خطبة عن (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)
نوفمبر 28, 2023خطبة عن الجنة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
ديسمبر 2, 2023الخطبة الأولى (المحن والابتلاءات كاشفة فاضحة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (1): (3) العنكبوت، وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (155): (157) البقرة،
إخوة الإسلام
إن المحن والابتلاءات كاشفة فاضحة، فهي تكشف الغث من السمين، والمؤمن من المنافق، والصديق من العدو، والمخلص من المرائي، والشجاع من الجبان، والكريم من البخيل، والصادق من الكاذب، والطيب من الخبيث، والضال من المهتدي، وصاحب المروءة والنجدة من المخادع، كما أن المحن والبلايا تفضح المنافقين والكاذبين، وتكشف الجواسيس والعملاء، والأعداء في ثوب الأصدقاء، ومن الملاحظ أن الكثير من الناس إذا ابتلي نكص على عقبيه، وخسر الدنيا والآخرة ،وذلك هو الخسران المبين, قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11، فالمحن والابتلاءات والبلايا فيها إظهار لحقائق الناس ومعادنهم، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا)، لذا فهناك أناس لا يُعرف فضلهم إلا في المحن، قال الفضيل بن عياض: (الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه ،وصار المنافق إلى نفاقه)، ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي “الدَّلائِل” عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: (اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير- يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء- فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة؟ قَالَ نَعَمْ, إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ, أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء, قَالَ: فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق)،
والمحن والابتلاءات تخرج العجب من النفوس، وتجعلها أقرب إلى الله، ومن ذلك ما حدث لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فعَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة, فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ الْهَزِيمَة”، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (25)، (26) التوبة، قال ابن القيم في زاد المعاد: “واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته “،
كما أن المحن والابتلاء تربي الرجال وتعدهم، فقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها.
وفي المحن والبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ) السجدة/21، والمحنة والبلاء تكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب، قال تعالى: (وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) العنكبوت/64، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ، قال تعالى: (لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ) البلد/4.
والمحن والابتلاءات فرصة لتكفير الذنوب والمعاصي: ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»، وتارة تكون المحن والبلايا لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، ففي سنن الترمذي: (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »، وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. قَالَ «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا»،
وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3]. فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليُعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين. وتارة يعاقب الله تعالى المؤمن بالبلايا والمحن على بعض الذنوب، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلاَّ الْبِرُّ وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ». والمحن والمصائب والابتلاءات تذكر المسلم بفضل الله ونعمه، فبالمرض تعرف فضل الله عليك بالصحة والعافية، وبالفقر تعرف فضل الله عليه بالغنى، وبالخوف تعرف فضل الله عيك بالأمن، وهكذا، فإن المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان نعم الله عليك وفضله العميم.
أيها المسلمون
وإذا كان إنزال المحن والبلايا إنما يقع كالداء؛ فمعلوم أن الله تعالى ما أنزل داء إلّا أنزل له شفاء؛ فدواء دفع المحن والبلايا يكون بالأسباب الإيمانية من التوكل على الله تعالى، والتضرع إليه، وكثرة الاستغفار والتوبة والإنابة إليه، وإعلان الإذعان لقضائه والصبر على بلائه، والرضا بجميع قدره سبحانه؛ لأن المؤمن يوقن أن الأمر كلّه بيده سبحانه، وأنه لا يكشف الضر إلّا هو؛ قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 17، 18].
وإذا كان المقصد من إنزال البلاء هو ردع العباد عن غفلتهم وإعراضهم عن ربهم؛ كان رفع البلاء بالإقبال على الله والتضرع إليه. وإذا كان نزول البلاء عقوبة لذنب ألمَّ به العباد؛ فلا شك أن الاستغفار والتوبة خير وسيلة لرفع تلك العقوبة والبلاء؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]. وإذا كان من حكمة إنزال البلاء أن يعلم اللهُ الصابرين -أي: يعلمهم عِلْم ظهور؛ بظهور صبرهم وصدقهم-؛ فمِن ثَم إذا صدّق العبدُ وصبر ورضي بقضاء الله تعالى فقد تحقّق المقصدُ والحكمة من نزول البلاء؛ فيرفعه الله تعالى لزوال سبب بقائه. قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142]. وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (المحن والابتلاءات كاشفة فاضحة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان من أسباب نزول البلاء هو تمحيص المؤمنين واختبار إيمانهم وصبرهم وثباتهم فلا شكّ أن المؤمنين إذا ما أذعنوا لله، ورضوا بقضائه، وصبروا على بلائه، ولم يرتابوا في دينهم، علم الله تعالى صدق إيمانهم؛ فكشف الله عنهم البلاء، ورفع عنهم الوباء. وفي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»،
ودفع البلايا والمحن يكون أيضا بتقوى الله تعالى في جميع الأمور: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:2،3]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق :4،5]. ومن ثم فعلى المسلم أن يتقي الله في جميع أموره بترك معاصيه، والعمل بطاعته، ومحاسبة نفسه، ومراقبتها؛ ففي ذلك يكون المخرج والنجاة واليسر، إن شاء الله. وعليه أيضا بالاجتهاد في العبادة: قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 5-8]. فقد وعد الله تعالى باليُسر بعد العُسر، ولكنه جعل شرط ذلك نصب العبدِ وتعبه واجتهاده بالسجود بين يدي ربه متضرعًا متذللًا؛ فعلى المسلم أن يجتهد في العبادة: بالصلاة والصيام والقيام والذِّكر والصدقة ونحوها، عسى الله تعالى أن يرفع الغُمَّة عن الأمة.
الدعاء