خطبة عن (الميل العظيم).(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا)
مارس 29, 2017خطبة عن ( في التثبت والتبين السلامة)
مارس 30, 2017الخطبة الأولى ( المحافظة على الصحة والعناية بها من آداب الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ » ، وفي سنن الترمذي بسند حسن : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »
إخوة الإسلام
لما كانت الصحة والعافية من أجلِّ نِعَم الله على عباده، وأجزل عطاياه، وأوفر مِنَحِه، بل العافية المطلقة من أجلِّ النعم على الإطلاق، فقد عني الاسلام بصحة الانسان ، ودعاه إلى المحافظة عليها ، والعناية بها ، فحقيقٌ على من رُزِقَ حظًّا من الصحة مراعاتها، وحفظها، وحمايتها مما يضادها ،وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ ) ، وللمحافظة على الصحة ، والعناية بها أسباب وقواعد وضوابط ، ولا بد للمسلم أن يتعلمها ، وأن يعمل بها ، فمن أسباب وقواعد العناية بالصحة في الإسلام: تجنُّب الإسراف في الطعام: قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الاعراف 31 ، فمن أول أسباب المحافظة على صحة البدن عدم الاسراف في الطعام والشراب ، وقد بين العلماء حد الاسراف ، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: “أحل الله الأكلَ، والشربَ، ما لم يكن سرفًا، أو مخيلة” وقال أبو الليث السمرقندي :الإسراف: “هو أن يأكل مما يحل له أكله فوق القصد، ومقدارِ الحاجة” وقال الإمام القرطبي “الإسراف: الأكل بعد الشبع” ، يتبين من كلام العلماء أن النهي في الآية يتناوَل الزيادةَ على قدر الحاجة، من الطعام، مما يلحق الضرر بالبدن، وإن كان المأكولُ مباحًا ، واللهُ- جل وعلا- لا ينهى عن شيء إلا وفيه الضررُ المحقق للإنسان، إما عاجلاً في الدنيا، أو آجلاً في أخراه. فكلُّ شيءٍ جاوَزَ حدَّه انقلب ضده. وأما عن الأضرار الناجمةُ عن الإسراف في الطعام، ومجاوزة حد الشبع، والاعتدال فيه- فهي فكثيرةٌ جدًّا، ومنها : ضررٌ شرعيٌّ: وهو الوقوع فيما نهى الله ورسوله عنه، ففي مسند أحمد ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ ». وفي سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وفي سنن ابن ماجة (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ». ومن أضرار الاسراف في الطعام : ضررٌ يلحَقُ بالبدن، أو يؤثر فيه سلبًا، أو عضو من أعضائه. فإن كثرة الطعام وتجاوز الحد إلى درجة الشبع يُفضِي إلى فساد الجسم، ويورثه الأسقام، ويكسل عن الصلاة؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذلك، حيث قال: “إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض العبد السمين، وأن الرجل لن يهلك حتى يؤْثر شهوته على دينه” وقال الإمام الغزالي في “الإحياء” : “إن في قلة الأكل صحةَ البدن، ودفعَ الأمراض؛ فإن سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق” ،وقال الدكتور: أحمد محمد كنعان في كتابه القيم الجليل “الموسوعة الطبية الفقهية”، قد ثبت علميًّا أن السمنة الناتجة عن الإفراط في الطعام، تسبِّب مضاعفاتٍ خطيرةً: في القلبِ، والأوعية الدموية، وجهاز التنفس، وجهاز الهضم، وتزيد معدل الوفيات، وبما أن بعض الناس أكثرُ قابليةً من غيرهم للسمنة؛ فإنه يحسن بهم الالتزام بنظام غذائي محدد؛ للمحافظة على أوزانهم من أخطار السمنة” ، وقد ذكر الإمامُ ابن القيم في كتابه القيم “الطب النبوي” في أنواع الأمراض الأكثر انتشارًا بين الناس هي مادية؛ سببها الرئيس الزيادة على القدر الذي يحتاج إليه البدن، مما يلحق الضرر به ،وعن سفيان الثوري قال: “إن أردت أن يصح جسمُك، ويقل نومك؛ فأقل من الأكل”، ومن أضرار الاسراف في الطعام : ضرر يلحَق بالقلب والعقل، أو يؤثر فيه سلبًا؛ فيعوقه عن بعض مهامِّه، أو عن القيام بها على الوجه الأكمل، فالقلب والبدن هما أشرف أعضاء البدن؛ إذ بهما يكون التمييز، والإدراك، ومعرفة الحق والباطل، والصواب والخطأ في الأشياء والمحسوسات، وأخطر الأمراض ما يصيب أحدهما مما يؤثر في البدن تأثيرًا بليغًا بيِّنًا، وإليك بعض ما ذكر أهلُ العلم من هذه الأضرار: جاء في وصايا لقمان لابنه: “يا بني، إذا امتلأتِ المعدة؛ نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة” . وقال الغزاليُّ في بيان فوائد الجوعِ، وآفات الشبع، وهي عشر فوائد قيمة، ذكر في الفائدة الأولى منها: “أن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخار في الدماغ؛ فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار، وعن سرعة الإدراك” وذكر في الفائدة الثانية: “أن الشبع يفسد رقَّة القلب