خطبة عن قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
نوفمبر 24, 2018خطبة عن حديث (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ)
ديسمبر 1, 2018الخطبة الأولى ( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ». مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يعلمنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم آداب المدح والثناء، والتحذير من التمادح ، والاطراء . وبداية فللمدح حالات أربع : الأول : أن يكون في مدح الشخص خير ،وتشجيع له على الأوصاف الحميدة ،والأخلاق الفاضلة، فهذا المدح لا بأس به؛ لأن فيه تشجيع على فعل الخير . الثاني : أن تمدحه لتبيين فضله بين الناس ،وينتشر ،ويحترمه الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ،وعمر ، وكان هذا لبيان فضل أبي بكر ،وعمر ، وهذا لا بأس به . الثالث : أن يمدح غيره ،ويغلو في إطرائه ،ويصفه بما لا يستحق، فهذا محرم ، وهو كذب وخداع. الرابع : أن يمدحه بما هو فيه، لكن يُخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه، ويزهو بنفسه ، و يترفع على غيره، فهذا أيضا مدح محرم ولا يجوز. وهناك أحاديث كثيرة وردت في النهي عن التمادح ، ومنها : ما جاء في الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يُثْنِى عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ فَقَالَ : « لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ». و(الإطراء): البالغة في المدح. وفي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ – يَقُولُهُ مِرَارًا – إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا . إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَحَسِيبُهُ اللَّهُ ، وَلاَ يُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا » وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ – وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا – فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ ».
ومما جاء في الإباحة في المدح ، ما رواه البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَيْ فُلُ هَلُمَّ » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ذَاكَ الَّذِى لاَ تَوَى عَلَيْهِ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ » وفي الحديث الآخر أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ ذَكَرَ في الإزارِ ما ذُكِرَ، قال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ، إن إزاري يَسْقُطُ مِن أحدِ شِقَّيْه؟ قال: «إنك لستِ منهم» أي لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء ) (رواه البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك» (رواه البخاري ومسلم). وقال العلماء: “وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمانٍ ويقينٍ ورياضةِ نفسٍ ومعرفةٍ تامة.. بحيث لا يُفتتن ولا يُغتَر بذلك، ولا تلعب به نفسه فليس بحرامٍ ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك”.وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح: وقد ضبط العلماء المبالغة الجائزة من المبالغة الممنوعة بأن الجائزة يصحبها شرط أو تقريب، والممنوعة بخلافها، يعني أنت أحياناً تضطر إلى المدح فماذا تقول في مدحك: فلان إن شاء الله من أهل الخير ما دام متمسكاً بالدين, أو ما دام متبعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا الشرط أو التقريب مهم جداً لكي يكون المدح شرعياً, وإلا فإطلاق المدح والتزكية بدون قيد أو شرط؛ يخشى أن يكون مما لا يرضي الله عز وجل، فتقول: فلان نحسبه من كذا على سبيل التقريب، نحسبه من أهل كذا، هذه الصيغة لا بأس بها إذا احتاج الإنسان إليها. وقال النووي رحمه الله: ومدح الإنسان قد يكون في غيبته وهو غير موجود، وفي وجهه، ففي الحالة الأولى إذا مدح وهو غائب عن المجلس فإن هذا المدح لا يمنع منه، إلا إذا دخل المادح في الكذب فإنه يمنع من المدح حتى ولو كان الممدوح غير موجود؛ لأنه يدخل في الكذب، لا لكونه مدحاً. ومن المعلوم أيضا أن هناك فرق بين المادح والمداح : فالمدّاح غير المادح : فالمادح الذي يُسمع منه مرة بعد أخرى . أما المدّاح فهو الذي يداوم على المدح ، و كلما جلس عند إنسان ، كبيرا كان ،أو أميرا ، أو عالما ،أو ما شابه ذلك قام يمدحه ، فهذا حقه أن يحثى في وجهه التراب ؛ ففي صحيح مسلم : ( عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ – وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا – فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ ».
أيها المسلمون
وهكذا فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة المدح ، ففي سنن ابن ماجة : (عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ». فالمدح في خطورته مثل الذبح، فمدحك لأخيك في وجهه ،كمثل أن تذبحه بالسكين، قال المناوي : ” وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه ، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ،ويغريه بالعجب والكبر، ويرى نفسه أهلا للمدحة ،سيما إذا كان من أبناء الدنيا ،وأصحاب النفوس المريضة ، وعبيد الهوى ، وقال الغزالي رحمه الله : فمن صنع بك معروفا ،فإن كان ممن يحب الشكر، والثناء ،فلا تمدحه ؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم ، وطلبه للشكر ظلم ، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا ، فإن المدح يسبب عللاً كثيرة، وآفات كبيرة في دين المادح والممدوح ،فلذلك سماه عليه الصلاة والسلام ذبحاً؛ ومن أعظم المصائب في قضية المدح ، مدح المنافق ، والفاجر ،أو الكافر بقولك: يا سيدي ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدَكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ ». قال العلماء في شرح الحديث: إذا قلت للمنافق :يا سيدنا ،أو يا سيدي ، وهو منافق ، فقد أسخطت ربك، ولذلك قال النووي رحمه الله معنوناً على هذا الحديث: باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بسيد ونحوه، وبعض الناس اليوم عندما يخاطب الكفار يقول له بلهجته أو بلغته الأجنبية، نعم يا سيدي، كما يقول بعض الطلبة للمدرس الكافر يقول له: يا سيدي، وهذا داخل في هذا الحديث، لأن فيه تعظيم لمن أهانه الله، فالله عز وجل يهين منافقاً أو مبتدعاً أو فاجراً، ويتوعده في كتابه بالنار ،والعذاب ،والإهانة في الدنيا والآخرة ،وأنت أيها المسلم تأتي وترفع هذا الرجل إلى مرتبة السيادة! إنه لأمر عجيب
أيها المسلمون
ألا ، فاحذروا المدح والمداحين ، وكونوا لسنة رسولكم صلى الله عليه وسلم متبعين ، وعلى طريقته ومنهجه سائرين ، ولآداب الاسلام من المحبين والمتمسكين ، تكونوا في الدنيا والآخرة من الفائزين والمفلحين .
الدعاء