خطبة عن الاستجابة لله ورسوله وقوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى)
يناير 11, 2020خطبة عن حماية المريض والناقه وحديث ( يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ)
يناير 11, 2020الخطبة الأولى النهي عن الكسب الحرام ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الهدي النبوي الكريم ، والذي ينهانا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكسب من الأعمال المحرمة ، وكذا التي تتعارض مع المروءة ، وفي النهي عنها ارتفاع عن دنئ الْأَكْسَابِ ،وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمَعَالِي الْأُمُورِ .ففي قوله : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ) ، فأما عن (النهي عن ثمن الكلب) فيقول النووي في شرحه لمسلم : وأما النهي عن ثمن الكلب ،وكونه من شر الكسب ،وكونه خبيثا ،فيدل على تحريم بيعه ،وأنه لا يصح بيعه ،ولا يحل ثمنه، وبهذا قال جماهير العلماء، منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعي ، وأما قوله 🙁وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) : فمَهْر الْبَغِيِّ : هُوَ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ فِي مُقَابِلِ الزِّنَى ، سَمَّاهُ مَهْرًا مَجَازًا ، وهو مالٌ حرامٌ ،يَحْرُمُ أخذُه ،لحرمةِ وسيلةِ كَسْبِه، ويُلْحَق به المالُ المتحصَّلُ عليه مِنَ الغناء ،والرقص ،والمجون ،والمتاجرةِ بالأعراض والأجساد، وَلِلْفُقَهَاءِ تَفَاصِيلُ فِي حُكْمِ المال المتحصل منه يقول ابْنُ الْقَيِّمِ :أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ ، وَلَا يُرَدُّ إلَى الدَّافِعِ ،لِأَنَّهُ دَفَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ ،فِي مُقَابِلِ عِوَضٍ ،لَا يُمْكِنُ صَاحِبُ الْعِوَضِ اسْتِرْجَاعَهُ، فَهُوَ كَسْبٌ خَبِيثٌ ،يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ ،وَلَا يُعَانُ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ ، وَرُجُوعِ مَالِهِ، ويُلحق بذلك التجارةُ السِّلَع التي تدعو إلى الفاحشة ،وإثارةِ الشهوات ،وهي تُنافي الشرعَ والأخلاق؛ فإنَّ طريقَ هذا الكسبِ محرَّمٌ ،والتعاونَ عليه فيه إثمٌ وخطيئةٌ؛ لقوله تعالى:﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (2) [المائدة]، ولقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (19) [النور] ، فالمالُ المأخوذ مِنْ هذه الأعمالِ محرَّمٌ ،لشبهِه بما يُؤْخَذ مِنْ مهر البغيِّ ،الذي يدخل في حكم النهي الذي تضمَّنه الحديثُ، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله: «والمال المأخوذ على هذا يُشْبِه ما يُؤْخَذُ مِنْ مهر البغيِّ وحلوان الكاهن وثمنِ الكلب وأجرةِ المتوسِّط في الحرام الذي يُسمَّى القَوَّادَ ،ليجمع بين اثنين على فاحشةٍ، وهذا لأنَّ هذا جميعَه أخذُ مالٍ للإعانة على الإثم والعدوان » ، وقد اتَّفق العلماءُ على أنَّ المال المُكتسَب بطريقٍ محظورٍ ـ شرعًا ـ يَحْرُمُ على المسلم تملُّكُه، ولا تجوز مُعامَلتُه فيما عنده مِنْ مالٍ متحصَّلٍ عليه بهذا الطريق، ويَحْرُمُ إجابةُ دعوتِه إلى الطعام، وكذلك يَحْرُم قَبولُ هديَّته؛ لأنَّ العوض المدفوعَ ثمنًا لهذا الطعام ،ولهذه الهديَّة مالٌ خبيثٌ ، جاء عن طريقِ كسبٍ محرَّمٍ. ، وأما قوله : (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ حَلَوَانِ الْكَاهِنِ، وَالْكَاهِنُ هو الَّذِي يَدَّعِي عِلْمَ الْغَيْبِ ،وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنْ الْكَوَائِنِ ، والعراف هو الذى يدعى معرفة الشيء الْمَسْرُوقِ ،وَمَكَانِ الضَّالَّةِ ،وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأُمُورِ ، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ مِنْ مُنَجِّمٍ وَضَرَّابٍ بِالْحَصْبَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ الْحَدِيثِ ،وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا يُعْطَاهُ ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَصْدِيقُهُ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ.
