خطبة عن (جهاد النفس)
مايو 18, 2023خطبة عن (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)
مايو 23, 2023الخطبة الأولى ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال (2) :(4) ، وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (74) الانفال
إخوة الإسلام
لقد بينت بعض آيات القرآن الكريم صفات المؤمنين الحقيقيين، لتكون مرشدا وهاديا لكل من يبتغي تحقيق درجة الإيمان الحق، والوصول إلى منزلة المؤمنين والمقربين، فيتبع هديها ويسير على طريقها ،{ فالْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} :هم قومٌ آمنوا بالله وحده ،وأخلصوا دينهم لله ،فلم يشركوا به شيئا ،وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم ،فلم يعدلوا عن متابعته لا فتيلاً ولا قطميرا ،وأحبوا صحابته رضي الله عنهم ،وصدقوا ما عاهدوا الله عليه فلم يَكْذِبُوا ،وأدَّوْا ما ائْتُمِنُوا عليه لأهله فلم يخونوا ، هم رجالٌ لا كالرجال ، ونساءٌ لا كالنساء ، فقد نشئوا وتربوا على الإيمان ، ودَرَجُوا في رياض التوحيد، ونَهَلُوا من حياض التقوى ، فصَفَتْ نفوسُهم لله تعالى وحده لا شريك له ، وبه اطمأنت ، وقلوبهم بربهم تَعَلَّقَتْ ، وأعينهم لرحمته تَشَوَّفَتْ ، وألسنتهم بذكره سبحانه لهجت ، ووجوههم بنوره الكريم تهللت ، يدأبون في الطاعات ، ويهجرون السيئات ، ويقبلون على الآخرة وأهلها ، ويدبرون عن إرادة الدنيا وغيها ، وهم بعملهم الصالح من النار يهربون ، وللجنة يطلبون ويتشوقون ؛ وقد أعلى الله شأنهم طُرَّا، ورفع بهم في وحيه ذكرا ، فقال الله تعالى في وصفهم : (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37) ،(38) النور
(أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) : هم قوم إذا ذكر الله تحركت القلوب بالحب والخوف والرجاء ، فحجزتهم عن الذنوب ،ودفعتهم للعمل ،وإذا تليت عليهم آيات الله تدبروها ،وعملوا بها ،فازداد إيمانهم ،وهم على ربهم يتوكلون ،فلا يطلبون من غيره رزقاً ،ولا يعتقدون في غيره دفع الضر ولا تحويلا ،وهم يقيمون الصلاة في أوقاتها بخشوع وتبتل، وينفقون مما رزقهم الله ، هم قوم خافت ورهبت قلوبهم، فأوجب لهم ذلك الخشية من اللّه تعالى ،والعمل بالطاعات ، والانكفاف عن المحارم والمعاصي والموبقات ،
أيها المسلمون
وإن المتأمل والمتدبر للآيات الكريمة ،والتي توضح لنا صفات المؤمنين حقا، كانت الصفة الأولى : هي وَجلُ القلوب عند ذِكر الله، إنها شفافية تجعل ذِكر الله سببًا للخشية والخوف من الله، فالخوف من الله صفة من صفات المؤمن الحق، والخوف من الله وقاية للمؤمن من الوقوع في غضَب الله وسخَطه، فمن خاف الله لم يَعصِه، ومن أجل ذلك كان الثواب العظيم لمن يخاف مَقامَ ربه: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، وقال الله تعالى : ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41] ،فالذي يخشى ربه بالغيب ويَحذر عذابه يُقيم بذلك الدليل على صدْق دعواه، الإيمان والخوف من الله صفة لا يمكن أن تُفارِق المؤمن الحق أبدًا، والآية الكريمة تذكر حالة راقيةً من حالات الخوف من الله، وهي أن قلوب المؤمنين الذين يحبون الله ويَرجون ثوابه ويخشونه ويَحذرون عقابه تلك الحالة الراقية.
وأما الصفة الثانية من صفات المؤمنين حقا : فهي زيادة الإيمان – فالمؤمنون تطمئنّ قلوبهم بذكر الله، ويَزدادون إيمانًا بتلاوة آياته تلاوة متأمِّلة تنتهي بأصحابها إلى العمل؛ ذلك لأنّ حلاوة القرآن يتلمَّسها المرء كلما تُليتْ عليه آيات القرآن أو قرأها بنفسه، والمؤمن في ارتقاء وصعودٍ ، وفي القرآن كنوزٌ لا تَفنى، وهو الذي لا تَزيغ به الأهواء، ولا تلتبِس به الألسنة، ولا يَشبَع منه العلماء، ولا يَخلَق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124] ، ومما يزيد الإيمانَ أداءُ الواجبات بإخلاص، واجتنابُ المحرّمات والمكروهات بقناعة ومجالسة الصالحين واصطحابُ الأبرار.
