خطبة حول حديث (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ)
سبتمبر 3, 2023خطبة عن (رَحْمَةً لِلْعَالَمِين)
سبتمبر 5, 2023الخطبة الأولى : المهانون ( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (18) الحج.
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،نتلوها، ونتفهم معانيها ،ونتدبر مراميها ،ونسبح في بحارها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ،وسوف يكون حديثنا مقصورا على قوله تعالى 🙁وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، فهذه العبارة الكريمة تبين لنا سنة من سنن الله في خلقه ،وهي أن المهانين في الدنيا والآخرة هم من أهانهم الله تعالى ،وجعل ألسنة الخلق تتكلم عنهم بالسوء والطعن ,فلو حاول كل من في الأرض محاباة شخص ومدحه ،وتجميل صورته نفاقاً ورياءً ،وأراد الله تعالى له الإهانة والصغار ,فلن يستطيع أحد أن يعز من أذله الله ,أو إكرام من أراد الله تعالى له الإهانة ,أو إسعاد من أشقاه الله, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ،قَالَ :(كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وسلم ،يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلأَمُ ، إني اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ،احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ،إذا سَأَلْتَ ،فَاسْأَلِ اللَّهَ ،وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ،وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء ،لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ،وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء ،لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقلام ،وَجَفَّتِ الصُّحُفُ). أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني ،وقد ورد في كتب التاريخ أن ملكاً من ملوك وسلاطين الأندلس أراد أن يعدم عالماً عابداً ناسكاً ضاق ذرعاً منه، فكتب للجلاّد أن يقطع رأسه ،ومع ذلك فإن العالم الجليل سلّم أمره لله ،وذهب مع الجلاد ،ولكن قَبْل تنفيذ الجلاد الحكم عليه أن يقرأ كلمة (يُقتَل ) في أمر من الخليفة ،ولكنه وجدها (يُطلَقْ) فأخذ الورقة من جديد ليراجع الملك فيها ،فكتب الملك عليها وأعطاها إلى الجلاد الذي تابع طريقه لينفذ الحكم ،ليتفاجأ بأن الحكم كان (يُطلقْ) فأعاد الكرة إلا الملك والذي بدوره استمر في الخطأ ، إلى أنْ قال : والله لا أُنفذ الحكم ، فهذا أمر من الله , فمن أراد الله له أن يُطلق فلسوف يطلق , ولو اجتمعت السموات والأرض على أن يشنق) ،ولهذا فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الحور بعد الكور ؛أي من الكفر بعد الإيمان ،ومن المعصية بعد الطاعة ،ومن الذل بعد العز ,فعَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ : (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْر وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ” رواه مسلم” ، كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :” اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا ، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا ، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا ، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا ، وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا). أخرجه أحمد والتِّرْمِذِي أيها المسلمون
ولإهانة الله تعالى للعبد صور كثيرة ومتعددة : فمن إهانة الله للعبد في الدنيا أن تكتب له البغضاء في الأرض حتى ليبغضه الخلق والمخلوقات , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: (إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ ، وَإِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ). أخرجه البُخاري ومسلم ،وإهانة الله تعالى لمن كتب أن يهينه لا تكون في الدنيا فقط , بل تكون الإهانة الكبرى والفضيحة العظمى يوم القيامة , فمن إهانة الله تعالى في الآخرة حجب رؤيته تعالى عنهم يوم القيامة , قال الله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (105): (108) هود , وقال الله سبحانه : ” كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (14) :(17) المطففين.، قال صاحب “الكشاف” : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للمكرمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلا المهانون عندهم.
أيها المسلمون
وأما عن أسباب إهانة الله تعالى للعبد فهي كثيرة , وأذكر لكم منها : أولا : أصحاب المعاصي والسيئات : ، فأصحاب المعاصي والموبقات ، الذين لم يبادروا بالتوبة والأوبة إلى رب الأرض والسموات ، ولم يندموا على ما فات ، فهم مهانون بسبب أفعالهم وغفلتهم ، قال الله تعالى : ” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (82) غافر ،قال ابن عباس رضي الله عنه : إن للحسنة نورا في القلب وزينا في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة ظلمة في القلب وشينا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ، وقال الحسن ما عصى الله عبد إلا أذله الله ، وقال المعتمر بن سليمان : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته ، وقال الحسن : هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم ، ومن وصايا أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه :” إِنَّ أَشَدَّ الشِّدَّةِ الْقِيَامُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ أَكْرَمَ الْكَرَمِ عِنْدَ اللهِ التَّقْوَى، وَإِنَّ مَنْ طَلَبَ الْعِزَّ بِطَاعَةِ اللهِ رَفَعَهُ وَأَعَزَّهُ، وَمَنْ طَلَبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَذَلَّهُ اللهُ وَوَضَعَهُ). البيهقي شعب الإيمان ، فمن طلب العز بطاعة الله رفعه الله، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه.
