خطبة حول حديث (يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ)
يوليو 18, 2023خطبة حول قوله تعالى (قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْر)
يوليو 22, 2023الخطبة الأولى ( الهجرة ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)، وروى البخاري في صحيحه: (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»
إخوة الإسلام
كلما أهل علينا شهر الله المحرم، وأستقبل المسلمون عاما هجريا جديدا، تذكرنا هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والهجرة في بداية الدعوة كانت واجبة على كل مسلم ومسلمة، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في العام الثامن، قال: (لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) وبهذا توقفت الهجرة من مكة إلى المدينة، لأن الإسلام أصبح ظاهرا في كل البقاع، وأصبح المسلم في استطاعته أن يقيم شرع الله ودينه من عقائد وعبادات في أي مكان في الجزيرة العربية، فلا حاجة له إذن في الهجرة، أما إذا كان المسلم لا يستطيع أن يقوم بشعائر الإسلام في أي بلد، وفي أي زمان أو مكان، فوجبت عليه الهجرة إلى بلد اسلامي يستطيع فيه أن يعبد الله دون خوف، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين” (رواه أبو داود).
والهجرة ليست مقصورة على هجرة الأوطان، ولكن الهجرة كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم بقوله: (وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)، فلكي تكون من المهاجرين في هذا الزمان، فعليك بالهجرة من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلال إلى الهدى، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن البدعة إلى السنة، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى إلى الأمانة، وهكذا، فالهجرة مفتوحة أبوابها دائما، يَقُولُ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه ابو داود، والمسلم في هجرة دائمة من فحش القول، وبذئ الكلام، إلى الكلم الطيب وما يرضي الرحمن، فالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ » رواه الترمذي. والمسلم في هجرة دائمة من الغفلة إلى الذكر، فقد سئل رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ « الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» رواه الترمذي. والمسلم يهجر الإسراف والتبذير، ويتخلق بالقصد والاعتدال ، والمسلم يهجر قطيعة الأرحام، فيبدأ بالسلام، والمسلم يهجر النوم والكسل حينما يسمع النداء، (الصلاة خير من النوم ) فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ »، والمسلم يهجر فظاظة الطباع، وغلظة القلب في التعامل مع الآخرين، ويتحلى باللين والرفق فالنَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ » رواه أحمد، وفي صحيح مسلم: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ».
ونحن المسلمين في هذا الزمان في حاجة ماسة إلى هجر تقليد الكفار في بدعهم وعاداتهم ومنكراتهم، وقوانينهم الوضعية الفاسدة، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ». وفي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى ، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»، وقال صلى الله عليه وسلم- محذرًا من التشبه بالكفار، فقال : “من تشبه بقوم فهو منهم” (رواه أبو داود).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الهجرة)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمهاجر: من هجر الدنيا وإغراءاتها، وابتغى وجه الله تعالى والدار الآخرة قال الله تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ »، وفيه أيضا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ». قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً »
والمهاجر من هجر البطالة إلى الجد والعمل وكان كسبه حلالا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يحب العبد المحترف” (رواه الطبراني). وفي صحيح البخاري (أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» والمهاجر: من هجر السلبية وكان ايجابيا في مشاركة المسلمين، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ،والمهاجر: من عقد العزم على حفظ القرآن والسنة وتعليمه لغيره، ففي صحيح البخاري:عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم قَالَ «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
أيها المسلمون
ولنحرص ونحن في هجرتنا إلى الله تعالى على تصحيح النية، وإخلاص القصد لله، لكي تكون هجرتنا إلى الله ورسوله، لا لدنيا نصيبها، ففي الصحيحين: (يَقُولُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
الدعاء