وأما الصفة الثالثة من صفات المؤمنين حقا : فهي التوكل على الله، وهي من أعظم صفات المؤمنين وأهمها؛ فلا يكون التوكل مقبولاً إلا إذا كان مُنصرِفًا إلى الله فقط لا يُشارِكه سواه، وهذا الذي دلَّت عليه الآية بتقديم الجار والمجرور على الفعل؛ ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، قال ابن كثير: “أي لا يرجون سواه، ولا يقصِدون إلا إيّاه، ولا يَلوذون إلا بجَنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرِّف في المُلْك وحده لا شريك له، ولا مُعقِّب لحُكمه، وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جِماع الإيمان”. ، قال سيد قطب : “وليس الاتكال على الله وحده بمانعٍ من اتخاذ الأسباب، فالمؤمن لا يتَّخذ الأسباب من باب الإيمان بالله، وطاعته فيما يأمر به من اتخاذها، ولكنه لا يجعل الأسباب هي التي تُنشئ النتائج فيتَّكِل عليها، إن الذي ينشئ النتائج كما ينشئ الأسباب هو قَدرُ الله، اتخاذ الأسباب عبادة بالطاعة، وتُحقِّق النتيجة قدرٌ من الله مستقل عن السبب لا يَقدِر عليه إلا الله، وبذلك يتحرَّر المؤمن من التعبد للأسباب والتعلُّق بها، وفي الوقت ذاته هو يستوفيها بقدْر طاقته؛ لينال ثواب طاعة الله في استيفائها”.
وأما الصفة الرابعة من صفات المؤمنين حقا فهي : إقامة الصلاة، وهي تمثِّل غذاء الرُّوح الذي إن فَقَده الإنسان فَقدَ توازنَه، ومزَّقته الأمراض والعُقد والقلَق وخسِر سعادته الحقيقية يوم القيامة، وكان من الخاسرين ، وإقامتها تقتضي أن تؤدَّى في وقتها بخشوع وحضور قلبٍ.
والصفة الخامسة من صفات المؤمنين حقا هي : الإنفاق مما رزَقهم الله؛ فالمال مالُ الله، والإنفاق من ذلك دليل على صِدْق الإيمان وطِيب العنصر، وهذه الصفة من أهم الصفات التي يَفقِدها المجتمع الإسلامي اليوم، ولو تحلَّى بها الموسِرون من المسلمين لما كان هناك مجال للأفكار الهدّامة أن تنتشِر بين صفوف السُّذج من البائسين والكادحين من أبناء المسلمين، فلنتَّصِف بهذه الصفات، ولنستجِب لدعوة الله والرسول، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والإنفاق المذكور في الآية يأتي على العموم ولم يخصصه الله، فمن يُزكى فهو ينفق ومن يتصدق فهو ينفق، وهؤلاء هم أهل الإيمان الذين لا يقفون عند إنفاق واحد وهو فرض الزكاة بل يزيدون الإنفاق بالصدقة وأكثر من ذلك يفعلون، ثم تأتى الآية الرابعة لكي تختم بالمكافأة التي أعدها الله لهؤلاء المؤمنين حقا، سبحان الله لم يكتف بهذا الفضل بل زاد عليه وهذا كرم من الله، فإلى هؤلاء جعل الله لهم صفة الإيمان الحق، ثم يعدد الحق ما أُعد لهم، أولا لهم درجات يرفعهم بها، وما أعظم درجات الله، فنحن في الدنيا نفرح فرحا شديدا بدرجات ترقية أو درجات عليا في الامتحان، فما بالك بدرجات الله، ثم يغفر الله لهم ذنوبهم، لأن الذنوب مُرتَكبَة وستُرتَكب حتى وهم على هذه الحال، ولكن بسعيهم الدائم وراء تلك الأفعال يعطي لهم الله مكافأة على ذلك بالمغفرة، ثم يزيد لهم الحق رزقهم وذلك نتيجة إنفاقهم، وهو مَن رزق، فلا يكتفي بذلك بل يكون لهم رزق كريم، فما بالك بكرم الله، فاللهم اجعلنا من هؤلاء المؤمنين حقا.
فما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يُراجعوا أنفسهم، ويَعرِضوها على هذه الصفات؛ ليجدوا الجوابَ الشافي عن أسباب هذا الواقع الأليم الذي يَحيَونه في هذه الأيام .
الدعاء