خطبة عن ( خلق التضحية ) 2
يوليو 17, 2021خطبة عن ( ابْن آدَمَ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ )
يوليو 24, 2021الخطبة الأولى ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ». فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُمْ : « قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ».
إخوة الإسلام
لقد دل القرآن الكريم في كثير من آياته ، وكذا الأحاديث الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثبات النفخ في الصور ، لبعث الخلائق يوم القيامة، ولا شبهة عند أهل الإسلام ، أن الله -سبحانه وتعالى- خلق قرناً ، ينفخ فيه ملك من الملائكة، وهذا القرن يسمى بالصور، على ما ذكر الله -تعالى- في كتابه في مواضع عدة ، وقد جعل الله -عز وجل- نفخ الملك في الصور علامة على انتهاء حياة الناس في أرضهم التي يعمرونها، وبداية أحداث ذلك اليوم الرهيب والعصيب وهو يوم القيامة، قال الله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) [ق: 20]. يقول العلَّامة السعدي رحمه الله تعالى: والصور : هو قَرْنٌ عَظيم، لا يَعلم عظمَتَه إلَّا خالقه، ومَن أطلَعَه اللهُ على عِلمه من خلقه، فيَنفخ فيه أحَد الملائكة المقرَّبين، وأحَدُ حمَلَة عرش الرحمن”؛ فأحداث يوم القيامة تبدأ بهذه النفخة، واضطراب أحوال الكون الذي عهده الناس، فقد انتهت المقاييس التي كانت في دنياهم، وانتهت قضية الأحساب وما كانوا يتفاخرون به، وتبدلت الأحوال غير الأحوال، قال الله تعالى : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (13) :(18) الحاقة ، وقال الله تعالى : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون: 101]. وقد ورد بأن النفخة والصعقة هذه ستكون يوم الجمعة، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ ». قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ. فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ ». والنفخ في الصور يكون على مرحلتين : المرحلة الأولى هي نفخة الصعق: وهي نفخة هائلة مدمرة ، يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشيء ، ولا يستطيع العودة إلى أهله وخلانه ؛ لأن النفخة إذا فاجأت الناس لا يكونون يتوقعونها، ولم يكن أحد ينتظرها، فأهل السوق في سوقهم، وأهل الخصام في خصامهم، وصاحب الإبل في إبله، وكل منصرف إلى شأنه، قد غفلوا عنها ، قال الله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) (48) :(50) يس ، وروى البخاري في صحيحه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا ، فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا »، وأما النفخة الثانية : فهي نفخة البعث : فإذا شاء الحق تبارك وتعالى إعادة العباد ، وإحياءهم ، أمر الملك فنفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى الأجساد ، ويقوم الناس لرب العالمين ، قال الله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (68) الزمر ، وقد وصف المولى جل وتعالى مشهد البعث وتعجب الموتى من ذلك فقال الله سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) (51) :(53) يس، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ » . قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ أَرْبَعُونَ شَهْرًا قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ . قَالَ « ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً . فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
أيها المسلمون
وفي الحديث المتقدم والذي تصدرت به هذه الخطبة ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ». قال القاضي – رحمه الله- : معناه كيف يطيب عيشي ،وقد قرب أن ينفخ في الصور ، فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه ، وهو مترصد مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه ) ، فهو صلى الله عليه وسلم من شدة وجله وخوفه لا يتنعم بملذات الدنيا الفانية ، لأنه ينتظر وقوع أحداث يوم القيامة ، وكأنه ينظر إلى هذا الملك ، وقد أخذ البوق ووضعه على فيه ،ينظر إلى عرش الرحمن ،متى يأتيه الأمر فينفخ في الصور، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك في حياته عليه الصلاة والسلام. فكيف يتنعم صلى الله عليه وسلم هو ومن آمن معه بهذه الدنيا ويفرح ويسر فيها؟ ، وكيف يطيب العيش فوقها وقد اقتربت الساعة؟ قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]. فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قرأ سورة هود وأمثالها مما فيه ذكر الآخرة، وذكر سؤال الله له سبحانه، وذكر الأشقياء والسعداء: قَالَ كما في سنن الترمذي : « شَيَّبَتْنِى هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاَتُ وَ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) وَ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) » ، فشاب شعره من شدة الخوف والوجل من ذكر ما فيها من الوعيد ومن التهديد ومن عذاب يوم القيامة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ)، يعني: استمع وأصغى سمعه لإذن الله متى يؤذن له أن ينفخ فينفخ.(فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُمْ : « قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ». فهذا هو الأمر الذي أمرنا الله عز وجل به، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم به، قال الله تعالى : {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129]. فهذه كلمة عظيمة ، فيها التوكل على الله، وفيها الاكتفاء بالله سبحانه وتعالى، والركون إليه وحده لا شريك له، فهو حسبنا ونعم الوكيل، أي: كافينا الله، من هموم الدنيا والآخرة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد العظيمة التي يمكن لنا أن نستخلصها من هذا الحديث : أولا : ثبوت النَّفخ في الصور. ثانيا : عظَمَة الملَك الموكَّل به؛ يقول الإمام الفخر الرَّازي رحمه الله تعالى: “فصاحِب الصُّور يَبلغ في القوَّة إلى حيث إنَّه بنَفخَةٍ واحدة منه يَصعَق مَن في السموات والأرض، وبالنَّفخة الثانية منه يَعودون أحياء، فاعرِف منه عِظَمَ هذه القوَّة”؛ مفاتيح الغيب. ثالثا : خوف الملائكة الشديد من الله تعالى؛ فهذا الملك ،على عظَمَته ، لم يَطرف قطُّ ،خشية أن يُؤمر بالنَّفخ؛ بل عيناه شاخِصتان تجاه العرش، يَنتظر الأمرَ الربَّاني ليَأتمر به. قال الله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 49، 50]. رابعا : إشفاق الصَّحابة الكِرام من النَّفخ؛ حيث بادَروا بسؤال النبيِّ صلى الله عليه وسلم عمَّا يقولونه أو يَفعلونه، فأرشَدَهم إلى ما يثبِت توكُّلَهم على مَن بيده الأمر كله ، وإليه يُرجَع الأمر كلُّه جلَّ جلاله. خامسا : عظم شَأن التوكُّل؛ حيث إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد الصَّحابةَ رضي الله عنهم للتلفُّظ بذلك الكَلِم المبارَك: ((حَسْبُنا الله ونِعْم الوكيل)) عند سماعِهم لهذا الخبر الجَلَل.
الدعاء