ثانيا : والمهانون : هم المخالفون لتعاليم الإسلام : فالذي يخالف تعاليم الاسلام ،ولا يرضى به منهجا وسلوكا ،وتشريعا صالحا لكل زمان ومكان , ويبحث عن العزة والسعادة والفلاح في غيره ؛ فإنه لن يحصد في النهاية إلا الذل والصغار , قال الله تعالى : “وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (55): (61) الزمر . وقال الله تعالى :” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (125) الأنعام ،وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ). أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود ،ولَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الشَّامَ ؛ لَقِيَهُ الْجُنُودُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَخُفَّانِ وَعِمَامَةٌ ، وَهُوَ آخِذٌ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ يَخُوضُ الْمَاءَ ، وَقَدْ خَلَعَ خُفَّيْهِ وَجَعَلَهُمَا تَحْتَ إِبْطَيْهِ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! الْآنَ تَلْقَاكَ الْجُنُودُ وَبَطَارِقَةُ الشَّامِ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ! فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :(لقد أعزنا الله بالإسلام، فمن أراد العزة في غيره أذله الله) رواه ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم ،
ثالثا : المهانون هم المتكبرون على الحق : قال الله تعالى : ” كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) (12) :(15) ص .
وقال الله تعالى: ” كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (4) :(8) الحاقة .، قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: (من تكبر عن الانقياد للحق أذله الله ووضعه وصغره وحقره ومن تكبر عن الانقياد للحق ولو جاءه على يد صغير أو من يبغضه أو يعاديه فإنما تكبره على الله فإن الله هو الحق). ، وقال الحسن رضي الله عنه : إنما الناس بين ثلاثة نفر مؤمن ومنافق وكافر فأما المؤمن فعامل بطاعة الله عز و جل وأما الكافر فقد أذله الله تعالى كما رأيتم وأما المنافق فههنا في الحجر والبيوت والطرق نعوذ بالله والله ما عرفوا ربهم بل عرفوا إنكارهم لربهم بأعمالهم الخبيثة ظهر الجفا وقل العلم وتركت السنة ). الفريابي : صفة المنافق
رابعا : المهانون هم المتعالون على الخلق : فمن تكبر أذله الله ومن تواضع لله رفعه والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بإقدامهم .قال تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83) القصص .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ ِللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ). رواه مسلم ،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ) رواه مسلم ، وعنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم , أَنَّهُ قَالَ :مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ , وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ , أَذَلَّهُ الله , عَزَّ وَجَلَّ , عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .أخرجه أحمد ،
خامسا : ومن المهانين : أهل الظلم والجور : قال الله تعالى :” فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (165) ، (166) الأعراف .،وقال الله تعالى : ” وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (13) ،(14) يونس.
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي ، إمام ظلوم غشوم ، وكل غال مارق ” “السلسلة الصحيحة” ،في سنة سبع عشرة جيء إلى عمر بالهرمزان ملك الأهواز أسيرا ومعه وفد فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس فلما وصلوا به إلى المدينة ألبسوه كسوته من الديباج المذهب ووضعوا على رأسه تاجه وهو مكلل بالياقوت ليراه عمر والمسلمون على هيئته التي يكون عليها في ملكه فطلبوا عمر فلم يجدوه فسألوا عنه فقيل هو في المسجد فأتوه فإذا هو نائم فجلسوا دونه فقال الهرمزان أين هو عمر قالوا هو ذا قال فأين حرسه وحجابه قالوا ليس له حارس ولا حاجب فنظر الهرمزان إلى عمر وقال عدلت فأمنت فنمت) ،
سادسا : ومن المهانين : الذين يعبدون الأموال والمناصب : قال الله تعالى 🙁 فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (44) الأنعام .، وَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ في الْحِرَاسَةِ ، وَإِنْ كَانَ في السَّاقَةِ كَانَ في السَّاقَةِ ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ ) رواه البخاري
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد حكى لنا القرآن الكريم قصة قارون الذي تكبر بماله , وكيف أهانه الله تعالى وأخزاه أمام أعين الناس جميعا , قال الله تعالى :” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (76) :(82) القصص .، وعنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ، قَالَ : الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ). أخرجه مسلم ، وقال الحسن والله ما أعز الدرهم أحد إلا أذله الله وقيل إن أول ما ضرب الدينار والدرهم رفعهما إبليس ثم وضعهما على جبهته ثم قبلهما وقال من أحبكما فهو عبدي حقا . ،كما حكى لنا القرآن عن قصة فرعون وهامان ومن كان على شاكلتهما ممن تكبر بجاهه وسلطانه وملكه ,قال الله تعالى : ” وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (39)، (40) العنكبوت . ،
وروي أن أبرهة بن الصباح الأشرم لما ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج وحلف أن يهدم الكعبة، فخرج بالحبشة ومعه فيل له اسمه محمود وكان قوياً عظيماً وأفيال أخرى، فخرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبأ جيشه، وقدم الفيل فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل اللّه طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا وهلكوا في كل طريق ومنهل، وذوى أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم، وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي، فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه، وقد أخبر اللّه عن حال هؤلاء في سورة الفيل ,قال تعالى : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (1) :(5) الفيل .
الدعاء