وصفاءَه، الذي به يتهيَّأ لإدراك لذَّة المثابرة، والتأثُّر بالذكر”، وأورد عن أبي سليمان الداراني قوله: “إذا جاع القلب وعطش، صفا ورَقَّ، وإذا شبع عمي وغلظ” ، وقال- رحمه الله- في الفائدة الخامسة: “إن الإفراط في الشبع يزيدُ في قوة الشهوات، وهي منشأ المعاصي”، ونقل عن ذي النون المصريِّ قوله: ما شبعتُ قطُّ إلا عصَيتُ، أو هممتُ بمعصية” ، ونقل عن أبي سليمان الداراني- قوله: “إن الشبعَ يُدخِلُ على البدن ستَّ آفاتٍ، فذكر منها: فقد حلاوة المناجاة، وتعذر حفظ الحكمة، وثقل العبادة، وزيادة الشهوات” وقال ابن رجب الحنبلي في “جامع العلوم والحكم”: “إنَّ قلَّة الغذاء تُوجِبُ رقَّة القلب، وقوة الفَهم، وانكسار النفْس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك”
، ونقل عن محمد بن واسع قوله: “من قلَّ طعمه فهم وأفهم، وصفا ورق، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد”
أيها المسلمون
أما السبب الثاني من أسباب المحافظة على الصحة فهو: الأكل على قدر حاجة الجسم من الطعام: وأساسُ هذه القاعدة هو قول النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم كما في مسند أحمد (أن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِىَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ وَثُلُثُ شَرَابٍ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ » ،قال ابن رجب في “جامع العلوم والحكم”: “هذا الحديث أصلٌ جامع لأصول الطب كلها، أما السبب الثالث من أسباب المحافظة على الصحة : الحميَّة : ويقصد بالحمية: احتماء الإنسان من الطعام، سواءٌ أكان مريضًا أم سليمًا، وإن كانت تُطلَق في حق المريض أكثر، فمن المعلوم أنَّ للطعام شهوةً ولذةً ينجذبُ بسببها الشَّرِه من الناس، والذي لا يَضبِط نفسَه عند رؤية الطعام اللذيذ، ذي النكهة العطرة، والإعداد الأنيق، والمنظر البديع. وقد ورد عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه دخل ومعه علي بن أبي طالب بيتًا فيه ، ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ عَلِىٌّ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ وَعَلِىٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ « مَهْ مَهْ يَا عَلِىُّ فَإِنَّكَ نَاقِهٌ ». قَالَ فَجَلَسَ عَلِىٌّ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ. قَالَتْ فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ ». قال الموفَّق البغدادي في شرحه لهذا الحديث: في هذا الحديث الأمرُ بالحمية وأن الناقِهَ ينبغي له أن يحتفظ على نفسه، ولا يمرجها مرجَ الأصِحَّاء، والناقه هو الذي خلص من المرض، وهو متحرك إلى الصحة الوثيقة، ولم تحصل له بعدُ صحةٌ تامة، وأعضاؤه ضعيفة، وكذلك هضمه، وأفعال أعضائه فهي سهلةُ القَبُولِ للآفات، وأيضًا فإنَّ الناقه إلى ما يزيد في جوهر أعضائه، ويكون مع ذلك سريعَ النُّفوذ: كالسَّلق والشعير مطبوخَينِ، والناقِهُ ضعيفُ الهضم ،أما السبب الرابع من أسباب المحافظة على الصحة فهو: تنظيم أوقات الطعام، وتجنب الأكل بين وجبات الطعام بإدخال طعام على طعام: وهذه السبب مما أهمله كثيرٌ من الناس، فالمتعارَفُ عليه عند الناس أن وجبات الطعام ثلاثٌ: إفطار، وغداء، وعشاء، والناس مختلفون في أي هذه الوجبات الثلاث هي الرئيسية؟ ،وقد سُئِلَ الحارث بن كلدة عن الداء الدويِّ الذي قتل البرية وأهلك السباع في البرية، فقال: إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام ،وسُئِلَ جالينوس: مالَكَ لا تمرضُ؟ فقال: لأني لم أدخل طعامًا على طعام ،وأوصى أحد الأطباء المأمون الخليفةَ العباسي بخصالٍ مَنْ حفظها، وعمل بها، فهو جديرٌ ألا يمرض إلا مرض الموت، فذكر منها: لا تأكل طعامًا، وفي معدتك طعامٌ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( المحافظة على الصحة والعناية بها من آداب الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما السبب الخامس من أسباب المحافظة على الصحة فهو : اختيار أفضل أنواع الطعام، وتجنُّب أردئه: فلابد أن يكون الطعام محتويا على العناصر الرئيسية التي يحتاجها الجسم ، ولا يقتصر على لون واحد من الطعام ،ولو تأمَّلنا طعامَ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لوجدناه كذلك فقد كان- صلَّى الله عليه وسلَّم- يأكل ما جرت عادة أهل بلده، بأكله من اللحم، والفاكهة، والخبز، والتمر، وغيره، وكان يأكل الرُّطَبَ والبِطِّيخَ، وإذا عافت نفسُه شيئًا لم يأكلْه، ولم يحمِّلْها إياه على كُرْهٍ، وهذا أصلٌ عظيمٌ في حفظ الصحة ، وكان يحب الحلواء، والعسل، وهذه الثلاثة- أعني: اللحم، والعسل، والحلواء- من أفضل الأغذية، وأنفعها للبدن، والكبد، والأعضاء، وللاغتذاء بها نفعٌ عظيم في حفظ الصحة والقوة ، وكان يأكل الخبز مأدومًا، ما وجد له إدامًا، فتارةً يأكله باللحم، ويقول: « سَيِّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ » رواه ابن ماجة.