خطبة عن قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)
أكتوبر 26, 2019خطبة عن: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
أكتوبر 26, 2019الخطبة الأولى : الوصية ، وحديث ( أُوصِى بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لاَ .. قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ سَعْدٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لِي مَالٌ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ « لاَ » . قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ « لاَ » . قُلْتُ فَالثُّلُثُ قَالَ « الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ، أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً ، يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ »
إخوة الإسلام
قد يقصّر الإنسان أو يغفل في حياته عن البذل في أعمال الخير، ولذلك فقد شرع الله تعالى له برحمته أن يوصي، فالوصية هي : أمر الميت بالتصرف أو التبرع بالمال بعد موته، وبذلك يمكن الإنسان أن يتدارك شيئاً مما فوّته على نفسه من الحسنات في حياته، فله أن يوصي للفقراء ببعض ماله، أو لأقاربه وأرحامه غير الوارثين، أو قد يكون قصد الميت من الوصية مكافأة من أحسن إليه أيضاً، وهكذا يزداد رصيد أعماله الصالحة بعد موته، وتنفّذ الوصايا بعد موت أصحابها، إلا أن الأفضل لهم أن يخرجوها في حال حياتهم إن كانت لجهات البر والخير، لأن الإنسان لا يأمن أن يفرّط من خلفه بوصيته فلا تنفّذ، كما أن الصدقة في حال الحياة أفضل من الوصية، حيث قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) المنافقون 10، والأصل في الوصية قول الله عز وجل : “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ” (البقرة:180)، وأكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي في الصحيحين : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ ، يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ » ، وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة إلى الحكمة من عدم جواز زيادة الوصية على الثلث ، وهي أن يترك المال للورثة ، فلا يحتاجون معه لسؤال الناس ، وأن هذا خير له من أن يوصي ثم يترك ورثته فقراء .فأراد الرسول صلى الله عليه بذلك : تحقيق العدل بين الوصية وبين حق الورثة في المال ، وإذا كان الموصي يريد بالوصية الثواب ، فإن تركه المال لورثته الفقراء المحتاجين إليه أكثر ثواباً ، فإن إعطاء القريب الفقير أفضل من إعطاء من ليس قريباً . ولهذا يستحب لمن كان ورثته فقراء ، وكان ماله قليلاً بحيث لا يغني الورثة ، يستحب له أن لا يوصي ، ويترك المال لورثته . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : (إنك لن تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً ، فدعه لورثتك) ، وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : “منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال ، فإذا أوصى بزائد عن الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم ،
أيها المسلمون
ومع كون الوصية مشروعة في الأصل ، إلا أن لها أربعة أحكام: الأول : قد تكون الوصية واجبة : وذلك في كل حق واجب على الموصي ،ليس عليه بينة، كشهود يشهدون به لصاحبه، فيوصي به خشية أن يجحده الورثة، أو لا يصدقوا مدعيه، مثل أن تكون عند المرء زكاة لا يعلم بها إلا هو ،ولا يتمكن من إخراجها في الوقت الحاضر، أو يكون عليه لآخر دين بسبب اقتراض ،أو مبايعة بأجل أو شراكة بينهما في مال ،ولا بينة لما تقدم. الثاني : قد تكون الوصية مستحبة : وذلك في غير الحقوق الواجبة مما هو مشروع كالوصية بإنفاق ثلث ماله أو أقل منه في وجوه البر. الثالث : قد تكون الوصية مباحة : وذلك بالوصية ببعض ماله في الوجوه المباحة ،لكنها ليست من وجوه البر التي تبذل فيها الصدقة كهدية لغني. الرابع : قد تكون الوصية مكروهة أو محرمة : وذلك إذا أوصى لجهة غير مباحة كالوصية لجهة لهو أو عبث، أو الوصية للأضرحة وتشييد القبور، أو الوصية بإقامة المآتم، أو إقامة الحفلات الغنائية المحرمة، أو الوصية لوارث ،أو بأكثر من الثلث.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : الوصية ، وحديث ( أُوصِى بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لاَ .. قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويشترط لصحة الوصية ثلاثة شروط: 1 – أن يكون المال الموصى به حلالاً؛ فلا تصح الوصية بمال محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا) رواه مسلم ، 2 – أن تكون في ثلث ماله أو أقل ،ولا يجوز بأكثر منه لقوله صلى الله عليه وسلم: ” الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ “، وقد أوصى أبو بكر بخمس ماله وقال : رضيت بما رضي الله به لنفسه الخمس. ، 3 – أن تكون الوصية لغير وارث، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا وصية لوارث ” ، وينبغي على الموصي العناية بتوثيق وصيته وحفظ محتواها من خلال أمرين: الأول : كتابة الوصية لتوثيقها وعدم الشك في شيء منها، والثاني: حفظها عنده أو عند من يثق فيه؛ لئلا تضيع. وأن تتضمن الوصية النصيحة بتقوى الله ، والصبر على المصيبة،
أيها المسلمون
ومن المعلوم أنه لا وصية لوارث ، فالورثة لا يوصي لهم بشيء، لا أبناؤه ولا غيرهم، أما غير الورثة فلا بأس، كأن يوصي لعمته، وخالته، أو لشخص آخر لا يرث من أقاربه ، وفي هذا الحديث : حث على صلة الأرحام ، والإحسان إلى الأقارب ، والشفقة على الورثة ، وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير . وفيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير ، وأن الأعمال بالنيات ، وأنه إنما يثاب على عمله بنيته ، وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى ، وأن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ،وإذا كان مال الإنسان قليلاً وكان ورثته فقراء فالأفضل أن لا يوصي بشيء لا قليل ولا كثير
الدعاء