أيها المسلمون
فالإسلام يحذر أتباعه من أكل أموال الناس بالباطل ، ومن الكسب الحرام ، ويرشدهم إلى التطهر والتزكية ، والكسب الحلال ، وقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ” رواه مسلم ، وهكذا يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة أكل المال الحرام ، بأي طريقة كانت ، وأي وسيلة حصلت ، فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء ، وإغلاق باب السماء ، والمال الحرام طريق مستعر ، محفوف بالخطر ، وسلم هار ، ينهار بصاحبه إلى النار ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، أي : من حرام ” [ أخرجه الترمذي وغيره ] ، وروى البخاري من حديث خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ، فاحذروا من أكل المال الحرام ، فهو مستنقع قذر ، ووحل ضرر ، وسبيل إلى الهلاك ، ومركب إلى الهاوية ، فاحذروه بكل صوره وأنماطه ، وشتى أنواعه وأشكاله ، فهو خبيث والله تعالى يقول : (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (100) المائدة ، فالكسب الحرام شؤم وبلاء على صاحبه، فبسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء , ووبال الكسب الحرام يكون على الأمة كلها ، فبسببه تفشو مساوئ الأخلاق : من سرقة ،وغصب ،ورشوة ،وربا ،وغش ،واحتكار ، وتطفيف للكيل والميزان ،وأكل مال اليتيم ،وأكل أموال الناس بالباطل , وشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن . ولقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ،بأنه سوف يأتي على الناس زمان ،يتهاونون فيه في قضية الكسب ،فلا يدققون ،ولا يحققون في مكاسبهم ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ »
أيها المسلمون
وللكسب الحرام أسباب ، وأضرار ، نذكر لكم منها : أولاً : من أسباب الكسب الحرام : عدم الخوف والحياء من الله : فالخوف والحياء من الله تعالى ،وحسن مراقبته ،سياجات كلها ،تقي المسلم ،وتحميه من الوقوع في الحرام , ولقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الحياء الحقيقي تعريفا جامعاً مانعاً فقال , عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) رواه أحمد وحسنه الألباني ، ثانيا : من أسباب الكسب الحرام : الحرص على المكسب السريع : فبعض الناس يستعجلون في قضية الرزق ،فهم يريدون الحصول على المال من أي جهة ،وبأي طريق ،حتى لو كان من حرام , فالمكسب السريع عندهم هو الغاية المرجوة ،والهدف المنشود , وقد يتأخر الرزق عن بعض الناس ،لحكمة يعلمها مقدر الأرزاق ومقسمها ؛ فيحمله استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله ، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ففي سنن ابن ماجة والبيهقي : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ». فليعلم العاقل أن الدنيا زائلة ،وأنه موقوف ومسئول بين يدي الله تعالى عن كل ما اكتسبه وكل ما أنفقه ( فعَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » . رواه الترمذي ،ثالثا : من أسباب الكسب الحرام : الطمع وعدم القناعة : فعلى المسلم أن يعلم علم اليقين أن الأرزاق مقسمة كالآجال , ففي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ وَلاَ يُعْطِى الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَلاَ يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ». قَالُوا وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ « غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ وَلاَ يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاَ مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَلاَ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ وَلاَ يَتْرُكَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلاَّ كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ إِنَّ الْخَبِيثَ لاَ يَمْحُو الْخَبِيثَ ». والطمع يُعمي الإنسان عن حقائق الأمور ويُخفي عنه معالمها ، ففي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ». فليعلم العاقل أن الحرام لا يدوم ،وأن ما جمع من حرام سوف يذهب مع الرياح , فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :إِنَّ رَجُلاً حَمَلَ مَعَهُ خَمْرًا في سَفِينَةٍ يَبِيعُهُ وَمَعَهُ قِرْدٌ قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَاعَ الْخَمْرَ شَابَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ قَالَ فَأَخَذَ الْقِرْدُ الْكِيسَ فَصَعِدَ بِهِ فَوْقَ الدَّقَلِ قَالَ فَجَعَلَ يَطْرَحُ دِينَارًا فِي الْبَحْرِ وَدِينَارًا فِي السَّفِينَةِ حَتَّى قَسَمَهُ ). أخرجه أحمد . رابعا : من أسباب الكسب الحرام : الجهل بخطورة الكسب الحرام وحكمه : فكثير من الناس يجهل خطورة الكسب الحرام وحكمه ،وأثره السيئ عليه , ويتهاون في معرفة ما يحصله من أموال , وما يتناوله من طعام ،وقد روى البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية النهي عن الكسب الحرام ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن أضرار الكسب الحرام : فأولها : أن الكسب الحرام : ظلمة القلب وكسل الجوارح عن الطاعة ، فالكسب الحرام له آثار وأضرار وخيمة على صاحبه ،فهو يؤدي إلى ظلمة القلب ،وكسل الجوارح عن طاعة الرب , ونزع البركة من الرزق والعمر، وفي سنن الترمذي :(يقول صلى الله عليه وسلم : يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ » ، وقال ابن عباس رضي الله عنه: ‘إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق’ . ثانيا : من أضرار الكسب الحرام : أنه يورث غضب الجبار ودخول النار ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ». وروى البخاري (عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ – رضى الله عنها – قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، ثالثا : من أضرار الكسب الحرام :عدم قبول الدعاء : روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا } . فقام سعد بن أبي وقاص ( فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» .أخرجه الطبراني ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ » ، رابعا : من أضرار الكسب الحرام : عدم قبول العمل الصالح : فعن ابن عباس والذي نفس محمد بيده، إن الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به” . المعجم الأوسط للطبراني ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُونَ فُلاَنٌ شَهِيدٌ وَفُلاَنٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا بِرَجُلٍ فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا اخْرُجْ يَا عُمَرُ فَنَادِ فِي النَّاسِ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ ». فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ ) رواه ابن حبان واحمد ، ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ) . أخرجه أحمد
الدعاء