومع ذلك فهو اللطيف الخبير، فهذا القوي العزيز يشفق على عباده، ويلطف بهم، ويرأف بهم، ويرحمهم، ويصبر عليهم، ولا يعاجلهم؛ لأنه يريد لهم الخير ، قال تعالى (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء (147) ، ومن لطف الله أنه يحب للناس أن يهتدوا، قال تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7]، .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : ومظاهر لطف الله بعباده كثيرة لا تنحصر في جانب معين, فمن لطف الله بعباده, وعنايته بهم, أنه يسوق إليهم أرزاقهم وما يحتاجونه في معاشهم، وما زال أحدهم جنينًا في بطن أمه في ظلمات ثلاث، فحفظه ورعاه، وغذّاه بواسطة الحبل السري إلى أن ينفصل، ثم ألهمه بعد الانفصال التقام الثدي، وتناول الحليب منه بالفم، ثم تأخير خلق الأسنان إلى وقت الحاجة إليها بعد الفطام. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : ومن لطفه -سبحانه- بعباده المؤمنين أنه -جل وعلا- يتولاهم بلطفه، فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر، والبدع والمعاصي، إلى نور العلم والإيمان والطاعة، كما يقيهم طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى، ويصرف عنهم السوء والفحشاء، مع توافر أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي والشهوات، فيمنُّ عليهم ببرهان لطفه ونور إيمانه، فيتركون المنكرات مع اطمئنان نفوسُهم، وانشراح صدورُهم. ومن لطفه -سبحانه- بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية، وكلّفهم أقل من الطاقة, وهو الميسِّر لكل عسير، والجابر لكل كسير. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) : ومن لطفه -سبحانه- بعبده أن يقدّر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان، وبين أهل الخير؛ ليكتسب من أدبهم وسلوكهم, وأن ينشأ كذلك بين أبوين صالحين، وأقارب أتقياء، وفي مجتمع صالح, وأن يقيّض له إخوانًا صالحين ورفقاء متقين يعينونه على الخير، ويشدون من أزره في سلوكه سبيل الاستقامة، والبعد عن سبل الهلاك والانحراف. (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) :ومن لطفه -جل وعلا- بعبده أن يبتليه أحيانًا ببعض المصائب، ثم يوفّقه للقيام بوظيفة الصبر فيها، حتى ينال رفيع الدرجات، ويكرم عبده بأن يُوجِد في قلبه حلاوة الرجاء، وانتظار الفرج، وكشف الضر، فيخف ألمه وتنشط نفسه. قال ابن القيم -رحمه الله-: “فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفّف حمل المشقة، ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من رَوح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج مُعجَّل، وبه وبغيره يُعرف معنى اسمه اللطيف” حقا ، وصدقا ، والحق والصدق ما قال ربي : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (19) الشورى
الدعاء