، وتارة بالبطيخ، وتارة بالتمر، وتارة بالخل ، أما السبب السادس من أسباب المحافظة على الصحة فهو : هيئة الجلوس للطعام مما يساعد، أو يعيق في هضْم الطعام وأكله، وهو أدبٌ من الآداب الإسلامية التي راعاها الإسلام، ونبَّه عليها صفوةُ الخلق رسولُنا محمد- عليه الصلاة والسلام- ومنها ألا يأكل الانسان متكئا ففي البخاري (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا » ، وفي سنن البيهقي وغيره : (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ مَطْعَمَيْنِ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ عَلَى بَطْنِهِ ) ويذكر عنه- صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه كان يجلس للأكل متورِّكًا على ركبتَيْهِ، ويضع بطن قدمه اليُسرَى على ظهر قدمه اليمنى؛ تواضعًا لربه- عز وجل- وأدبًا بين يديه؛ لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله- سبحانه- عليه مع ما فيه من الهيئة الأدبية. وأجود ما اغتذى عليه الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبًا الانتصابَ الطبيعي، وأردأ الجلسات للأكل الاتكاءُ على الجنب؛ لأن المرِّيء وأعضاءَ الازدراد تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة لا تَبْقَى على وضعها الطبيعي؛ لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض، ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء، وآلات النفس
أيها المسلمون
واعلموا أن من محافظة الإسلام على صحة الإنسان وعافيته أن دعانا إلى التوازن والاعتدال في تناول الطعام ففي سنن الترمذي (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ». وللمحافظة على صحة الإنسان وعافيته فقد شرع الاسلام الصوم على المسلمين، وإن كان الصوم سابقا في الأديان الأخرى قبل الإسلام. ولكن الإسلام هو الذي وضع لفريضة الصوم الضوابط وحدد أوقاته بدءًا ونهاية، حيث جعله شهرا واحدا على رأس كل عام، وأتبعه بصيام النوافل لمن أحب التزود من الأعمال الصالحة. ومن محافظة الإسلام على الصحة الإنسانية أن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وفي ذلك إشارات صحية حية ومداواة لذوي القلوب الضعيفة التي تلعب بها أهواؤها. فإن ارتكاب المحرمات من مخدرات ومفتِّرات وزنى يكون مدعاة لانتقاد العدوى بشتى الأسقام والأورام التي لا يرجى برؤها. وهذا هو ما تشكو منه كثير من الدول والبلدان التي تدعي الحضارة والرقي، ولكنها حضارة ورقي مزعوم مفترى مكذوب. فكيف ترجى السلامة من العلل والآفات لمجتمعات نزلت بها أخلاقياتها إلى الحضيض، فأشبهت الحيوانات العجم في تصرفاتها الشنيعة ، قال تعالى ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44] ،وقال تعالى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].
كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي للعلاج من الأمراض والمحافظة على الصحة ففي البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً » ،وفي مسلم : (عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». وفي سنن أبي داود : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ « تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ ». وفي البخاري : (عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ »
ومن صور المحافظة على صحة الانسان أن شرع الاسلام الرقية الشرعية بغرض الشفاء والمحافظة على الصحة . ففي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ. وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَشْتَكِى – وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ يَعُودُنِي – فَقَالَ « أَلاَ أُعَلِّمُكَ ». قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ « أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقِيَةٍ رَقَانِي بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ». قُلْتُ بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي. قَالَ « بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ وَاللَّهُ يَشْفِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ». وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ « مِنْ كُلِّ دَاءٍ فِيكَ ».
الدعاء