خطبة عن (المرور على الصراط يوم القيامة)
أبريل 12, 2016خطبة عن (قوم نبي الله صالح يقتلون الناقة فيحل بهم العذاب)
أبريل 12, 2016الخطبة الأولى عن ( صفة النار وعذابها وأهلها والاعمال الموصلة إليها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (24) البقرة ، وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (39) البقرة، وقال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) (145) النساء ، وفي صحيح مسلم : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ». وفي صحيح البخاري : ( أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا ، فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِى الصَّيْفِ ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِى الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ »، وفيه أيضا : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ » . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً . قَالَ « فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا ، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا »
إخوة الإسلام
النار (أعاذنا الله منها ): هي الدار التي أعدها الله للكافرين به، والمتمردين على شرعه، والمكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين. النار هي الخزي الأكبر، والخسران العظيم، الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه، قال تعالى (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) آل عمران: 192 ،وقال سبحانه (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 63 ، وقال جل وعلا( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الزمر: 15 ، وكيف لا تكون النار كما وصفها الحق تبارك وتعالى ، وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن تسطيره أقلامنا، وعن وصفه ألسنتنا، وهي مع ذلك خالدة وأهلها فيها خالدون، ولذلك فإن الحق أطال في ذم مقام أهل النار في النار ،فقال وقوله الحق(إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) [الفرقان65: 66] ، ويقول سبحانه (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ) ص: 55 – 56 ، ويقوم على النار ملائكة، خلقهم عظيم، وبأسهم شديد، لا يعصون الله الذي خلقهم، ويفعلون ما يؤمرون، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم: 6 . وعدتهم تسعة عشر ملكاً، كما قال تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) المدثر: 26 – 30 وقد فتن الكفار بهذا العدد، فقد ظنوا أنه يمكن التغلب على هذا العدد القليل، وغاب عنهم أن الواحد من هؤلاء يملك من القوة ما يواجه به البشر جميعاً، ولذلك عقب الحق على ما سبق بقوله: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) المدثر: 31 ،والنار أعاذنا الله منها هي شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، والذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكون ضرسه في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة، فقال تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق: 30 ، ومما يدل على بعد قعرها أيضاً أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « تَدْرُونَ مَا هَذَا ». قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ». والنار متفاوتة في شدة حرها، وما أعده الله من العذاب لأهلها، فليست درجة واحدة، وقد قال الحق تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) النساء: 145 ،وأخبر الحق تبارك وتعالى أن للنار سبعة أبواب كما قال تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) الحجر: 43 ، 44 ، وعندما يردُ الكفار النار تفتح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين ، قال تعالى :(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) الزمر: 71، ، وبعد هذا الإقرار يقال لهم: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) الزمر: 72 ، وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ) البلد: 19 – 20 ، أما عن وقود النار أعاذنا الله منها ومن شرها وحرها ، فوقودها الأحجار والفجرة الكفار ، كما قال الحق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم: 6 ،وقال تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) البقرة: 24 ، والمراد بالناس الذين توقد النار بهم هم الكفرة المشركون، وأما نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً فالله أعلم بحقيقتها ، ومما توقد به النار أيضا الآلهة التي كانت تعبد من دون الله ، قال تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ) الأنبياء: 98 – 99 ، أما عن شدة حرها وعظم دخانها وشرارها فقد قال الله تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) الواقعة: 41 – 44 ، وقد تضمنت هذه الآية السابقة ذكر ما يتبرد به الناس من الكرب والحر وهو ثلاثة: الماء والهواء والظل، وذكرت الآية أن هذه لا تغني عن أهل النار شيئاً، فهواء جهنم: السموم، وهو الريح الحارة الشديدة الحر، وماؤها: الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها: اليحموم وهو قطع دخانها. وقال الحق مبيناً قوة هذه النار، ومدى تأثيرها في المعذبين: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) المدثر: 26-29 ، نعم إنها تأكل كل شيء، وتدمر كل شيء، لا تبقي ولا تذر، تحرق الجلود، وتصل إلى العظام، وتصهر ما في البطون، وتطلع على الأفئدة.وقد أخبرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ » . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً . قَالَ « فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا ، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا ») رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، وفي لفظ مسلم: ” ناركم التي يوقد ابن آدم..”. ومن أعظم عذاب أهل النار حجابهم عن ربهم – سبحانه وتعالى -، قال سبحانه: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} المطففين 15 : 17 ،وقال تعالى في أحوالهم (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ . فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) .وقال سبحانه (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ . وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) الحج 19 : 21
أيها المسلمون
وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمان، ومرور الأيام ، قال تعالى :(فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) النبأ: 30 ،وقال تعالى (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) الإسراء: 97 ، ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة، ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب: (فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) البقرة: 86 . والنار تسعر كل يوم كما في الحديث في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ » ،وتُسعرُ النار في يوم القيامة عندما تستقبل أهلها ، قال تعالى (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) التكوير: 12، ومعنى سُعِّرت: أوقدت، وأحميت. والنار تتكلم وتبصر ، وتتغيظ ، وتغضب ، فالذي يقرأ النصوص من الكتاب والسنة التي تصف النار يجدها مخلوقاً يبصر، ويتكلم، ويشتكي ،قال تعالى: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) الفرقان: 12 ، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: ” إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ ،فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك، فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف “. وقد خرج الإمام أحمد والترمذي واللفظ له (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّى وُكِّلْتُ بِثَلاَثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ ») ” وصححه الترمذي ،والنار خالدة لا تفنى ولا تبيد، كما قال الطحاوي في عقيدته: ” والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولا تبيدان “، وأهل النار الخالدون فيها الذين لا يرحلون ولا يبيدون – هم الكفرة والمشركون. قال تعالى(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الأعراف: 36 ، وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، ثُمَّ يُنَادِى يَا أَهْلَ النَّارِ ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ ، خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ) ،هذه هي النار وذاك عذابها ، فمن هم أهلها وأصحابها وسكانها؟ ، أولهم الدعاة إلى النار من أصحاب المبادئ الضالة، والمذاهب الباطلة المخالفون لشرع الله، هؤلاء الدعاة المؤمنون بباطلهم هم دعاة النار، قال تعالى (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) البقرة: 221 ،( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) القصص: 41 ، ومن هؤلاء الدعاة إلى الباطل الشيطان ، قال تعالى (أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) لقمان: 21 ،وقال سبحانه (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فاطر: 6 ،وهؤلاء الدعاة والذين يدعون إلى النار في الدنيا يقودون أقوامهم وأتباعهم إلى النار في الآخرة، ففرعون مثلاً(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) هود: 98 ،وكل قادة الشر الذين يدعون إلى عقائد ومبادئ مخالفة للإسلام هم دعاة إلى النار،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (النار وعذابها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهل النار وأصحابها المكذبون بيوم الدين: قال الله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) الفرقان 11 ، وأيضا عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين وترك الالتزام بالضوابط الشرعية، هم من أهل النار فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن أهل الجنة يسألون أهل النار قائلين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) المدثر: 42 ، فيجيبون قائلين: (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) المدثر: 43-47 ، ومن بين الأعمال التي تورد صاحبها النار طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين. قال تعالى في هؤلاء: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) فصلت 25 ،ومن أعمال وأحوال أهل النار النفاق: فقد وعد الله المنافقين النار، وهو وعد قطعه على نفسه لا يخلفه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) التوبة: 68 ، ومن أعمال وأحوال أهل النار الكبر: وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الأعراف: 36 ، وفي صحيح البخاري (« اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا فَقَالَتِ الْجَنَّةُ يَا رَبِّ مَا لَهَا لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ . وَقَالَتِ النَّارُ – يَعْنِى – أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي . وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا) ، وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن حارثة بن وهب، قال: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ » ) وفي رواية لمسلم: « كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ». ومصداق هذا في كتاب الله تبارك وتعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) الزمر: 60 وقوله: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف: 20 وعلى الاجمال فإن عمل أهل النار: (الإشراك بالله تعالى، والتكذيب للرسل، والكفر، والحسد، والكذب، والخيانة، والظلم، والفواحش، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض الله، واعتداء حدوده، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، والعمل رياءً وسمعة، ومخالفة الكتاب والسنة، أي اعتقاداً وعملاً، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب للباطل، واستهزاء بآيات الله، وجحد الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم وشهادة، والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات “. وهناك أشخاص بأعيانهم ذكروا بأنهم من أهل النار منهم فرعون موسى، قال تعالى اخبارا عن فرعون (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) هود 98 ، ومنهم امرأة نوح وامرأة لوط، قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم: 10، ومنهم أبو لهب وامرأته ، قال تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد] ،ومنهم عمرو بن عامر الخزاعي، ففي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم « إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَعَبَدَ الأَصْنَامَ أَبُو خُزَاعَةَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَإِنِّي رَأَيْتُهُ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ فِي النَّارِ ».) ، ومنهم الذي قتل عمار وسلبه، ففي معجم الطبراني بإسناد صحيح عن عمرو بن العاص وعن ابنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” قاتل عمار وسالبه في النار “.
الدعاء