خطبة عن اسباغ الوضوء وحديث (ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ)
يوليو 23, 2022خطبة عن (خير الناس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُه)
يوليو 23, 2022الخطبة الأولى ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (38) البقرة
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم -إن شاء الله- موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (38) البقرة ، قال العلماء : والمعنى : اهبطوا من الجنة جميعًا، وسيأتيكم أنتم وذرياتكم المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق، فمن عمل بها فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ،ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا ، فمن اتبع هدى الله تعالى , حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به, وكذب بآياته ، فينبغي للمسلم أن يلتمس الهدى من الله تعال في السؤال والطلب، وفي الالتماس والبحث، فالهدى يُتلمس بالوحي، والهدايات مُضمنة في هذا الكتاب، وفيما يشرحه من سنة رسول الله ﷺ على فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم- فمن طلب الهدى في غير ذلك أضله الله، فالذين يبحثون عن الهدى في كتب أهل الكتاب، أو في كتب الفلاسفة الملحدين ، أو في غير ذلك مما لا يوصل إلى الهدى ، فإن هؤلاء يضلون الطريق، ويبحثون عن الهدى في غير مظانه ، والنبي ﷺ حينما رأى صحيفة من التوراة في يد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه )غضب صلى الله عليه وسلم ، ففي مسند أحمد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ « أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي ». فكيف يقول قائل: بأن اليهود عندهم حق، وأن النصارى عندهم حق، وأن البوذيين عندهم حق، وأن الطوائف الضالة المُنحرفة عندهم حق، وينبغي أن يُؤخذ من كل طائفة ما عندها من الحق، من أجل أن يجتمع ويلتئم، فهذا لا يقوله أحد عرف حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ ، هذا لا يقوله إلا من كان متهوكًا فيها ، شاكًا في دينه ، لا يعرف حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ من هذا الهدى الكامل، فالذي يقول بأن أحدًا من الطوائف لا يملك الهدى الكامل، أو ما يُسميه بالحقيقة المُطلقة، وإنما ذلك قد تفرق في أهل الأديان والطوائف ، فيؤخذ من كل طائفة ما عندها، فهذا لم يعرف دين الإسلام معرفة صحيحة، وإلا كيف يُقال مثل هذا؟! والله تعالى يقول في محكم التنزيل: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38] ،ومفهوم المخالفة أن الذين لا يتبعون هذا الهدى، فالخوف مُتحققٌ فيهم، وقلوبهم موضعًا للأحزان؛ لأنه فاتهم أعظم المطالب.
أيها المسلمون
والمتأمل للآية الكريمة يجد أنه في هذا الموضع أفرد الله تعالى الضمير فقال تعالى : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي) [البقرة:38] ،ليدل على أن الهدى لا يكون إلا منه وحده -تبارك وتعالى- فناسب هنا أن يُذكر الضمير الخاص، فلا هادي إلا هو، فجاء بهذا اللفظ الذي لا يشركه فيه غيره، فهذا لا يحتمل غير الله تعالى فالهدى إنما يأتي من الله، ولا يأتي من غيره، فالذي يطلب الهدى من أفكار يولدها الناس، واستنتاجات ورؤى، وما إلى ذلك، فإن هذا لا يمكن أن يصل إلى مطلوب صحيح… وفي قوله تعالى : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [ البقرة:38] ، فقد أضاف الهدى إليه ( فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ)؛ لأنه هو الذي شرعه، وأنزله، وأمر باتباعه وسلوكه، فهذا الذي يتبع هذا الهدى ينتفي عنه جميع أنواع المخاوف، وكثير من المفسرين يقول: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ويمكن أن يكون المعنى أعم من هذا، فلا خوف عليهم في هذه الدنيا، ولا خوف عليهم في البرزخ، فهم آمنون، كما قال -تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ، فهذا الهدى يكون بالإيمان، والعمل الصالح، واتباع ما أنزل الله -تبارك وتعالى.
أيها المسلمون
والله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة ، يقول الله تبارك وتعالى : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف:5 ، ويقول الله تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة:13 ، فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور ، فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟ ، فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك ، أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول : إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم ، فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم ، فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ، ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد ، بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه ، فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟
بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ، وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً ، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا ؛ لأن مبين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلا بد أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا . ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها ، ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة ؛ لأنها ثابتة بوعد الله ، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .
بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره ، وأنه يقول كما يريد ، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته ، ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته ، وأنه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ، ولكنها مشيئة تابعة لحكمته ؛ لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ، ويحكمها عملاً وصنعاً ، والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لمن أرادها ، لمن يعلم سبحانه وتعالى أنه يريد الحق ، وأن قلبه على الاستقامة . ويقَدِّر الضلالة لمن لم يكن كذلك ، لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء ، فإن حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين ، إلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب إرادته إلى إرادة أخرى ، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد كان طلب الهداية حاضراً في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى » ، وفي صحيح مسلم (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ « اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ». ، ولأهمية الهداية فقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا إلى سؤالها ؛ فقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ ،قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ ».، وفي زماننا هذا الذي احتوى كثيراً من الشبهات والشهوات تزداد ضرورتنا لهداية الله لنا ،والتماس أسبابها، جاء في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ». فعلينا أن نطلب الهداية من الله ليل نهار ، وأن نعمل بما يرضيه ، لننال هدايته وتوفيقه ، فنسعد في دنيانا وأخرانا .
الدعاء