خطبة عن ( اليهود أهل غدر وإفساد)
أكتوبر 14, 2023خطبة عن (كيف ننصر المسلمين في غزة وفلسطين وغيرها؟)
أكتوبر 19, 2023الخطبة الأولى ( النِّيَّة : معناها ، حكمها ، أهميتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه : (أن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم – إن شاء الله تعالى – عن (النِّيَّة : معناها ، حكمها ، أهميتها) ،قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (النية : هي قصد فعل الشيء، فكل عازم على فعل فهو ناويه) ،فالنية : هي المقصد، والغرض، والغاية ، والتي تَحرَّك الانسان لعمل ما ،بغرض تحقيقه، والنية : هي الطَّاقةَ الدَّاخليَّة التي تدفع المرء إلى تحقيق هدفه ،والنية عمل قلبي لا يراه أحد إلاَّ الله سبحانه وتعالى ،وبمقتضاها يكون الجزاء: إمَّا ثوابا، وإمَّا عقابا ،ونحن كثيرا ما نغفل عن استحضار النية في تعبُّدِنا ،وسائر أعمالنا، ولعلَّنا نخسر كثيرًا مِن ثواب أعمالنا، بسبب أنَّنا لا نستحضر نيَّتنا حين الفعل، فنؤديه بآلية، تَفتقِد إلى الخشوع، وتَفتقر إلى الرُّوح الإيمانيَّة، فنُلقي بأعمالنا إلى خواء، ونُضيِّعها ونحن لا نشعر.
وقوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ)؛ هكذا يعلِّمَنا صلى الله عليه وسلم أنَّ النيَّة هي الحدُّ الفاصل بين العمل الخالص لوجه الله تعالى ،وبين العمل الذي يُقصد به غيرُ الله تعالى ،فلكلِّ عمل ظاهرٍ، يوافق شرع الله عزَّ وجلَّ وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم أو يخالفهما، وبهذا يكون صلاح العمل أو فساده ظاهرًا ،ولكلِّ عمل باطنٍ، قصد، نيَّة، وبحسبه يكون الجزاءُ من الله عزَّ وجلَّ ،ومُستقَر هذا الباطن هو القلب، تلك المُضغة التي إذا صَلحَت صَلَح سائرُ الجسد، وإذا فسدت فسد،
فالنيَّة هي رُوح العمل، وهي الموجِّهة له، وبإخلاصها لله تعالى يكون الفوز بالجِنان – بإذن الله تعالى – وبصرفها إلى غير وجهه الكريم سبحانه ،نكون قد أخذنا بأنفسنا إلى دَرَكِ العذاب والعياذ بالله ،فالنية تحِّول المباحات إلى طاعات وقربات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ » ،وفي البخاري : (صلى الله عليه وسلم – قَالَ « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » . فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ :« يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ :« يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ . قَالَ :« فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ »،
فلهذا ينبغي العناية والاهتمام بالنية، وجعلها لله تعالى، خالصة من شوائب الرياء والسمعة ،ولا شك أن تصحيح النية، واستحضارها في بداية العمل، من أعظم ما ينبغي أن يشتغل به العابد، فإن عليها مدار قبول العمل أو رده، وعليها مدار صلاح القلب أو فساده ؛ فإن القلب لا يصلح إلا بأن يكون عمله وسعيه لله خالصا مما سواه.
