خطبة حول قوله تعالى ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )
أغسطس 17, 2024خطبة عن (يا طَالبَ الْعِلْمِ أَبْشِرْ)
أغسطس 20, 2024الخطبة الأولى (اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (257) البقرة، وقال تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196) الأعراف، وقال تعالى: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (19) الجاثية ، وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران: (68).
إخوة الإسلام
في هذه الآيات المباركات وغيرها، يخبرنا الله تبارك وتعالى أنه سبحانه: (ولي المؤمنين، وولي الصالحين، وولي المتقين)، فهو سبحانه وليهم، وناصرهم، ومؤيدهم، وهو يحميهم، ويدافع عنهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وهو سبحانه يلي من اتقاه: بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه، وإذا كان الله تعالى ولي المؤمنين، فالشيطان ولي الكافرين؛ ومن كان الشيطان وليه، فبئس المولى، وبئس النصير، وبئس المصير.
وأولياء الله عزَّ وجلَّ عند أهل السنة: هم المؤمنون المتقون، فكل مؤمن تقي، فهو لله ولي، بقدْر إيمانه وتقواه، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (يونس:64:62).
والمتدبر لاسم الله تعالى (الولي): فهو يبعث في النفس مشاعر الطمأنينة والراحة، مهما كانت المصاعب، فوليك من البشر: هو الذي يرعاك، ويدبر شؤونك، ويعلم احتياجاتك، ويقضيها لك، فكيف لو كان وليك القائم بأمورك هو الله القادر الغني القوي؟، فليكن الله هو وليك، وليكن ولاؤك لله، ولدينه ولرسوله، لا للوطن، ولا للقبيلة، فلو كان الولاء للأرض، ما ترك النبي ﴿ﷺ﴾ مكة، ولو كان الولاء للقبيلة، ما قاتل النبي ﴿ﷺ﴾ قريشاً، ولو كان الولاء للعائلة ما تبرّأ النبي ﴿ﷺ﴾ من أبي لهب. ولكن كان ولاؤه لله تعالى، ولدينه، وللمؤمنين،
وأما عن أقسام الولاية: فالولاية قسمين: الأول: ولاية من الله للعبد، وتنقسم إلى: ولاية عامة، وولاية خاصة، فالولاية العامة هي: الولاية على العباد: بالتدبير والتصريف، وهذه تشمل المؤمن والكافر وجميع الخلق، فالله هو الذي يتولى عباده بتدبير شؤونهم وتصريفها قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]. والولاية الخاصة: وهي أن يتولى الله العبد المؤمن بعنايته وتوفيقه وهدايته، فيهدي الله العبد الصالح إلى طريق الخير، ويُجنّد له الجنود لنُصرته وتأييده، وهذه خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63].
القسم الثاني: ولاية من العبد لله، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56]. فمَنْ وَثِقَ بِاَللَّهِ ،وَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ، فلَهُمْ الْغَلَبَة وَالدَّوَائِر وَالدَّوْلَة عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ وَحَادَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ حِزْب اللَّه، ولأنهم قوم انتصروا لله على أنفسهم، فحق أن يكونوا من حزب الله وأولئك هم الغالبون.
وهناك على الجانب الآخر: من قَبِلوا ولاية الشيطان، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:50]، وماذا يفعل الشيطان بأوليائه؟، قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} آل عمران:175؛ فالشيطان يُخوِّف من يتّبعه، يُخوِّفه على أولاده، فيجعله يجبُن عن الجهاد في سبيل الله ويبخل بماله أن ينفقه في سبيل الله ويُخوِّفه من الموت ومن لقاء الله، يُخوِّفه على المستقبل بصفةٍ عامة. أما أولياء الله، فهم الآمنون في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} يونس: 62. فليحذر كل مِنَّا أن يكون متّبع الله في العلانية، وصديق للشيطان في سريرته، وأعظم ولاية وأقواها، وأوثقها وأبقاها وأنفعها للعبد، هي ولاية الله له، فبها يحيا العبد في كنف ربه، ومعيّة مولاه، وولاية الله لعبده تُغنية وتكفيه عن أي ولاية أخرى من دون الله، قال تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء:45]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ [الأنعام:14].
ومن يتولاهم الله من عباده، لا يجعل للشيطان عليهم سلطاناً، فهم في حفظ الله ومعيته، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل:98: 100] فهم قد عصموا منه بولاية الله تعالى لهم ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف:196]. والمتدبر لقوله تعالى: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ): فالولاية جاءت بصيغة الفعل المضارع، وفي ذلك دلالة على أن نُصرة الله لعباده الصالحين، وحفظه إياهم، ورعايته لهم، مستمرة، لا تنقطع أبدا.
