خطبة عن الصدقة وحديث ( زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ )
يناير 3, 2023خطبة حول حديث ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ)
يناير 7, 2023الخطبة الأولى (المسلمون ودراسة التاريخ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (11) الانعام ،وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (69) النمل، وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) ابراهيم (9)
إخوة الإسلام
التاريخ هو عبارة عن: فهم الماضي؛ لإفادة الحاضر، والتخطيط للمستقبل، وهو: اخبار عن الأيَّام والدول، والسوابق من القرون الأُوَل، تنمو فيها الأقوال، وتُضرب فيها الأمثال، وتؤدِّي إلينا شأن الخليقة كيف تقلَّبت بها الأحوال، واتَّسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمَّروا في الأرض حتَّى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، ودراسة التاريخ: أداة للكشف عن صراعات المجتمعات البشريَّة، وما يترتَّب على ذلك من قيام الدول المختلفة، وما ينشأ عن ذلك من الدول ومراتبها. ولما كان التاريخ مرآة للأمم، فهو يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها ، وتستلهم من خلاله مستقبلها، كان من الأهمية بمكان الاهتمام به، والحفاظ عليه، ونقله إلى الأجيال نقلاً صحيحاً، بحيث يكون نبراساً وهادياً لهم في حاضرهم ومستقبلهم. فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، إذ به قوام الأمم، تحيى بوجوده، وتموت بانعدامه.
ولدراسة التاريخ أهمية في حياة الأمم عموماً، وحياة المسلمين خصوصاً: فالتاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ. والتاريخ الموثق يُمكِّن من خلاله معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها، والتاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ، إذ عن طريقه، ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر، ويعين على معرفة حال الأمم والشعوب، من حيث القوة والضعف، والعلم والجهل، والنشاط والركود، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها. والتاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (الأنعام:11).
وفي دراسة التاريخ استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة، التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا. وفيها شحذ للهمم، وبعث للروح من جديد، وتنافس في الخير والصلاح والعطاء. والتاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتركت صفحات بيضاء ناصعة، لا تُنسى على مر الأيام والسنين. ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين، والحذر من المزالق التي تم الوقوع فيها عبر التاريخ، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ». وقد يكون تعلم التاريخ فرضا على الكفاية كتعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما صح من سير الأنبياء والصحابة ورجال الحديث. ونظراً لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء الأمة الاسلامية إلى تحريف تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أفسد كثيراً من الحقائق، وقلب كثيراً من الوقائع، وأقاموا تاريخاً يوافق أغراضهم، ويخدم مآربهم، ويحقق ما يصبون إليه.
أيها المسلمون
والقرآن الكريم لا يفتأ يحض المسلم على السير في الأرض، والنظر والاعتبار والتدبر والتأمل، ودراسة التاريخ، ويدفعه إلى إعمال عقله، وإجالة فكره، ويدله على الوسائل التي تعينه على ذلك، والقرآن الكريم ليس كتاب تاريخ، لكنه قدَّم وقائع تاريخية ثابتة لا ريب في صحتها، ولم يعرض هذه الأحداث إلا لتتلمس البشرية فيها الرشد والهدى والصلاح، وهو المقصد الأسمى والهدف الأعلى من عرض القرآن لبعض الوقائع، وتبقى الكلمة الأخيرة التي ألقاها القرآن من خلال عرضه لبعض الوقائع، أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للتقوى، والتمكين للمؤمنين لا