خطبة عن خلق الإيثار ،وحديث ( قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ )
أكتوبر 31, 2023خطبة عن (إنما النصر صبر ساعة)
نوفمبر 1, 2023الخطبة الأولى (النصر للمؤمنين وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ »
إخوة الإسلام
المتدبر لهذا الحديث النبوي الكريم يتبين له أن الرسول صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يربي أصحابه على الصبر على البلاء قبل النصر، فالرسل وأتباعهم يُبْتلون، ثم تكون لهم العاقبة، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (يوسف:110)، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
فالرسول صلى الله عليه وسلم يربي الصحابة ـ وأمته من بعده ـ على الصبر والثبات وعدم استعجال والتمكين، والتأسي بالسابقين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، الذين تحملوا الأذى في سبيل الله، فالابتلاء والمحن، سنة من سنن الله في خَلقه، ففي سنن الترمذي وغيره: (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »، ومن ثم فلا ينبغي للمسلم أن يضعف إذا ما عانى شيئا من المشقة والابتلاء، في طريق سيره ودعوته إلى الله، فقد سبقه في ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، فلا يستعجل الثمرات والنتائج، وليعلم أنه كلما اشتد الظلام أوْشك طلوع الفجر، وكلما ازدادت المحن والابتلاءات، قرب مجيء النصر، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } (البقرة:214)
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )، فالنفس البشرية مولعة بحب العاجل؛ والإنسان عجول بطبعه، قال الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]. فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسيًا أنَّ لله في خلقه سننًا لا تتبدل، وأنَّ لكل أجل كتاب، فالله تبارك وتعالى لا يعجل بعجلة أحدنا، قال عبد الله بن مسعود :(كلُّ ما هو آتٍ قريبٌ، لا بُعدَ لِما هو آتٍ، يُريدُ اللهُ أمرًا، ويُريدُ الناسُ أمرًا، ما شاء اللهُ كان ولو كَرِهَ الناسُ، ولا مُبعِّدَ لمَّا قرَّب اللهُ، ولا مُقرِّبَ لمَّا بعَّد اللهُ، لا يكونُ شيءٌ إلَّا بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ)، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»،
(وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )، فالواقع يؤكد ذلك، فنحن نستعجل قطف الثمرة قبل نضجها، ونستعجل النصر قبل أن ننصر الله، ونستعجل التمكين ولم نُحقق الإيمان، ونستعجل نصر الله ولم ننصر دينه، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، فالعجلة تجلب على صاحبها المتاعب؛ لذلك، ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا، وعدم العجلة في طلب الأشياء، والتمهل في تحصيلها. والله تعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (طـه:114). فإذا كان هذا في تلقي القرآن، فإن التأني يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها.
(وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )، أنتم تستعجلون النصر على الأعداء، والنصر قد لا يكون في التو واللحظة، فقد جاء في قوله تعالى: (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا): كان بينهما أربعون سنة.. وقال مرزوق العجلي: دعوت ربي في حاجة عشرين سنة، فلم يقضِها لي، ولم أيأس منها، فالنّصر آتٍ، ولكن لا تنسون أن لله سننا لا تتخلف، وقدراً مكتوباً لا يتأخر، فالنصر مع الصبر. ولا تظنون أن النصر منحة سهلة مبذولة لكل أحد، أو أن الفتح شأن قريب يطوله كل من مدّ يده، فلا يأتي النصر إلا بعد أن يغربل الصف، ويتميز الصادقون، ويُنفى عن الطريق كل فسل خَرِب القلب؛ يشوّه بناء الأمة الصقيل، وبناء الأمة لا يقبل الخبث، قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179) آل عمران
(وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )، فلا تستعجلون النصر، فقد تكون هناك بقية مع أهل الطغيان، سيأتي الله بهم، ويهديهم، ويكونون من أهل الصدق والبلاء الحسن، ولو تم ما تعجلتم به لما كان ذلك، ففي سنن الترمذي: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ «اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ ». قَالَ فَنَزَلَتْ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (128) آل عمران، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَسْلَمُوا فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُمْ.
(وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )، فتطمعون في نصر قريب سهل، يذبل في نفوسكم وهجُه، فيسهل عليكم تضييعه، والنفوس مجبولة على الضِّنة بكل أمر تعبت في تحصيله، وبذلت جَهدها في بلوغه، أما الكسب السريع الميسور، فيهون إفلاته ولا يشق تضييعه. فلا تبغون نصرا وفتحاً لم تطهره الدماء والدموع، ولم تبذل فيه المهج والأموال.
أيها المسلمون
ولا تستعجلون إن تأخرت استجابة الدعاء، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» ،ولا تستعجلون إن تأخر النصر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد : 7]، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 47]، فعلينا أن نشغل أنفسنا بتحقيق الإيمان، ليتحقق لنا النصر والتمكين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (55): (57) النور، فلا تستعجلون إن اشتدت المحن، وكثرت الابتلاءات، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح : 5]، وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 155]، يقول (سيد قطب) رحمه الله: “والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله”.
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (النصر للمؤمنين وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها, ولم يتم بعد تمامها ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا .
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غالبا، لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله. وقد يبطئ النصر حتى تجرِّب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه. كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا، ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه! من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام. مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية
الدعاء