خطبة عن الرفق بالنساء وحديث ( رِفْقاً بِالْقَوَارِيرِ)
سبتمبر 9, 2017خطبة عن ( مُدَبِّرُ الْأَمْرَ هو اللَّهُ )
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( الهدهد .. وقضية التوحيد)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (20): (26) النمل
إخوة الإسلام
إن قضية التوحيد، وإفراد الله -عز وجل- بأنواع العبادة، والتحذير من الشرك وخطورة الوقوع في مزالقه ، لهو من القضايا الكبرى المصيرية في الإسلام ، والتي يجب التذكير بها بين الفينة والأخرى ،وذلك لأن مدار نجاة العبد في دار الخلود متوقف على الإتيان بهذه العبادة خالصة نقية؛ ولأهميتها كانت قاعدة انطلاق دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من أساسها. فقضية التوحيد هي القضية الكونية العظمى التي من أجلها وُجدت هذه الكائنات والمخلوقات، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]؛ قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-:
(هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى؛ فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم ) . وقضية التوحيد بعث الله سبحانه وتعالى من أجلها الرسل ، فأرسلهم لتحقيق هذه الغاية الكبرى؛ كما قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]. وتحقيق التوحيد هو الضمان الوحيد لنجاة العبد من الخلود في النار يوم القيامة، وسبب أعظم لدخول الجنة إما ابتداء أو انتهاء. فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ( مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ ). وفي البخاري أيضًا من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ( أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثًا، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا. وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا ). والتوحيد هو الفيصل بين الإسلام والكفر؛ وهو العاصم لعرض العبد ودمه وماله؛ فكل من أتى بهذا التوحيد حرم التعرض له بأي أنواع الأذى، إلا ما أذنت فيه الشريعة؛ كما في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلًاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ). وقضية التوحيد هي أول الواجبات التي يدعى إليها الخلق، فلا واجب قبله، ولا أدل على ذلك من اتفاق الأنبياء جميعًا على البدء بقولهم لأممهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-:
( أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
أيها المسلمون
وفي قصة الهدهد مع سليمان والتي تصدرت آياتها هذه الخطبة ، يتبين لنا إدراك الهدهد لقضية التوحيد ، وأهمية الدعوة إليها ، فالهدهد كان واعيا بمشروع دعوته ،وأن الدعوة إلى التوحيد هي أولى من أي تكليف. فقد قال الله تعالى على لسان الهدهد : ( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، 24: 26 النمل . هكذا أدرك الهدهد أن مهمة سليمان الحقيقية هي الهداية والدعوة إلى توحيد الله ، ولذلك سماها بالنبإ اليقين، والنبأ اليقين الذي اختلفت حوله البشرية جمعاء هو توحيد الله فرغم سعة مملكة سبأ وما أوتيت من حزم وسطوة وكنوز وجنود ورعية مطيعة وعرش عظيم، وأوتيت من كل شيء فكل هذا لا يساوي شيئا أمام سجودهم لغير الله، فلا قيمة للدنيا خارج توحيد الله.. ويستمر الهدهد في إدراكه لحقيقة التوحيد ، واستحقاق السجود له وحده تعالى، فالشمس جزء من الخبء، وهو الذي جعل الشمس ضياء، وإخراج الخبء هو الإيجاد من العدم، والخبء شامل في السموات والأرض، وإخراج الخبء هو نظام التدبير الكوني الذي تعتبر الشمس عنصرا منه، فمن الذي يستحق السجود الذي يخرج الخبء أم الشيء المخبوء؟ ويختم الهدهد بيانه الدعوي كما قال الله تعالى على لسانه : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) النمل .فالعظيم صفة خاصة بالله تعالى، وعرشه أيضا عظيم ، وعرش بلقيس جاء ذكره في الآيات نكرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) ، وعرش الله تعالى جاء ذكره في الآيات معرفة (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الهدهد .. وقضية التوحيد)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن هدهد سليمان كان نموذجا طيبا في الدعوة الى توحيد الله عز وجل .. فهذه الآيات تبين لنا مدى فقه وعلم وحكمة هذا الهدهد في الدعوة إلى توحيد الله عز وجل ،ومن قصة هذا الهدهد السليماني نتعلم : أن توحيد الله عز وجل هو أول ما يجب أن يدعو الداعي إليه ، وأن عبادة غير الله شرك والعياذ بالله ، ونتعلم أيضا : أنه يجب على المؤمن أن يغار على عبادة الله وتوحيده ، فغيرة الهدهد على توحيد الله عز وجل كانت جلية واضحة كما في قوله : ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ ، وهكذا نرى استنكار وغيرة الهدهد لما فعلوه من سجودهم لغير الله عز وجل ، فيامن تنكر وجود الله ، ويامن تعبد المادة ،ويا من تسجد عند الأعتاب والأضرحة ،
ويامن تسجد للنار ، والبقر ، وغيرها ، هذا هو (الهدهد)، ذلك المخلوق الذى نقول عنه أنه ليس له عقل ، وليس له دور في الدعوة الى الله عز وجل ، هذا (الهدهد) هو أعلم وأقرب في الدعوة إلى الله ، وأغير على توحيد الله منكم ،
ويا من تدعون العلم والثقافة ، تعلموا من هذا الهدهد ، وخذوا منه القدوة الحسنة لعلكم تهتدون. ونتعلم أيضا : أن الهدهد بين معنى لا إله إلا الله ، في قوله : ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾
الدعاء