ويقول (ابن عُثيمين) رحمه الله: والنيَّة نيَّتان: الأولى : نيَّة العمل، ويتكلَّم عليها الفقهاء – رحمهم الله – أنَّها هي المصحِّحة للعمل ،والثانية : نيَّة المعمول له، وهذه يتكلَّم عليها أهل التَّوحيد، وأرباب السلوك؛ لأنَّها تتعلَّق بالإخلاص ،فمثلا :عند إرادة الإنسان الغُسل ،ينوي الغُسل، فهذه نيَّة العمل، لكن إذا نوى الغُسل تقرُّبًا إلى الله تعالى ،وطاعةً له، فهذه نيَّة المعمول له؛ أي: قصد وجهه – سبحانه وتعالى – وهذه الأخيرة هي التي نغفُل عنها كثيرًا، فلا نستحضر نيَّة التَّقرب، فالغالب أنَّنا نفعل العبادة على أنَّنا مُلزمون بها، فننويها لتصحيح العمل، وهذا نقصٌ؛ ولهذا يقول الله تعالى عند ذكر العمل: ﴿ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ [الرعد: 22]، وقال الله تعالى :﴿ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ﴾ [الليل:20]، وقال الله تعالى :﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الحشر: 8
وقد اتَّفق العلماء على أنَّ القلب هو محلُّ النيَّة وموضعها، وجعلوا ذلك شرْطًا في النيَّة، فالنية محلُّها القلب في كلِّ موضع؛ لأنَّ حقيقتها القصدُ مطلقًا، ولا تكفي باللِّسان قطعًا، ولا يُشترط التَّلفظُ بها قطعًا، ولكن يُسنُّ عند الجمهور التَّلفظُ بها لمساعدة القلب على استحضارها، ليكونَ النَّطق عونًا على التَّذكُّر، فإن نوى بقلبه وتلفَّظ بلسانه، أتى عند الجمهور بالأكمل، وإن تلفَّظ بلسانه ولم ينوِ بقلبه، لم يُجزئه، وإن نوى بقلبه ولم يتلفَّظ بلسانه، أجزأه.
أيها المسلمون
وهكذا نعلم أن النيَّة هي “رادار” القلب المسلم، فهي توجهه إمَّا إلى الخير، وإمَّا إلى الشرِّ، وهي مدار عمل المسلم، ومِعيار ضبط الأعمال الشرعيَّة من عباداتٍ ومعاملات، فإمَّا أن تصحِّح العمل الشرعيَّ، وإمَّا أن تُبطلَه وتلغي آثارَه، وهي سبب الثَّواب الأُخروي على العمل، فإمَّا أن تكون سببًا للثَّواب والظَّفر بجِنان الخُلد، كنية الجهاد، وحبِّ المؤمنين، وصفاء القلْب، وإمَّا أن تكون سببًا للعقاب؛ كالحقد والحسد والبغضاء، أو الرياء والشُّهرة والسُّمعة، فمَن حسُنت نيَّتُه وصلحَت سريرته، حاز الفضل والفوز، والخير في الدنيا والآخرة، ومن ساءت نيَّتُه وفسدت سريرتُه، باءَ بالخُسران والسُّوء، والخذلان في الدنيا والآخرة ، وجاء في الحديث : (عن أبي كَبْشَةَ الأنماريِّ: أنَّه سمع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (إنَّما الدُّنيا لأرْبعَةِ نَفَرٍ: عبدٍ رَزقَهُ اللَّهُ مالاً وَعِلْمًا، فهو يَتَّقِي فيه رَبَّهُ، وَيَصِلُ فيه رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فَهذا بِأَفْضلِ المَنازِلِ، وعَبْدٍ رَزقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، ولمْ يَرْزُقْهُ مالاً، فهو صادِقُ النيَّة، يقولُ: لو أَنَّ لي مالاً لَعَمِلْتُ بِعَملِ فُلانٍ، فهو بِنِيَّتِهِ، فأَجْرُهما سواءٌ، وعَبْدٍ رَزقَهُ اللَّهُ مالاً ولمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فهو يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لا يَتَّقِي فيه رَبَّه، ولا يَصِلُ فيه رَحِمَهُ، ولا يَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فهذا بِأَخْبثِ المنازِلِ، وعَبْدٍ لم يَرْزُقْهُ اللَّهُ مالاً ولا عِلْمًا، فهو يقولُ: لو أَنَّ لي مالاً لَعَمِلْتُ فيه بِعَملِ فُلانٍ، فهو بِنِيَّتِهِ؛ فَوِزْرُهما سواءٌ)؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألبانيُّ ،وعن أَبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما يُبْعَثُ النَّاسُ على نِيَّاتِهم)؛ رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني. فهذه النية في أعمالنا هي كالأرواح في الأجساد، ومن خطير أمر النية : أنها لا تدع قولاً ولا فعلاً إلا كانت أصله ومبدؤه، وداؤها وسوسها الرياء، فإذا كان التفات الرجل في صلاته اختلاس يختلسه الشيطان من العبد ،فكيف بمن يلتفت قلبه إلى غير الله سبحانه وتعالى ،فيقصد بعمله غير الله؟ .
