خطبة عن إضاعة الصلاة وقوله تعالى ( أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)
أبريل 5, 2025خطبة عن (المِنْحَةُ في ثوب المِحْنَةِ)
أبريل 6, 2025الخطبة الأولى (المُناجاةُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) غافر، وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) (55) الأعراف.
إخوة الإسلام
لقد غرس الله تعالى في داخل كل إنسان فطرة نقية، تدلُّه على وجود الخالق سبحانه، وتدله على افتقاره إليه، وأنه مضطر إلى مناداته ومناجاته وعبادته، وخاصة إذا اصابه الضر، أو تعرض للموت والهلاك، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} الاسراء:67، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} يونس:22،
فالإنسان تمر به لحظات ومواقف، يخرج من داخله نداء الفطرة، فيدعو ربه، ويناديه ويناجيه، فمناجاةُ العبدِ ربَّه أرفعُ درجاتِ العبوديةِ، وهي أجلُّها عندِ اللهِ قدْرًا؛ حين يتقرَّبُ العبدُ إليه بأحبِّ شيءٍ إليه؛ من تضرُّعٍ في دعائِه، ومناجاته، والتوسل إليه،
فالمناجاةُ هي حديثُ الروحٍ لربِّها؛ يَفيضُ بها القلبُ قبلَ اللسانِ، والمناجاة سرٌّ خفيٌّ بين العبدِ وربِّه؛ يُخاطِبُ فيها العبدُ الفقيرُ مولاه الغني القديرَ، وهو موقن بأن الله تعالى قريبٌ منه ؛يسمعُ سرَّه ونجواه، ويرى مكانَه، ويعلمُ حالَه، ومن رحمة الله تعالى أنْ جعلَ شرفَ مناجاتِه متاحًا لكلِّ طالبٍ متى شاءَ؛ لا يَحولُ بينَه وبينَ ربِّه أحدٌ، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]. وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِىي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».
ومناجاةُ العبد ربه هي أبلغُ حالٍ للعبدِ يراه اللهُ عليه، ولذلك كان مقامُها أخصّ مقامِ للقُرْبِ منه، كما قال تعالى عن نبيِّه موسى (عليه السلامُ): {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]. ومناجاةُ العبدِ ربَّه من أوجبِ سُبلِ رضاه، قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:83،84].قال ابنُ رجبٍ : (فدلَّ على أنَّ المسارعةَ إلى مناجاةِ اللهِ تُوجِبُ رضاه)،
ومناجاةُ العبدِ ربَّه من أعظمِ أسبابِ الأُنسِ والرَّاحةِ، قال بعضُ السَّلفِ: (إذا صحَّتِ المناجاةُ بالقلوبِ استراحتِ الجوارحُ)، وتلك المناجاةُ هي مِعراجٌ موصِلٌ لمقامِ الإحسانِ، وهو أرفعُ مقاماتِ الدِّينِ، وهي تُكسِبُ القلبَ صفاءً لا تكدِّرُه شُبَهُ الشيطانِ ووساوسُه، قال السُّرِيُّ السَّقَطِيُّ: (مَن اشتغلَ بمناجاةِ اللهِ أورثتْهُ حلاوةُ ذكرِ اللهِ تعالى- مرارةَ ما يُلقي إليه الشيطانُ) بلْ إنَّ المناجاةَ هي مَنْجَمُ خيرٍ مُعجَّلٌ لا تَنقطعُ بركتُه، قال أحد الصالحين: (مَن أرادَ تعجيلَ النِّعمِ؛ فلْيُكثِرْ من مناجاةِ الخلوةِ).
أيها المسلمون
ومن أعظم مواطنِ المناجاةِ: الصلاة، ووقوف العبد بين يدي ربِّه؛ وذلك لِمَا يَجتمعُ فيها من أصولِ المناجاةِ؛ ذِكرًا، ودعاءً، وتلاوةً للقرآنِ، وفي صحيح البخاري: (قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ»، وفي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي – وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي – فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ».