لغيرهم، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥]. والله عز وجل لم يترك أمر أهميَّة التاريخ في كتابه للاستنباط غير المباشر؛ إنما كانت له أوامر صريحة بدراسة التاريخ، بحيث لا يترك للمؤمنين مجالًا للتكاسل، فقال تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 176]، ولم يكن القرآن يذكر قصص السابقين بكل تفاصيله، بل يصطفي الله تعالى ما ينفع الأمة من الأحداث التي تحقق فلسفة التاريخ، وهدفها ربط الواقع بالتاريخ، والاستفادة منه عقدياً وسلوكياً واجتماعياً ،مع ربط هذا كله بالحنيفية التي رفع شعارها إبراهيم (عليه السلام) وورث لواءها المسلمون كما قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ} [الأنعام: ١١]، وقال: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [النمل: 69]. وقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} الروم: ٩
أيها المسلمون
إنها دعوة وصرخة لكل مسلم: (اعرف تاريخك أيها المسلم وافتخر)، فبسبب عدم دراسة المسلم العربي لتاريخه، أصبح متألما مما ألم به من انكسار وهوان في القرن العشرين وما تلاه. وقد أصابه هذا الداء – داء الهزيمة النفسية – بضياع كامل، ضياع في الهوية، والتاريخ، والواقع، والمستقبل، وأمسى العربي وأصبح لا هم له ولا هدف إلا النظر بانبهار وذهول ، للتقدم المذهل الذي حظي به العالم الغربي اليوم، والعربي المسلم اليوم يجهل حقيقة ماضيه وتاريخه المشرق بالعلم والإيمان معا، لقد مرت قرون على أمتنا العربية والإسلامية وقد كانت الأمة الرائدة في مجالي العلم والإيمان، وكانت بقية الأمم تتتلمذ على يدها وتنهل من خيراتها العميمة، ولكن عز اليوم على العالم الغربي أن يعترف بالحقيقة، فيعترف بالفضل لأصحابه الحقيقيين، والذين كانوا وراء نهضته ونجاحه. لقد مارس العالم الغربي بالأمس واليوم، سلسلة من السرقات الفظيعة والشائنة بحق كثير من المنجزات العربية، وظل يمارس سياسة التعتيم والمكابرة تجاه الحقيقة الغائبة، وهناك الكثير الكثير من المخترعات والمنجزات العربية، في الطب، والصيدلة، والكيمياء، والفيزياء، والحساب، والفلك وغيرها، قد طمره التاريخ بالنسيان، وُنسب الكثير منه لغير أصحابه الحقيقيين، تقول المستشرقة الألمانية (زغريد هونكه): (إن إنجازات علماء العرب من أطباء ، وكيمائيين، ورياضيين، وفلكيين، كل هذا هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قروناً، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، لقد شق على الغرب دائماً أن يعترف بالأحقية العربية في الوضع والتأليف والابتكار ، وظل حتى عهد ليس بالبعيد يبذل كل طاقاته لدفع ذلك وتفنيده)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (المسلمون ودراسة التاريخ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يؤسف له أن كثيرا من أبناء المسلمين اليوم واقعون تحت تأثير الهزيمة النفسية والتي كانت بسبب الهزيمة الشاملة التي أصيب بها عالمنا الإسلامي والعربي، هزيمة طالت كافة المجالات، الفكرية منها، والعلمية، والاقتصادية، والسياسية، والروحية، إن شبيبة اليوم، ينظرون لماضيهم بعين السخط والازدراء والكراهية، وينظرون إلى الغرب بعين الإكبار والإجلال والتعظيم، فصار لدينا جيل، مقطوع من جذوره، فلا هو ينتمي حقيقة إلى أمة عظيمة (أمته الإسلامية)، ولا هو صار من أمة قوية عظيمة (الأمة الغربية)،
فالشباب العربي المسلم اليوم صار كالمنقطع الذي لا أصل له، ولا جذر، ولا ثمر طيب، فتراه يروح يمينا ويغدوا شمالا، يقتات من بقايا الفتات المتناثر من مائدة الغرب، ويدع الوليمة الدسمة الغنية التي بين يديه،
فاعلم أيها المسلم أن لنا تاريخا وماض عظيما، نستلهم منه القوة والعزة وبداية الانطلاق ، ذلك الماضي الذي يحاول بعض أبنائنا أن يدفنه ويهيل عليه التراب، لأنه مهزوم في أعماقه ، مأسور ببريق أمة ليست بأمته، ولذلك كان من الأهمية بمكان أن يدرس المسلم تاريخه، ليستعيد أمجاده، ويصنع حضارته، ويستعيد ماضيه، ويسترد مجده السليب.
الدعاء