أيها المسلمون
إن إصلاح النية فيه مجاهدة وصعوبة، ولكن الله تعالى ييسره على من أخلص، فتصفية العمل من الآفات أشد من العمل نفسه، وحدث يزيد بن هارون بحديث:(إنما الأعمال بالنيات) والامام أحمد بن حنبل رحمه الله جالس ،فقال أحمد ليزيد: يا أبا خالد:(هذا الخناق)، هذا الشيء الصعب ،هذا الشيء الذي يحتاج إلى جهاد، فالقلب كثير التقلب ،وهو رقيق ،تؤثر فيه الخطرات، وقد قال ﷺ كما في صحيح مسلم : « إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ».، وفي مسند أحمد ،قال صلى الله عليه وسلم: « لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلاَباً مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْياً » ،فتصحيح النية يشق على النفس ،وتحتاج القضية فيه إلى معالجة، حتى قال سفيان رحمه الله وهو من أئمة السلف: (ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيتي فإنها تتقلب عليَّ)، تتغير وتتحول، يحتاج إلى ردها، وإلى توجيهها، وإلى تحديدها ،وقال رجل من العلماء: (اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة: ترك الطمع فيما بيني وبين الناس، وإخلاص العمل لله عز وجل)، فتخليص العمل حتى يخلص هو أشد من العمل، والخوف على العمل ،وحفظ العمل بعد أدائه ، أشد من العمل نفسه، وتخليص النية من فسادها ،أشد من طول الاجتهاد؛ لأن قطاع الطرق كثيرون، وأنت في سيرك إلى الله يخرج عليك العدو من هاهنا وهاهنا، وأنت تقاوم، وتجاهد، وتصحح، وتوجه، وتذكر نفسك.
وتصحيح النية هو تأهيل للعمل ،ليقبله الله عز وجل، وفساد النية يسبب حبوط العمل، وضياع الجهد، وفضيحة في الدنيا والآخرة، وتصبح الأعمال هباء منثوراً، فهل يريد العبد أن يجهد نفسه في صوم، وصدقة، وتلاوة، وبر الوالدين.. ونحو ذلك ثم يذهب أجره هباء منثوراً بتسميع، أو رياء، أو إعلان، يقصد به المفاخرة، ورجاء ما في أيدي الناس؟ فلا تكن كمن يحرث في الماء، أو يبذر في الصحراء.
وتصحيح النية ممكن ،فأحياناً يحدث أن بعض الناس يبدأ بالعمل لغير الله ،فيوفقه الله ،وتدركه رحمة الله ،فيغير نيته ،وقد تبدأ بعمل لأجل مخلوق، ثم يحضرك خوف الله، ومراقبة الله، وقصد الله، فتذهب النية الباطلة، وتحل بدلاً منها نية طيبة، فهنيئاً في هذه الحالة، وقد تكون النية الحسنة خفيفة ثم تقوى، قال مجاهد رحمه الله: “طلبنا العلم ومالنا فيه كثير نية، ثم رزقنا الله تعالى فيه تصحيح النية” ،
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا مدى أهمية النية ،ومدى تأثيرها على الأعمال ،ومدى خطورتها، فالنية عليها مدار العمل، ولا يتقبل الله من الإنسان أي عمل بدون نية ،لذلك كانت النية في الإسلام شرطاً ، لا يقبل الله العمل إلا بها ،وهذا يدل على اهتمام الإسلام بالجوهر اهتماماً كلياً ،ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.، وفي رواية : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن تكون النية في الأعمال لغير الله، لما يترتب على ذلك من مساوئ وأخطار، فقال صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد : (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ قَالَ :« الرِّيَاءُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمُ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً »،
والاسلام عندما أوجب النية في الأعمال والإخلاص لله فيها، علم ما فيها من الفوائد العظيمة والخيرات العميقة، التي تعود على الفرد المسلم، والمجتمع الإسلامي. فالنية تحض المسلم على العمل في سبيل الخير، والإخلاص فيه ،وإتقانه ،لأن المسلم يعمل لله وحده، فيراقب الله في ذلك، ويجعله أمامه في أي عمل ينوي القيام به، فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه) رواه الطبراني ،فالنية تبعده عن فعل الشر، والاقتراب منه، لأنه يراقب الله ويخافه، ويعلم أن الله مطلع عليه، وعلى أفعاله، فالخوف من الله يردعه ويمنعه.