وهذا هو الخليفة (عمر بن عبد العزيز– رضي الله عنه) يتعايش مع قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف:196]، فقد قيل له وهو على فراش الموت: هؤلاء بنوك، (وكانوا اثني عشرَ)، ألا توصي لهم بشيءٍ، فإنهم فقراءُ، فقال: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ). واللهِ لا أعطيتُهم حقَّ أحدٍ، وهم بين رجلينِ: إما صالحٌ فاللهُ يتولى الصالحينَ، وإما غيرُ صالحٍ، فما كنتُ لأعينُه على فسقِه، ولا أبالي في أي وادٍ هلكَ، ولا أدعُ له ما يستعين به على معصية الله، فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت، ثم استدعى أولادَه، فودَّعَهم، وعزَّاهم، وأوصاهُم بهذا الكلامِ، ثم قالَ: انصرفوا عصمَكم اللهُ، وأحسنَ الخلافةَ عليكم. قالوا: فلقد رأينَا بعضَ أولادِ عمرِ بنِ عبدِ العزيزِ يحملُ على ثمانينَ فرساً في سبيلِ اللهِ، وكانَ بعضُ أولادِ سليمانَ بنِ عبدِ الملكِ مع كثرةِ ما تركَ لهم من الأموالِ يتعاطى ويسألُ من أولادِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ؛ لأن عمرَ وَكَلَ ولدَه إلى اللهِ – عز وجل -، وسليمانُ وغيرُه إنما يَكلِونَ أولادَهم إلى ما يَدَعُونَ لهم، فيَضيعونَ وتذهبُ أموالهُم في شهواتِ أولادِهم)، لقد عمل عمر بن عبد العزيز في حق أبنائه بمضمون الآية الكريمة؛ فعصمهم الله سبحانه، وضمن لهم خير الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون
فإذا تولاك الله برعايته وتوفيقه وهدايته, فإنك تسعد سعادة لا شقاء بعدها أبداً في الدنيا والآخرة، وإذا تولاك الله: هداك للحق وأخرجك من ظلمات الكفر والجحود والنفاق إلى نور الإيمان، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:257، وقال تعالى: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا) الكهف:17، وإذا تولاك الله: دافع عنك حقد الحاقدين والحاسدين والماكرين ، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) الحج:38, وفي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)، وإذا تولاك الله: وفقك، وسددك، واستجاب دعاءك، واعطاك سؤالك، ففي البخاري: (فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)،
وإذا تولاك الله: رفع عنك الخوف والحزن، فلا تخاف على نفسك وأهلك ومالك, لا في دنياك ولا آخرتك، حتى عند الموت، تأتي إليك ملائكة الرحمة تبشرك، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت (30)، (31)، وفي مسند أحمد: (فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنَ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ – قَالَ – فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ – قَالَ – وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وإذا تولاك الله: رحمك يوم القيامة، حيث لا راحم إلا الله، ففي مسند أحمد: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةُ رَحْمَةٍ وَإِنَّهُ قَسَمَ رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ فَوَسِعَتْهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ وَذَخَرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً لأَوْلِيَائِهِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَابِضٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ فَيُكَمِّلُهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ لأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وإذا تولّاك الله جعلك مباركا، قال ابن القيم: إذا تولاه امرؤٌ دون الورى تولاه العظيم الشأن قال: “وأن يجعلك مباركاً أينما كنت” إذا جعلك الله مباركاً أينما كنت فهذا هو غاية المطالب، يجعل الله البركة في عمرك، ويجعل البركة في رزقك، ويجعل البركة في علمك، ويجعل البركة في عملك، ويجعل البركة في ذريتك، أينما كنت تصاحبك البركة، أينما توجّهت، وهذا خيرٌ عظيم، وفضلٌ من الله عز وجل.
فهنيئًا لكم أيها المؤمنون المتقون الصالحونَ عنايةَ اللهِ تعالى بكم، وتدبيرَه لأمورِكم، واختيارَه ما يَصْلُحُ لكم، سواءً كانت تلكَ الأقدارُ مُفْرِحةً في أعينِكم أو مؤلمةً، وسواءً كانت ظاهِرةً لكم أو مُبْهَمةً، فالخيرُ كلُ الخيرِ أن يكونَ اللهُ – تعالى – الذي يعلمُ غيبَ السمواتِ والأرضِ ويعلمُ ما كانَ وما يكونُ هو من يتولى شئونَك، ويختارُ لك.
فكن من المؤمنين المتقين الصالحين, يكفك الله كل أمورك, فإنه وليّ من اتقاه, وما الظن برجل تكفَّل الله بشؤونه وأحواله وجميع أمره؟! فهنيئاً لمن أصلح نفسه، وقادها إلى مولاها حتى تصل إلى مُناها. وإذا كان الله تعالى يتولى أمر عباده المؤمنين، فهناك حالتين لا ثالث لهما: “إما أن يتولى الله أمرك، أو يكلك إلى نفسك”، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله قائلاً كما في سنن أبي داود: (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ) فمن طلب الولاية من غيره سبحانه فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.
الدعاء