خطبة عن حرمة التفريق بين الوالدة وولدها ، وحديث ( مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أكتوبر 31, 2020خطبة عن رد الغيبة عن المسلم ، وحديث ( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
نوفمبر 7, 2020الخطبة الأولى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (9) ،(10) يونس
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (9) ،(10) يونس ،يقول الإمام الطبري في تفسيرها : إن الذين صدَّقوا الله ورسوله ، وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره ، يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة، بلغنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره صُوِّر له عمله في صورة حَسَنة فيقول له: ما أنت؟ فو الله إني لأراك امرأ صِدْقٍ! فيقول: أنا عملك! فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنة. وأما الكافر إذا خرج من قبره صُوِّر له عمله في صورة سيئة وشارة سيئة فيقول: ما أنت ؟ فو الله إني لأراك امرأ سَوْء! فيقول: أنا عملك! فينطلق به حتى يدخله النار. وفي تفسير ابن كثير : قال ابن جريج : يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره ، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك . فيجعل له نورا . من بين يديه حتى يدخله الجنة ، فذلك قوله تعالى 🙁 يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) ، والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه ويلازمه حتى يقذفه في النار ، ففي هذا إخبار عن حال السعداء ،الذين آمنوا بالله ،وصدقوا المرسلين ، وامتثلوا ما أمروا به ، فعملوا الصالحات ، بأنه سيهديهم بإيمانهم .وقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، فهذا فيه دلالة على أن الله تعالى هو المحمود أبدا ، المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره ، وفي ابتداء كتابه ، وعند ابتداء تنزيله ، فهو المحمود في الأول وفي الآخر ، وفي الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وفي جميع الأحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم : « ..يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ». وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم الله عليهم ، فتكرر وتعاد وتزاد ، فليس لها انقضاء ولا أمد ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .
أيها المسلمون
فكل من آمن وعمل صالحًا ، فلن يضيعه الله ،ولن يخذله في وقت المحنة الكبرى ، والشدة الحقيقية ، فبينما سيعاني من أهمل تلك الأهوال ،ولم يعمل لها، سيكون المؤمن في كنف الله كما قال تعالى : (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) الانبياء 103 ، ويتنعم بالأنهار ، ويستظل بالجنان ، ويتلقى التحايا بالسلام، فيحمد الله ، ويطمئن القلب ، وينشرح انشراحًا لا يزول ، وبسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، ففي الدنيا يعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم ، وفي الدار الآخرة ، دار الجزاء ، يهديهم إلى الصراط المستقيم ،الموصل إلى جنات النعيم،. ولهذا قال الله تعالى : {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ} الجارية على الدوام {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أضافها الله إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات ، وكذلك نعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب، والمناكح ونحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون. وقوله تعالى :{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} أي: عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة ومشقة. {و} أما {تَحِيَّتُهُمْ} فيما بينهم عند التلاقي والتزاور، فهو السلام، أي: كلام سالم من اللغو والإثم، موصوف بأنه {سَلامٌ} وقد قيل في تفسير قوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ} إلى آخر الآية، أن أهل الجنة -إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما- قالوا سبحانك اللهم، فأحضر لهم في الحال. فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فالذين آمنوا بالله ورسوله ،وعملوا الصالحات يدلهم ربهم إلى طريق الجنة ،ويوفقهم إلى العمل الموصل إليه؛ بسبب إيمانهم، ثم يثيبهم بدخول الجنة ،وإحلال رضوانه عليهم، تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) فالهداية معناها الدلالة على الخير، بالمنهج الذي أرسله الحق سبحانه لنا، وبه بيّن الحقّ السّبل أمام المؤمن والكافر، أما الذي يقبل على الله بإيمان فيعطيه الحق سبحانه وتعالى هداية أخرى؛ بأن يخفف أعباء الطاعة على نفسه، ويزيده سبحانه هدى بالمعروف؛ لذلك قال سبحانه:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (45) البقرة، وهكذا يتلقى المؤمن مشقات الطاعة بحب؛ فيهوّنها الحق سبحانه عليه ويجعله يدرك لذة هذه الطاعة؛ لتهون عليه مشقتها، ويمده سبحانه أيضاً بالمعونة. وما داموا قد آمنوا، فسبحانه وتعالى ينزل لهم الأحكام التي تفيدهم في حياتهم ،وتنفعهم في آخرتهم، فالمسلم يدعو في كل صلاة : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة (6) ، وهذا الدعاء الرباني عظيم في دلالته، ولحكمة الله لعباده أن يتلوه ويقرؤونه في كل صلاة ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا
من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والهداية المطلوبة هي أربعة أنواع : فالهداية الأولى : هي منح الله عباده القوى والقدرات والملكات التي بها يتوصلون إلى معرفة الخير والمصلحة ، وإلى معرفة الشر والمفسدة ، ومن ذلك أن الله تعالى زودهم بالحواس المعروفة ، من سمع ، وبصر ولمس ، وغير ذلك ، ومنحهم سبحانه العقول التي يحصلون بها العلم والتعلم ، أما الهداية الثانية: في الهداية العامة ، فالله تعالى بعث الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،وأنزل الكتب وخاتمتها القرآن ، ولهذا قال الله تعالى : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) الرعد (7) ،وقال الله سبحانه (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (9) الاسراء فبين سبحانه وتعالى أن الرسل هداة ، وأن القرآن الكريم والكتب السماوية قبله كانت هداية للناس ، أما الهداية الثالثة: فهي الهداية الخاصة ،وهي هداية التوفيق للصالحين من عباد الله المؤمنين ، فالله تعالى يهديهم الله إلى صراطه المستقيم ، ولهذا يقول الله عز وجل : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (24) الحج، ويقول عز وجل : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69) العنكبوت ،فهذه هداية التوفيق والإلهام أن الله تعالى يأخذ بيد من يشاء من عباده إلى الصراط المستقيم ، أما الهداية الرابعة: فهي الهداية إلى مجاورته سبحانه وتعالى في جنات عدن ،في جنات النعيم ، قال الله عز وجل : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (43) الاعراف ، فتمام الهداية إنما يتحقق بمصير الناس إلى جنات النعيم ،في جوار الرب الرحيم
الدعاء