خطبة عن (أين النصر؟) مختصرة
يونيو 27, 2024خطبة عن (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً)
يوليو 1, 2024الخطبة الأولى : النهي عن المسألة ( إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح : (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ ». وفي سنن أبي داود (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ ». وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِىَ بِهِ مِنَ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاً أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الشريف ، والذي يحذر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينهى عن المسألة ، ويحث فيه على العمل والانتاج والكسب من ذات اليد ، وبعرق الجبين ، فمن الصِّفات المذمومة التي حذَّر منها الشَّارِع: المَسْأَلة، والمقصود بالمسألة: أن يسأل الإنسان الناس أموالهم أو حاجاتهم من غير ضرورةٍ أو حاجةٍ مُلِحَّة؛ لما يتضمَّن السؤال من الذُّل لغير الله تعالى. قال الله سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273]. قال ابن كثير في “تفسيره”: “أراد: لا يُلِحُّونَ في المسألة، ولا يُكَلِّفُونَ الناسَ ما لا يحتاجون إليه؛ فإن مَنْ سأل وله ما يغنيه عن المسألة، فقد أَلْحَفَ في المسألة” ، وروى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ». قَالُوا : فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« الَّذِى لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلاَ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا ». وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ». وقال أبو حامد الغزالي: والسؤال في الأصل أنه حَرَامٌ، وإنما يُباح لضرورةٍ أو حاجةٍ مُلِحَّةٍ قريبةٍ من الضرورة؛ لما فيه من الشكوى من الله – تعالى – وفيه إظهارُ قصور نعمة الله على عبده، وهو عينُ الشكوى، وفيه إذلالُ السائل نفسه لغير الله تعالى، وكذلك أنه لا يَنْفَكُّ عن إيذاء المسؤول غالبًا؛ فقد يُعطيه حياءً أو رياءً، وهذا حرامٌ على الآخِذ”
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ ) ، فالمقصود أنَّ مَن أصابته حاجةٌ فأنزلها بالناس لم تسدّ حاجته، أمَّا مَن أنزلها بالله، وسأل الله، وتضرع إليه؛ يُوشِك الله جلَّ وعلا أن يُعَجِّل له الرزق، ويُغنيه، ويسدّ حاجته قريبًا. فالمشروع إنزال الحاجات بالله، والتّضرع إلى الله، وسؤاله من فضله، والأخذ بالأسباب، فعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب ولا يجلس عاطلا : فيبيع، ويشتري، ويزرع، إلى غير ذلك، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ذلك حثّ على القناعة والكسب والاستغناء عن سؤال الناس والحاجة إليهم، فالحاجة إليهم ذلٌّ ومهانةٌ وضعفٌ، والاستغناء عنهم عِزَّةٌ وكرامةٌ وفضلٌ، إلا للضَّرورة، وقد شدَّد الشرع في تحريم المسألة والتسوُّل؛ ففي الصحيحين (عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ». قال القرطبي معلِّقًا وشارحًا للحديث: (وفيه قولان):أحدهما: حَمل الحديث على وجهه، وأنه يأتي هذا العبد الذي جعل مسألة الناس حِرفته، وسؤال الخَلْق دون الحقِّ دأبَه وعادته، يوم القيامة وقد قُطِّع لحم وجهه، فيبقى عظمًا أجرد قبيحَ المنظر. والثاني: أن المراد أنه يأتي يوم القيامة لا قَدْر له، ولا وجه ولا وجاهة عند اللَّه تعالى” ، فالمسألة إذًا لا تحل إلا إذا اضطر الإنسان إليها، وقد سئل الإمام أحمد: إذا اضطر الإنسان للمسألة؟ فقال: هي مباحة إذا اضطر إليها، قيل له: فإن تعفَّف؟ ،قال: ذلك خير له، اللَّه يأتيه برزقه، ثم قال: ما أظن أحدًا يموت من الجوع، واللَّه يأتيه برزقه. وأما عن حالة الاضطرار، فما حدها ؟ : فقد اختلف أهل العلم في تحديدها، فبعضهم يرى إذا لم يجد ما يغدِّيه ويُعشيه، وبعضهم يرى إذا ملك خمسين درهمًا فلا تحل له المسألة. واستدلَّ أصحاب الرأي الأول بما رواه أحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم : « إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ « مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ » ، واستدل أصحاب الرأي الثاني بما رواه أبو داود وغيره قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ – أَوْ خُدُوشٌ – أَوْ كُدُوحٌ – فِي وَجْهِهِ ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى قَالَ « خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ ». وما جاء في سنن أبي داود والنسائي ومسند أحمد (أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ « مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : النهي عن المسألة ( إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هذا وقد بيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – مَنْ تَحِلُّ له المسألة؛ وذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْأَلُهُ فِيهَا ،فَقَالَ : « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ :« يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ :رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ». وقال العلماء : يجوز قبول العطاء من غير مسألة ولا إشراف؛ لحديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي خِلاَفَتِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِى مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا . فَقُلْتُ بَلَى . فَقَالَ عُمَرُ مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ قُلْتُ إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا ، وَأَنَا بِخَيْرٍ ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ . قَالَ عُمَرُ لاَ تَفْعَلْ فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِى أَرَدْتَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى . حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَإِلاَّ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ » وفي رواية لمسلم (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ». قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يردُّ شيئاً أُعطيه)
الدعاء