وأرفعُ درجاتِ المناجاةِ: أنْ يُكرِمَ اللهُ عبده ببلوغِ منزلةِ التَّلذُّذِ بحلاوةِ تلك المناجاةِ، وذوْقِ طعمِ الافتقارِ إليه، وتيقُّنِ الإفلاسِ ممَّا سواه؛ فتلك اللذةُ هي أعظمُ لذاتِ الدنيا على الإطلاقِ، قال الحسنُ البصريُّ: (إنَّ احباءَ اللهِ همُ الذين وَرِثوا أطيبَ الحياةِ، بما وَصلوا إِلَيْهِ من مناجاةِ حبيبِهم، وبما وجدوا من لذَّة حبِّه في قلوبِهم) ،وقَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: (مَا تَلَذَّذَ الْمُتَلَذِّذُونَ بِمِثْلِ الْخَلْوَةِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ – وَالْأُنْسِ بِمَحَبَّتِهِ).
ومن سبيل الوصولِ إلى بلوغِ لذَّةِ المناجاةِ: دوامُ الإلحاحِ على اللهِ بطلبِها، ومجاهدةُ النفسِ للظَّفرِ بها، والإتيانُ بآدابِها؛ من المبادرةِ إليها، وحضورِ القلبِ فيها، واستشعارِ قُرْبِ اللهِ ومخاطبتِه، وخفضِ الصوتِ في مناجاتِه، وتقديمِ الصدقةِ بين يديها، والاستعدادِ لها بالتطهرِ والتجملِ بأحسنِ الحالِ واللباسِ، والحرصِ على الخلوةِ باللهِ في عبادةِ السِّرِّ، والحذرِ من إفشاءِ سرِّها للناسِ، والإعجابِ بها.
أيها المسلمون
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجى ربه ليلاً ونهاراً، وكان يعلم أصحابه كيف يناجي أحدهم ربه، لأن المناجاة هي لحظات الصفاء التي يأنس فيها العبد بربه، فتسمو الروح، ويشرق القلب، وتترقق الأحاسيس والمشاعر، وتشعر النفس بلذة، لو علمها الملوك –كما قال أحدهم – لقاتلونا عليها، ومما جاء في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم ربه: أنه حينما عاد صلى الله عليه وسلم من رحلة الطائف إلى مكة، وقد تجرع الشدائد، صابرا محتسبا، فناجى ربه، مستمدا منه العون والتأييد، فقال في مناجاته: (اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا ربّ العالمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت أرحم الرّاحمين، وأنت ربّي..إلى مَن تكلني، إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم عدوٍّ ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي. غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلُح عليه أمر الدّنيا والآخرة، أن يحلَّ عليّ غضبك ،أو أن ينزل بي سخطك، لك العُتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك) (سيرة ابن هشام) ،وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ». وفي صحيح مسلم: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». وفي الصحيحين: (كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، وفيهما: (كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ». وفي صحيح مسلم: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». وفيه أيضا: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ». وفي سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو «رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ ذَاكِرًا لَكَ رَاهِبًا لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي».
أيها المسلمون
واخترت لكم بعض مناجاة الصالحين، وعبرات المخلصين، ودعوات المقربين، ومنها قولهم: (اللهم تمّ نورُك فهديتَ فلَكَ الحمدُ، عظُمَ حِلمُكَ فعفوتَ فلَكَ الحمدُ، بَسطتَّ يدَك فأعطيتَ فلَكَ الحمدُ، ربَّنا وجهُك أكرمُ الوجُوهِ، وجاهُك أعظمُ الجاه، وعطيّتُك أفضلُ العطيّة وأهناها. تُطاعُ ربَّنا فتَشكرُ، فلكَ الحمدُ، وتُعْصَى ربَّنا فتَغفرُ، فلكَ الحمدُ، وتُجيبُ المُضطَرَّ، وتَكشِفُ الضُّرَّ، وتَشفي السقم، وتَغفرُ الذنبَ، وتقبلُ التوبةَ، ولا يجزِي بآلائِك أحدٌ، ولا يَبلغ مِدحتَك قولُ قائِلٍ). (اللهم أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأنصر من ابتُغي، وأرأف من مَلَك، وأجود من سُئل، وأوسع مَن أعطى. أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهَك. لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتُعصى فتغفر. أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حُلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال. القلوب