والنية تجعل للمسلم هدف من وراء عمله.. فتكون له حافزاً على فعل الخير، فلا يقدم على عمل دون ما هدف، وإنما يهدف من وراء ذلك إرضاء الله سبحانه وحده، فيفعل الخير ابتغاء مرضاة الله، ولو جلب عليه ذلك ما يكدر عيشه ،وينغص عليه حياته الدنيوية.
والنية تجعل المسلم سليم الصدر، والضمير، لا يحمل الحقد والحسد وسوء الظن، ولا يكن لأحد سوءاً أو ينوي شراً ،فإذا سلمت النية من السوء، سلمت الأعضاء جميعها من الإقدام على السوء والإثم، يقول عليه الصلاة والسلام: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ».، وقال الله تعالى : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) آل عمران 29، وقال الله تعالى 🙁 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (47) الانفال، وقال الله تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف (110) ،وقد يؤجر المؤمن على النية إذا كانت خالصة لله دون أن يعمل، ويكون ثوابه كمن عمل، ومن ذلك رواه البخاري في صحيحه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( النِّيَّة : معناها ، حكمها ، أهميتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلينو كل منكم فعل الخيرات ،وإن لم يستطع فعلها ، فالنية الصادقة هي أساس العمل ، وهي التي تجعل العبد يثاب على عمله أو لا يثاب ، وهي ركن من أركان العبادات كلها ، والنية في العمل قد تجعل الحلال حراما ،وقد تجعل المباح محظورا ،فمثلا : الزواج عمل مشروع ،ويحث عليه الدين ،وأمرنا به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ،والصداق أو المهر ركن من أركان النكاح ،ويجوز دفعه مقدما أو تأخيره ،ولكن ، إذا نوى الرجل أن لا يدفع الصداق المؤخر لمن أراد نكاحها، أصبح هذا الرجل زانيا بهذه المرأة ،وليس زوجا لها بالحلال ،لمجرد نيته الصادقة بعدم دفع الصداق لهذه المرأة ،بعد الدخول بها ،ومثال آخر ،فمعلوم لنا أن الدين مباح ،ولكن ، من استدان دينا ،وهو ينوي عدم السداد ،أصبح هذا الشخص سارقا لهذ المال ،والشاهد على المثالين السابقين ما رواه الإمام أحمد في مسنده :(أن صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ يُحَدِّثُ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّمَا رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقاً وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ زَانٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ ادَّانَ مِنْ رَجُلٍ دَيْناً وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ إِنَّهُ لاَ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهِ فَغَرَّهُ بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ سَارِقٌ »، وأيضا فإن المميز بين العادة والعبادة هو النية وإلى هذا المعنى أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ ففي صحيح البخاري(عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ،فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ،فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ »
أيها المؤمنون
وفي قصة مهاجر أم قيس ،والذي هاجر في زمن رسول الله من مكة إلى المدينة ،بغية أن يتزوج من هذه المرأة التي يحبها ،فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصته ونيته قال قولته المشهورة كما في صحيح البخاري :(أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »، وإذا نظرنا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ » فإن نية المقتول الفاسدة ،وإرادته السيئة ،هي التي جعلته من أصحاب النار ،رغم أنه قتل ولم يقتل بسيفه ،ولو كانت نيته جهادا في سبيل الله ،أو دفاعا عن النفس أو المال أو العرض ،لكان من الشهداء في جنات النعيم ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ يَوْمًا أَوْصِنِي يَا أَبَتِ ،فَقَالَ : (يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا نَوَيْتَ الْخَيْرَ )
الدعاء