لك مُفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم)0(اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذل جسده، ورغم لك أنفه)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (المُناجاةُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن مناجاة الصالحين: (إلهِي إنْ كانَ قَلَّ زادِي فِي الْمَسِيرِ إلَيْكَ، فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنِّي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ جُرْمِي قَدْ أَخافَنِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَإنَّ رَجآئِي قَدْ أَشْعَرَنِي بِالأَمْنِ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَإنْ كانَ ذَنْبِي قَدْ عَرَّضَنِي لِعِقابِكَ، فَقَدْ آذَنَنِي حُسْنُ ثِقَتِي بِثَوابِكَ، وَإنْ أَنامَتْنِي الْغَفْلَةُ عَنِ الاسْتِعْدادِ لِلِقآئِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْنِي الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِكَ وَآلائِكَ، وَإنْ أَوْحَشَ ما بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ، فَقَدْ آنَسَنِي بُشْرَى الْغُفْرانِ وَالرِّضْوانِ، أَسْأَلُكَ بِسُبُحاتِ وَجْهِكَ وَبِأَنْوارِ قُدْسِكَ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْكَ بِعَوَاطِفِ رَحمَتِكَ وَلَطائِفِ بِرِّكَ، أَنْ تُحَقِّقَ ظَنِّي بِما أُؤمِّلُهُ مِنْ جَزِيلِ إكْرامِكَ، وَجَمِيلِ إنْعامِكَ فِي الْقُرْبى مِنْكَ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ، وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ، وَها أَنَا مُتَعَرِّضٌ لِنَفَحاتِ رَوْحِكَ وَعَطْفِكَ، وَمُنْتَجِعٌ غَيْثَ جُودِكَ وَلُطْفِكَ، فَارٌّ مِنْ سَخَطِكَ إلى رِضاكَ، هارِبٌ مِنْكَ إلَيْكَ، راج أَحْسَنَ ما لَدَيْكَ مُعَوِّلٌ عَلى مَواهِبِكَ، مُفْتَقِرٌ إلى رِعايَتِكَ. إلهِي ما بَدَأْتَ بِهِ مِنْ فَضْلِكَ فَتَمِّمْهُ، وَما وَهَبْتَ لِي مِنْ كَرَمِكَ فَلا تَسْلُبْهُ، وَما سَتَرْتَهُ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ فَلا تَهْتِكْهُ، وَما عَلِمْتَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِي فَاغْفِرْهُ). (إلهِي اسْتَشْفَعْتُ بِكَ إلَيْكَ وَاسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْكَ أَتَيْتُكَ طامِعَاً فِي إحْسانِكَ، راغِباً فِي امْتِنانِكَ، مُسْتَسْقِياً وابِلَ طَوْلِكَ، مُسْتَمْطِراً غَمامَ فَضْلِكَ، طالِباً مَرْضاتِكَ مُرِيداً وَجْهَكَ، طارِقاً بابَكَ، مُسْتَكِيناً لِعَظَمَتِكَ وَجَلالِكَ). (يا مَن أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، يا منتهى كل شكوى، يا كريم الصَفح، يا عظيم المنّ، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها، يا ربنا ويا سيدنا، ويا مولانا، ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تَشوي خلقي بالنار). (يا أرحم الراحمين، يا صاحبي عند شدتي، يا مؤنسي في وحدتي، يا حافظي في نعمتي، يا ولييّ في نفسي، يا كاشف كربتي، يا مستمعَ دعوتي، يا راحمَ عبرتي، يا مقيلَ عثرتي، يا إلهي بالتحقيق، يا ركني الوثيق. يا مولاي الشفيق، يا رب البيت العتيق.. يا فارج الهم، وكاشفَ الغم، ويا منزل القطر، ويا مجيبَ دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.. يا كاشفَ كلِّ ضرٍ وبلية، ويا عالم كُلِّ خَفِيّة، يا أرحم الراحمين). (يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل، وأشرق عليه النهار، اجعل خير عمري آخره). (اللهم اجعلنا من الذين يقولون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون، ويقبلون فينعمون، وينعمون، وينعمون فيشاهدون برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا عيبا إلا أصلحته، ولا حاجة لنا من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا يسرتها وقضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب).
الدعاء